ويمكن أن تجد ذلك التناقض متجسدا بصورة جلية في متحف "آيا صوفيا" بمدينة إسطنبول التركية، والذي ستجد فيه طريقتين مختلفتين تماما للتقرب من الله.
ففي جانب ستجد مرسومات مسيحية بالفسيفساء، تجسد يسوع المسيح ووالدته، وعددا من الشخصيات المقدسة الأخرى، وفي الجهة الأخرى خطا إسلاميا منمقا يتحدث عن فضيلة التقرب من الله.
وعلقت مجلة "إيكونومست" البريطانية على ذلك الأمر، قائلة إن الإسلام يقدم فكرة رئيسية في فنه تؤكد على أن "الله يتجسد للإنسان عن طريق اللغة، سواء مكتوبة أو مسموعة، لكن ليس من خلال الصور والتجسيد".
Capital Oversight | #10 of 2015 top ten explainers: why Islam prohibits images of Muhammad https://t.co/l16bhheaLD pic.twitter.com/YYFeclC6rJ
— Capital Oversight (@iOversight) December 25, 2015
سر النفور
وبحسب تقرير آخر لمجلة "نيويوركر" الأمريكية تشير إلى أن التاريخ الإسلامي يشهد نفورا عميقا من فكرة التصوير الحيوي للكائنات وخاصة البشر.
وتابعت، قائلا "في الواقع إن التاريخ الإسلامي لديه مشكلة عميقة في تصوير الأنبياء السابقين مثل نوح وعيسى، وبالتأكيد على رأسهم الرسول، محمد، ويمكن أن تتخيل أن محاولت تصوير الإله قد يكون أمل أقل ضراوة من محاولة رسم محمد فقط".
وتشير "الإيكونومست" إلى أن السر وراء ذلك الرفض القاطع للتصوير والتجسيد للرسول وباقي الأنبياء، يرجع إلى "رعب متأصل في الإسلام من الوثنية".
وأضافت، قائلة "هناك رعب متأصل في الإسلام أن يكون هناك شيئا بين الإنسان وربه، أو التنازل عن فكرة تفرد وعدم قابلية الله للتجزئة".
وتظهر كافة كتب التاريخ والشريعة الإسلامية أنه لا يوجد في القرآن ما يدين بشكل واضح الفن التمثيلي.
ورغم أن الإسلام يحذر بشكل واضح من الوثنية أو الانتقاص من عباد الله وحده".
كما يستند معظم فقهاء الإسلام إلى حظر رسم صور الرسول، أو حظر الرسم بشكل عام بكافة أشكاله، إلى أحاديث نبوية تحرم تصوير والتجسيد، ويتم وصفها على أنها محاولة لاغتصاب دور الله في محاولة صناعة كائن جديد أو تجسيد كائن موجود فعليا.
ولكن تقول باحثة الفنون الإسلامية، كريستيان غروبر" في تقرير سابق نشرته صحيفة "نيوزويك" الأمريكية، إن كافة الأحاديث النبوية لا تقدم إلا صورة مبهمة حول تحريم رسم الصور، كما أنه لا يمكن إيجاد حكم شرعي واحد أو فتوى واحدة تحرم التصوير تلميحا أو تصريحا.
كما قال الكاتب الصحفي، لويس إمبرت، في مقال سابق نشره في صحيفة "لوموند" الفرنسية إن قصور الخلفاء الأمويين مثلا في دمشق، كان مزينة بكثير من الرسومات والزخارف واللوحات الأرستقراطية، التي تجسد مشاهد ورحلات الصيد وتصور البشر والحيوانات، حتى أنه توجد صورا للرسول في الهند في الفترة المغولية وفي فترة الإمبراطورية العثمانية وببلاد فارس.
@HNN has (re)posted my piece on images (of #Muhammad & otherwise) in #Islam: http://t.co/hGQ8Ryas9F pic.twitter.com/2q0F3mbaRV
— Dr. Timothy Furnish (@Occidentaljihad) June 8, 2015
صراع عميق
وشكلت فكرة تجسيد الأنبياء وعلى الأخص الرسول محمد، صراعا عميقا ليس بين المسلمين وباقي الديانات الأخرى، ولكن أيضا بين المسلمين أنفسهم "سنة وشيعة".
كما أنه سادت حالة من الغضب العارم عدد من الدول الإسلامية، لكافة المحاولات التي يجريها رسامون أوروبيون لرسم صور للرسول.
كما أن الجماعات المتطرفة مثل حركة طالبان التي دمرت تماثيل بوذا في أفغانستان، أو تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي دمر الكثير من آثار سوريا والعراق، بحجة أنها تعود لعصور الوثنية.
ويعد الصراع حول تصوير وتجسيد محمد والأنبياء له جذور تاريخية عميقة، حيث عثر كثير من المؤرخين على رسومات ومخطوطات عديدة، بعضها تركي (سني) والآخر فارسي (شيعي) تم فيهم تصوير وتجسيد الرسول.
ولكن بدءا من عام 1500 تقريبا، بدأ التحول في التوقف عن تصوير وتجسيد الرسول، حيث بدأت المخطوطات الفارسية والعثمانية التركية تصور النبي محمد وهو مغطى بهالة بيضاء، وأخرى على شكل شعلة ذهبية.