وحسب الوثائق فإن "خصومة بن زايد مع "الجزيرة" وصلت إلى ما هو أبعد من المطالبة بغلقها، وبلغت حد التحريض على قصفها إبان غزو العراق. وجد بن زايد في تذمر مسؤولين أميركيين حينها من تغطية الجزيرة للمجازر التي يخلفها القصف الأميركي، ولمشاهد الأسرى من جنود "المارينز" في معسكرات الجيش العراقي، فرصةً جيدة لتسوية خصوماته، ومشاركة رأيه بخصوص الجزيرة مع مسؤولين مؤثرين في دوائر صنع القرار الأميركي".
وتضمنت إحدى الوثائق المصنفة "سرية"، محضر لقاء جمع بن زايد بمدير التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية في حينها، ريتشارد هاس، والسفيرة الأميركية الأسبق في الإمارات، مارسيل وهبة. تقول وهبة في الوثيقة التي دونت فيها تفاصيل الاجتماع: "بالعودة إلى موضوع شائع في مناقشاته مع المسؤولين الأميركيين الزائرين، أكد (أم بي زد) أهمية كبح شبكة الجزيرة الفضائية التي تتخذ من الدوحة مقراً لها قبل أي عمل عسكري، وأوصى بن زايد بعدم إرسال الصحفيين مع المقاتلين، على الأقل في البداية، على اعتبار أن احتمال رصد مشاهد الضحايا المدنيين سيكون أمرا خطيرا للغاية".
وتضيف وهبة نقلاً عن ولي عهد أبو ظبي: "بن زايد قال إنه كان لغزاً بالنسبة له لماذا يستمر القطريون في إشغال الرأي العام من خلال الجزيرة، واقترح أن تستخدم الولايات المتحدة ثقلها من أجل الضغط على الدوحة. وتذكر ضاحكا اجتماعاً في بداية الحملة على أفغانستان بين الأمير القطري، حمد آل ثاني، والشيخ زايد (رئيس الإمارات السابق)، والذي اشتكى خلاله حمد من تقرير تلقاه يتحدث عن أن بن زايد طلب من الجنرال فرانكس قصف الجزيرة. ووفقا لبن زايد، فإن رد زايد المباشر كان: وهل تلومه؟". ويقول بن زايد أن التصور العام في الإمارات يرى بأن الجزيرة قائمة لأن القيادة المركزية الأميركية تحميها، قائلًا إن الولايات المتحدة لا تشاركه الرؤى حول قطر، وأن قرارات قطر بخصوص "الجزيرة" كانت أكثر من "مزعجة"، وأنه لم يفهم قراراتها.
وحسب "العربي الجديد" أيضاً فإنه في وثيقة أخرى قديمة، مرسلة بتاريخ 28 إبريل/ نيسان 2004، ومذيلة تحت بند السرية، تكتب السفيرة الأميركية السابقة، ميشيل سيسون، أن محمد بن زايد اعترف بأن ابنه، ذو الـ16 عامًا، كان يتابع قناة الجزيرة وتأثّر بما اعتبره "التضليل" الذي تبثه عبر شاشتها. يصف بن زايد، خلال اللقاء ذاته، ابنه بأنه "ذكي" و"طالب مستقيم/ ملتزم"، غير أنه خلال الآونة الأخيرة بدأ يعبر عن بعض الآراء المضادة للغرب، بحسب قول بن زايد، معتقداً أن الأمر كان نتيجة لمشاهدة الجزيرة باستمرار. ثم يمضي في شرح وجهة نظره قائلاً: "إذا كانت (الجزيرة) قادرة على التأثير في حفيد قائد معتدل مثل الشيخ زايد بهذه الطريقة، فتخيّل ما الذي بوسعها فعله للطبقات غير المتعلمة أو الدنيا؟".
ويتابع التقرير أنه بعد حوالى خمس سنوات من ذلك، يعود بن زايد مرة أخرى لاستذكار تلك القصة في لقائه مع مجموعة من كبار الشخصيات الأميركية، كما تظهر الوثيقة المؤرخة في الخامس والعشرين من فبراير/شباط 2009. يكتب السفير الأميركي السابق، ريتشارد أولسون، في رسالة لمسؤوليه حول ما جرى في ذلك اللقاء، قائلاً: "سرد بن زايد قصة ابنه، الذي كان قد أبدى اهتماما بتعاليم الأصوليين المسلمين، فأرسله في بعثة إنسانية إلى إثيوبيا، ولكن ليس مع الهلال الأحمر، بل مع الصليب الأحمر". وبعد تلك الرحلة، يقول بن زايد إن ابنه عاد وقد باتت رؤيته للغرب "سليمة" "ومصوبة": "لقد كان مندهشاً من أن المسيحيين المشاركين مع الصليب الأحمر كانوا يقدمون الطعام والدعم لأي محتاج، وليس للمسيحيين فقط"، ثم يمضي قائلا إن ابنه سمع الروايات عن الغرب عبر عدسة الجزيرة ومثيلاتها.