وبدأت التحليلات والتكهنات حول الأسباب التي أدت لانفجار تلك القنبلة بشكل مفاجيء، فأرجع البعض سبب الأزمة إلى إيواء قطر لعناصر من "الإخوان المسلمين" وبعض المعارضين من دول عربية وعلاقاتها غير المتوازنة مع بعض دول الخليج، في حين ذهب آخرون إلى أن السعودية والإمارات اكتشفت منذ أيام علاقات غير طبيعية بين قطر وإيران.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل هامت العقول في الفضاء الشاسع لتخرج علينا، بأن السبب الحقيقي للأزمة يرجع إلى خلافات قديمة بين آل حمد وآل زايد بدأت في السبعينيات إبان تأسيس دولة الإمارات، وهي التي جعلت السعودية تسير بجانب حليفتها الإمارات لمهاجمة قطر.
وهناك الكثير من البسطاء، الذين يفعل بهم الإعلام فعل سحرة آل فرعون، وهؤلاء يرجعون السبب إلى التسريبات الأخيرة المنسوبة لأمير قطر والتي تهجم فيها على السعودية "وهو ما نفته قطر رسمياً"، وتلاه تسريب رسائل من صندوق بريد السفير الإماراتي في واشنطن، التي كشفت تعاون وثيق الصلة بين إسرائيل والإمارات وفقاً لما جاء في الرسائل، تلك كانت تفسيرات البسطاء.
ووفقاً لبعض التحليلات فإن الإدارة الأمريكية فرضت مبلغاً كبيراً من المال على ثلاث دول خليجية من بينها قطر، ولماذا تلك الدول الثلاث بالذات؟ والإجابة لأنها أكبر الدول التي توجد بها قواعد أمريكية وأعداد كبيرة من المارينز، والتي اعتبرها ترامب منذ بداية حملته الانتخابية خدمات للخليج ولا يجب تقديمها مجاناً إذا ما فاز وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
هنا مربط الفرس، الدول الثلاث وافقت، وبعد انتهاء الزيارة تنصلت قطر من وعودها وتركت الدولتين الأخريين، لذا كانت الحملة قوية والأحكام سريعة لأن ترامب لن ينتظر طويلاً للحصول على المال؟
وتتفق معنا في الرأي الأخير، الكاتبة السورية الدكتورة هدى جنات، التي قالت "قد يعتقد الكثيرون أن أسباب الأزمة الخليجية القطرية كما تردد عبر الإعلام، أو كما تم ترويجه، هو دعم قطر للإخوان المسلمين، أو تحالفها الاستراتيجي مع إيران أو تصريحات الأمير القطري تميم الأخيرة… يؤسفني أن أقول لكم أن السبب الحقيقي للأزمة لا علاقة له بما ذكر في الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي…كل ما تم تدواله لا يتجاوز قنبلة صوتية أو الغبار الذي تم نثره لإخفاء السبب الحقيقي…
دائما وأبداً حين يكون هنالك أزمة أو خلاف في عالم السياسية يكون السبب غالباً هو المصالح الاقتصادية وبالمعنى الأصح المال $$…وقد لا يختلف اثنان أن شرارة الأزمة بين قطر والخليج اندلعت عقب زيارة ترامب للسعودية التي قيل إنه جنى من هذه الزيارة ما يقارب 500 مليار دولار.
ترامب يؤمن أن الخليج شعباً وحكاماً "يملكون الكثير من المال الذي لا يستحقونه"…ترامب براغماتي ويريد العودة للشعب الأمريكي وفي جعبته هذا المبلغ الضخم الذي سيساهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي، وهو يعلم أن هذا ما يهم الشعب الأمريكي في آخر المطاف…وهذا ما صرح به ترامب في آخر تغريدة له على "تويتر" حين قال "عدت لكم بمئات المليارات من الدولارات من الشرق الأوسط" وظائف وظائف…كما أن ترامب يريد إسكات منتقديه في الداخل بهذا الإنجاز الاقتصادي الذي لم يسبق لأي رئيس أمريكي انجازه بعد 4 أشهر من فترة حكمه.
وأشارت جنات، إلى التوافق الخليجي على دفع هذه الفدية لترامب إذا صح تسميتها كذلك، وهي فعلا كذلك "فدية حماية عروش حكام الخليج" ولكن ما حدث أن قطر تراجعت عن وعودها بدفع حصتها من هذه الفدية وهو الأمر الذي أغضب بعض القيادات الخليجية ودفعها للانتقام من أمير قطر شخصياً
طبعا الدول الثلاث لا تستطيع الحديث عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء الخلاف بينها، لما سيسببه هذا الأمر من إحراج، ناهيك عن الصعوبة التي ستواجها هذه الدول في تفسيرأسباب دفع هذا المبلغ للسيد الأمريكي.
وما يؤكد صحة هذا الكلام هو الغضب الأمريكي من قطر بعد مغادرة ترامب الرياض فقد هاجم سياسيون أمريكان قطر دون سابق إنذار، وهدد بعضهم بنقل قاعدة "العديد" العسكرية من الدوحة إلى دولة خليجية أخرى أو إلى الأردن.
ولسنا بتلك السذاجة لنصدق أن الخلاف هو بسبب التقارب الإيراني القطري فهذا أمر مسلم به وتعرفه دول الخليج حق المعرفة قبل سنين وليس بالأمر الجديد عليها…وإلا لماذا لم يغضبوا من أمير الكويت وهو يستقبل الرئيس الإيراني نفسه ويحضر له استقبالا رسميا واحتفالات فرحا بزيارته؟؟
لماذا لم يغضبوا من الإمارات؟ وقيمة التبادل التجاري بينها وبين إيران وصلت إلى 6 مليار دولار؟؟ لماذا لم يغضبوا من سلطنة عمان وهي حليف استراتيجي لإيران وتجمعهما علاقات مميزة؟؟ وكل هذه الدول هي أعضاء في "مجلس التعاون الخليجي" وتجمعها نفس الاتفاقيات…لماذا كل هذا الغضب على قطر وحدها؟؟؟
هذا أكبر دليل على أن السبب الحقيقي وراء خلاف الثلاثي لا علاقة له بإيران من قريب أو بعيد ولا بالإخوان ولا حتى بحماس…بل هو ردة فعل غاضبة على أمير نقض بوعده ولم يدفع حصته للسيد الأمريكي كما كان متفق عليه.
وفي النهاية فإنني أرى أن لقاء وزير الخارجية القطري مع نظيره الأمريكى لم يجد في إقناع الدوحة بدفع حصتها ولو بالتقسيط المريح…وهنا كانت الإشارة من واشنطن بسرعة عزل تميم قبل أن يستفحل الخطر ويكبر التمرد على السيد الأمريكي…ومازال البحث جارياً عن الحل بعد أن تضامنت "جزر المالديف" مع قرار السعودية والإمارات!
(المقال يعبر عن رأي كاتبه).