لم ندرك — كمواطنين ومراقبين أيضاً- حجم الخلاف، الذي بدا في ظاهره سياسياً فقط، واتضح الآن أنه خلاف وجود من الأساس، الخليج يرفض أن تكون قطر جزءاً منه، والمتضررون — كمصر واليمن ودول أخرى- يرفضون توجهاتها بالكامل.
الآن نرى الحقيقة كاملة — حقيقة الخلافات- العالم العربي انفجر في وجه قطر، فغمر فيضان الغضب الدولة الصغيرة، التي اعتبرها المقاطعون مصدر كل النيران المشتعلة في المنطقة، لنشهد منذ فجر اليوم الاثنين، 5 يونيو/ حزيران 2017، قطعاَ كاملاً للعلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج وقطر، وتلحق كل من مصر واليمن بركب المقاطعة، وينهي التحالف العربي عمل القوات القطرية داخله.
فجأة انهار الأمل القطري في المشاركة في قيادة هذا الجانب من العالم، بعدما طالعتنا السعودية صباحاً ببيان على وكالتها الرسمية، قالت فيه إن حكومة المملكة العربية السعودية "انطلاقاً من ممارسة حقوقها السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحماية لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، فإنها قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر."
وأضاف البيان السعودي أن الرياض: "قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، والبدء بالإجراءات القانونية الفورية للتفاهم مع الدول الشقيقة والصديقة والشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكافة وسائل النقل من وإلى دولة قطر، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي."
واعتبرت المملكة أن قرارها الذي وصفته بـ"الحاسم" يأتي نتيجة لـ"الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها" وفقا لبيان الرياض.
وبعد ساعة واحدة من إعلان السعودية والامارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، أعلنت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، إنهاء مشاركة قطر في هذا التحالف، فيما دعا وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الدول الخليجية إلى الحفاظ على وحدتها والعمل على تسوية الخلافات بينها.
وقالت قيادة التحالف العربي في اليمن، في بيان، إنها قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف، وذلك قبل أقل من ساعتين، على إعلان شركة الاتحاد للطيران الإماراتية إنها ستعلق رحلاتها الجوية من وإلى قطر، ابتداء من صباح غد الثلاثاء، لحين إشعار آخر. وقال متحدث باسم الشركة إن آخر رحلة من أبوظبي للدوحة ستغادر فجر الثلاثاء.
ومع إعلان مصر — بدورها — قطع كافة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة القطرية، معتبرة أن قطر تقود مؤامرات عديدة ضد الدولة المصرية، وتمول الإرهاب والأنشطة العدائية ضد مصر، جاءت مفاجأة بإعلان اليمن أيضاً رفضه لاستمرار العلاقات مع قطر، التي — حسبما أعلنت الحكومة اليمنية التي يقودها عبدربه منصور هادي- تمول أنشطة جماعة أنصار الله.
ولأن السياسة مرتبطة بالاقتصاد دائماً، لم تمض ساعات قليلة على الإعلان عن المقاطعة الخليجية والمصرية واليمنية لقطر، حتى هبطت سوق الأسهم القطرية في بداية تعاملات اليوم، ونزل مؤشر البورصة القطرية 5.7% أول 5 دقائق من التعاملات. وكانت بعض الأسهم القيادية في السوق هي الأكثر تضررا، حيث هوى سهم "فودافون قطر" الأكثر تداولا 8.9%، وانخفض مؤشر بنك قطر الوطني، أكبر مصرف في البلاد، بنسبة 4.6%.
وحسب النائب المصري أحمد إسماعيل، فإن كافة مؤسسات الدولة المصرية رحبت بقرار قطع العلاقات مع قطر، بل إن أغلب أعضاء مجلس النواب المصري يعتبرون أن القرار تأخر بشكل كبير، لأن الضرر واقع على مصر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع إصرار قطر على إيواء عناصر مطلوبة للقضاء المصري ومتهمين بالإرهاب، من الجماعات الإرهابية وجماعة الإخوان المحظورة.
ويرى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قبل وساطات من قبل للمصالحة مع قطر، وبعضها كان بطلب من أمير قطر نفسه، ولكن الأمير سرعان ما كان يتراجع عن مواقفه ويبدل ما طلب، وأكثر من مرة حاول فرض شروط على الدولة المصرية، وهو ما لم يقبله الرئيس، الذي حافظ على الهدوء وضبط النفس في التعامل مع الاستفزازات القطرية، قبل أن ينضم لموقف عربي موحد ضد "تميم".
وحسب النائب المصري، فإن قطع العلاقات في الوقت الحالي، مجرد خطوة على الطريق الصحيح، ويمكن استكمالها بالتصعيد، أو تجنب التصعيد والعمل على حل الخلافات، وتغليب المصالح، ولكن ذلك سوف يحتاج إلى تعامل آخر وتعهدات من الجانب القطري، غير قابلة للإخلال بها، لأن الأمير تميم سبق له التوقيع عام 2014 على وثيقة في الرياض، انقلب عليها بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
كيف سيعالج الأمير تميم الأزمة؟ وكيف سيعيد العلاقات مع الدول التي أولته ظهرها غضباً من التصرفات الأخيرة للدولة الصغيرة الحجم والكتلة السكانية، الكبيرة الموارد؟ وهل سيكتفي بالبيان الصغير الذي أعرب فيه عن الأسف لما حدث؟
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)