ولكن، كيف تم إحباط المؤامرة الجديدة وكشفها؟ إجابة هذا السؤال تحتاج لمراجعة للتاريخ القريب.
في عام 2013، وتحديدا في مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، صدر قرار مجلس الأمن الدولي بإتلاف ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، بعد مفاوضات شديدة الصعوبة، على إثرها تولت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الإشراف على تدمير مخزون سوريا من غاز السارين أو الخردل.
وعلى الرغم من أن المنظمة الدولية أشرفت بنفسها على تفكيك وتدمير الترسانة الكيميائية السورية، وأنها تأكدت من إتمام عملها بشكل كامل، ما دفع القائمين على جائزة نوبل إلى منحها جائزة السلام، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها رأي آخر، فقد كان توجه الأمريكان وقتها هو ضرورة تحميل الدولة السورية المسؤولية عن أي هجوم كيميائي يحدث.
لذلك، بالتزامن مع إعلان حصول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على جائزة نوبل للسلام، كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يعلن أن مخابرات بلاده اكتشفت نقل واستخدام مجموعة كاملة من الأسلحة الكيميائية، وهو ما "من شأنه أن يغير حساباتي ومعادلاتي"، حسب قوله.
لم يلتفت أحد إلى دلالات حديث الرئيس الأمريكي وقتها، ولكن الجميع أفاقوا على هجوم وقع بغاز السارين في شهر أغسطس/ آب 2014، في ضاحية الغوطة بدمشق، أدى إلى مقتل نحو 300 مواطن سوري، بينهم نساء وأطفال، ما أعاد للأذهان حديث أوباما، وأدركوا أن الرجل كان يمهد للضربة باصطناع واقعة "التهريب والنقل"، رغم الإشراف الدولي على "التدمير".
وقتها، خرج الرئيس السوري بشار الأسد ليعلن للعالم براءته بشكل كامل من الهجوم الكيميائي، وساق من الأدلة بالفعل ما أكد على أن دولته وحكومته لا تملك أي من الأسلحة الكيميائية المستخدمة في الهجوم، وأن المواد المستخدمة لقتل أبناء وطنه جاءت من خارج الحدود، كما سارعت المعارضة أيضاً إلى التنصل من المسؤولية عن هذا الهجوم.
الأسد، خلال لقائه مع إحدى وسائل الإعلام التلفزيونية، ألقى تحذيراً لم يلتفت إليه الكثيرون في غمرة انشغالهم بالحديث عن الهجوم نفسه، فقد حذر الرئيس من أن الهجوم "الغبي والأحمق" — حسب وصفه- الذي وقع في الغوطة لن يكون الأخير من نوعه، ولا أحد يعرف التداعيات، لأنه طالما حدث مرة سيحدث مجدداً، وسيكون تأثيره كبيراً، ليس على سوريا ولكن على جيرانها، لأن المنطقة مترابطة.
وقبل أن نخوض بشكل مفصل في الأحداث التي تلت هذا الهجوم، لابد أن نوضح أمرا هاما، وهو تقارير بريطانية كشفت أن الولايات المتحدة وإسرائيل وضعتا خطة سرية لإرسال الفرقتين المحمولتين جوا 101 و82، للتدخل السريع في سوريا بعد انهيار الدولة — حسب تصورهم- لتأمين الأسلحة الكيميائية، وتضمنت الخطة جزءا يتعلق بتدمير الدفاعات الجوية السورية، وإرسال أعداد كبيرة من الجنود إلى المواقع العديدة المنتشرة فيها مخازن الأسلحة الكيميائية التي تزيد عن 20 موقعا.
التقارير تشير بشكل واضح إلى أمرين، الأول هو أن أمريكا كانت على علم بالمواقع المستخدمة لتخزين الأسلحة الكيميائية السورية، والثاني هو الجماعات المسلحة المدعومة من أمريكا — وهو أمر أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون- كانت على علم بمناطق مستودعات الأسلحة الكيميائية، وبالتالي يمكن أن تحصل عليها بعد أي ضربة جوية للقوات الأمريكية.
