اليوم، 20 أكتوبر/ تشرين الأول، الذكرى السادسة لوفاة العقيد معمر القذافي، الرجل الذي وضعت رصاصة من مجهول، حداً ونهاية لفترة حكمه، التي دامت 43 عاماً، وهو أيضاً الرجل الذي رحل عن دنيانا ولكنه ترك من خلفه إرثاً سياسياً يحاول الكثيرون إخفاءه، ولكنه عنيد كصاحبه الراحل، يأبى إلا أن يظل على السطح باقياً.
لم يكن معمر القذافي بالرجل العادي في أعين الجميع، فالبعض تصوروه مجنوناً، وآخرون اعتبروه رمزاً للحرية والمقاومة في وجه قوى الاستعمار، التي دائما ما تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، التي دائماً أيضاً ما كان يصفها بأنها أكبر القوى الإمبريالية في العالم، ويدعو المجتمع الدولي طوال الوقت إلى عدم الانصياع لرغباتها، أملاً في أن يكون العالم مكاناً أجمل.
تبكيك الشعوب المستضعفة التي أدت صلاة الغائب على روحك في أماكن كثيرة من إفريقيا و آسيا و كردستان و ايرلندا الشمالية #معمر_القذافي 20-10-2011 pic.twitter.com/Buq3mADkTs
— امحمد محمد (@Em19699142) October 20, 2017
معمر محمد عبد السلام القذافي، ابن واحدة من أفقر الأسر البدوية…تربى في صحراء قاحلة، لا تقيم أوده وأود أخواته البنات وأمه سوى شاتين "ماعز"، تحلب البنات لبنها ليأكلوا مما عملته أيديهم، ورغم فقره كان طموحاً، دائم الثورة من الداخل، فتربى على كتابات وأفكار كبار الكتاب — أغلبهم من الروس- في الاشتراكية، وقرأ عن الثورة، ولكن جذوتها لم تشتعل في قلبه إلا بعد انفصال مصر عن سوريا، وتفكك الجمهورية العربية المتحدة.
بعد ثورة الفاتح، التي قادها القذافي، شغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية الليبية، منذ عام 1969 إلى 1977، بعدها صار "الأخ قائد الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية، وهو المنصب الذي استمر فيه منذ 1977 حتى مقتله في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2011.
خلال حديث دار بيني وبين المحلل السياسي الليبي المقرب من أسرة الزعيم الراحل، عبد الباسط بن هامل، منذ عام، قال لي إن سعي القذافي إلى تشكيل جيش أفريقي واحد، وعملة أفريقية موحدة، وكيان قوي ينطلق من قلب القارة السوداء، هو ما جعل الغرب يدرك خطورته، ويضع على وجه السرعة مخططاً محكماً للإطاحة به وقتله.
وأصر بن هامل على أن المستهدف مما أسموه "ثورة ربيع عربي" كان رأس القذافي ونظامه، لأن الرجل كان في نظر قادة وزعماء القارة الأفريقية مدافعاً رئيسياً عن فكرة الولايات المتحدة الأفريقية، وليس أدل على ذلك من توليه منصب رئيس الاتحاد الأفريقي في الفترة من 2 فبراير/ شباط 2009 إلى 31 يناير/ كانون الثاني 2010، حينها كان مثالاً واضحاً لصفات القائد والزعيم — وليس الرئيس- كما أنه كان أكثر من يفهم طبيعة ليبيا، التي يعجز قادتها الآن عن السيطرة عليها، حسب بن هامل.
الذكرى السادسه لإغتيال العقيد معمر القذافى
— السيسي قادم2018\2022 (@EnooD_ELsisi) October 19, 2017
قتلوه ولم تأتى الحريه الى ليبيا
بل دخلت فى متاهات التقسيم
والإقتتال والتدخلات واطاع وارهاب👎👎 pic.twitter.com/AUtJl9clC6
استبدل القذافي الدستور الليبي، المعمول به منذ عام 1951، بقوانين، استنادا إلى عقيدة سياسية سميت بـ"النظرية العالمية الثالثة"، ونشرت في الكتاب الأخضر، وبعد تأسيس الجماهيرية في عام 1977، استقال رسمياً من منصبه. وبعد ذلك كان له دور رمزي إلى حد كبير في اللجنة الشعبية العامة.
ولكن ما حافظ على زعامته للدولة، كان التقدم المادي الذي تحرزه ليبيا كل يوم، فارتفاع أسعار النفط، وتمكن ليبيا من استخراج كميات ضخمة، تسببت في زيادة إيرادات الدولة، فارتفع معدل نصيب الفرد من الدخل القومي، بجانب عمله على إنشاء الرعاية الاجتماعية، التي جعلت ليبيا الأفضل في أفريقيا، ولم تكن مدينة داخلياً أو خارجياً.
بعد ثورة الفاتح، كان قرار القذافي الأول هو إجلاء القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية من ليبيا، وبعد أقل من سنة كانت القواعد والمطارات الليبية مفتوحة أمام الطائرات الحربية المصرية، كمطارات بديلة، كي لا تطولها الطائرات الإسرائيلية، التي كانت تحاول دك المطارات المصرية بعد حرب 1967. كما وضع إمكانيات بلاده المادية والبشرية تحت تصرف مصر، حيث اشترت ليبيا — قبل حرب أكتوبر 1973، أسطولا من طائرات الميراج الفرنسية، ومئات الزوارق المقاتلة البحرية، والسيارات المصفحة، وقدمتها للجيش المصري كهدية.
الواقعة التي لا ينساها المصريون أبداً للقذافي، والتي تحكى في أروقة السياسة على سبيل الترحم والطرافة في الوقت نفسه، وقعت بعد ثورة الفاتح بأشهر قليلة، عندما أرسل القذافي مبعوثاً إلى الزعيم جمال عبد الناصر، أيقظه من نومه بعد منتصف الليل، قائلاً إن الأمر عاجل جدا ولا يحتمل التأجيل، فالتقى عبد الناصر المبعوث الليبي عند الفجر، وكانت المفاجأة أن القذافي أرسل أموالاً طائلة، طالباً من الرئيس عبد الناصر شراء قنبلة نووية، لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية، وهو ما رد عليه "ناصر" قائلا: يجب أن يكون لدينا مفاعل نووي أولا… وإلا فأين سنضعها، وعندما تحدث مع القذافي هاتفياً، طلب منه الزعيم أن يستغل هذه الأموال في إنشاء المفاعل النووي.
يختلف الكثيرون مع القذافي وأسلوبه في إدارة ليبيا، حتى وفاته، ولكنهم لا يختلفون حوله، خاصة بعدما تحولت ليبيا الآن إلى قطع من الأرض المتنازع عليها، وأدرك الجميع أن وجوده كان ضرورياً للحفاظ على الأرض والهوية، وعلى الاقتصاد ووحدة كيان الدولة.
المقال يعبر عن رأي صاحبه