بعدها، أعد الرئيس أوباما الرأي العام الأمريكي لهجوم على سوريا، وأخذ تفويضا من الكونغرس، وكانت كل المؤشرات تشير إلى أن الضربة العسكرية مقبلة، إلى أن التقى أوباما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين يوم 6 سبتمبر/ أيلول 2013، الذي أقنعه بالحل السياسي، والبدء بإتلاف الأسلحة الكيميائية السورية، وتفكيك المختبرات، وأن تنضم سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وعلى الفور، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قبول الشروط يوم 9 سبتمبر، وبعد تلك الموافقة على كل هذه الشروط القاسية اعتمد مجلس الأمن القرار 2118 بالإجماع بتاريخ 27 سبتمبر 2013، بتدمير الأسلحة، بتاريخ لا يتجاوز 30 يونيو/ حزيران 2014، وقد كان، وتم إعلان سوريا دولة خالية من الأسلحة الكيميائية.
وثائق الأمم المتحدة — حسب د. أحمد زين، المحلل السياسي- تثبت أن نحو 27 هجوماً كيميائياً حدث بعد هذا التاريخ في سوريا، وبمطابقة هذه الوثائق بما أعلنته المنظمة نفسها بشأن خلو سوريا من السلاح الكيميائي، يتأكد للجميع أن هناك مصادر خارجية لهذا السلاح، فالحكومة والجيش في سوريا لا يملكانه، واستخدامه أيضاً يحدث في مناطق غير خاضعة لسيطرة الجيش.
ويضيف "دعونا نضع في الاعتبار أيضاً التقارير التي نشرت في شهر مارس/ آذار 2016، بشأن السماح بعبور 100 مسلح تابعين لـ"جبهة النصرة" من الحدود التركية وبحوزتهم غاز الخردل أوالسارين، فنجد أن السلاح الكيميائي يتم استخدامه بالفعل، ولكن ضد المواطنين الرافضين للنصرة وداعش، أو لإلصاق التهمة بالجيش السوري، ودائماً ما تكون الولايات المتحدة الأمريكية أول من يعلم بالتفاصيل، وهذا أمر يثير الريبة".
وكما هي العادة — والحديث للمحلل- تبادر الولايات المتحدة على الفور بتوجيه الاتهامات للرئيس بشار الأسد، ثم يتحرك مندوبيها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإقناع بعض الدول التي لا علاقة لها بالأمر بتبني مشروع قرار داخل مجلس الأمن، وهو ما اضطر روسيا والصين أكثر من مرة لاستخدام حق الفيتو، لتعطيل أي قرار متسرع، سيكون استباقياً لنتيجة التحقيقات.
ولعل التحركات الأمريكية في حادث خان شيخون، التي وقعت في شهر أبريل/ نيسان 2017، خير دليل على التسرع، فالولايات المتحدة بادرت إلى اتخاذ إجراءات سبقت بها التحقيقات التي بدأتها المنظمات الدولية — ومن بينها الأمم المتحدة- في الحادث، وعندما تعطلت هذه الإجراءات بسبب الوجود الروسي في المعادلة، بادرت أمريكا إلى شن هجمة جوية على سوريا، كانت دليلاً على أن أمريكا تريد فرض نتائج بعينها، وليس التوصل إلى الحقائق.
الأن يدور الجدل حول ضربة كيميائية جديدة، ولكن المعادلة مختلفة، فالمقدمات — التي أصبحت معروفة- دلت على أن هناك تمهيداً لحدث غير عادي، وهو ما اندرج تحت بند المؤامرة، التي بادرت روسيا إلى كشفها بشكل كامل، لتضع كل دولة في حرج، فمن يخطط عجز عن التنفيذ، ومن يمول عجز عن تمرير تمويله، ومن ينتظر النتائج، أصبح في وضع محبط بالكامل.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)