ولكن في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول قاد تشيفو عشرات المتشددين المتحالفين مع تنظيم "داعش" في هجوم دام ضد قوات من الولايات المتحدة والنيجر مما أسفر عن مقتل أربعة جنود، كما أوضح الهجوم مدى خطورة مهمة الغرب في منطقة الساحل الأفريقي.
وأثارت الواقعة دعوات في واشنطن لعقد جلسات لبحث وجود القوات الأمريكية. ومن المقرر أن تختتم وزارة الدفاع الأمريكية تحقيقا حول الأمر في يناير/ كانون الثاني.
وقال وزير دفاع النيجر، كالا مونتاري، لـ"رويترز" من مكتبه في نيامي عاصمة النيجر هذا الشهر "إنه إرهابي ورجل عصابات وشخص يريد إلحاق الضرر بالنيجر.
"نتعقبه ونتفقد أثره وإذا وطأت قدمه النيجر ثانية فسيجري تحييده".
يقول محللون إن التنظيم المحلي التابع لـ"داعش" ما زال صغيرا وعدد أعضائه أقل من 80 مقاتلا ولكن كانت هذه هي طبيعة الحال في بداية الأمر مع الفصائل المرتبطة بتنظيم القاعدة قبل أن تستغل الشكاوى المحلية لتوسيع نفوذها في مالي عام 2012.
ونشرت الأمم المتحدة الأسبوع الجاري تقريرا يوضح كيف زاد عدد أعضاء تنظيم "داعش" في الصومال إلى نحو 200 مقاتل بعد أن كانوا بضع عشرات العام الماضي.
وعزز الجيش الأمريكي وجوده في النيجر ودول أخرى مجاورة في السنوات الأخيرة إذا يخشى أن يدفع الفقر والفساد والدول الضعيفة إلى انتشار الجماعات المتشددة في المنطقة.
عاش الطوارق والفولاني لقرون كبدو رحل يرعون الماشية ويتاجرون. وتركز أغلب الطوارق في مناطق الكثبان الرملية والواحات في الصحراء فيما عاش أغلب الفولاني في الساحل، وهي مساحة شاسعة من أراض شبه قاحلة تمتد من السنغال إلى السودان.
وتمكن بعضهم من جمع ثروة نسبية بزيادة عدد رؤوس قطيعه لكنهم ظلوا منفصلين عن الدول الحديثة التي تأسست حولهم.
وعلى الرغم من أن الفريقين تعايشا بشكل سلمي في أغلب الأحيان إلا أن خلافات نشبت بين الحين والآخر وكانت في العادة بسبب مصادر المياه الشحيحة. وجعلت الزيادة المطردة في انتشار الأسلحة الآلية عبر السنوات تلك الخصومة أكثر دموية.
وشن بعض العائدين تمردا في مالي سعيا لإقامة دولة منشقة للطوارق في صحراء شمال البلاد وهي حركة سرعان ما اقتنصها متشددون مرتبطون بتنظيم القاعدة ينشطون في مالي منذ سنين.
وحتى ذلك الحين كان الإسلاميون المتشددون في مالي يجندون المقاتلين ويجمعون الأموال عن طريق الخطف. وفي 2012 اجتاحوا شمال مالي وسيطروا على بلدات رئيسية مما دفع فرنسا للتدخل لإجبارهم على التقهقر في 2013.
ووسط العنف والفوضى وجه بعض الطوارق أسلحتهم إلى خصومهم من جماعات عرقية أخرى مثل الفولاني الذين لجأوا في ذلك الوقت للمتشددين لتسليحهم وتدريبهم.
يسترجع أبو بكر ديالو، وهو رئيس رابطة لرعاة الماشية الفولاني على طول حدود مالي ويعيش حاليا في نيامي، ما حدث في نوفمبر تشرين الثاني 2013 عندما نشب خلاف بين شاب نيجيري من الفولاني وقائد من قادة الطوارق بسبب المال إذ قام القائد بجلد الشاب وطرده.
وعاد الشاب مسلحا ببندقية كلاشنيكوف وقتل القائد وأصاب زوجته ثم هرب. وتصادف أن ذلك القتيل عم لأحد أمراء الحرب النافذين في مالي.
وعلى مدى الأسبوع الذي تلا هذه الواقعة ذبح طوارق مدججون بالسلاح 46 من الفولاني في هجمات انتقامية على الحدود بين مالي والنيجر.
وكانت الواقعة هي الأكثر دموية في تاريخ المنطقة حسب وصف ديالو الذي وثق وقوع عشرات الهجمات التي شنها مغيرون من الطوارق وقتل فيها المئات وأدت لسرقة آلاف الأبقار ومئات الجمال.
وقال ديالو الذي يمثل الفولاني في محادثات تهدف لتهدئة التوتر في المنطقة "كانت تلك هي النقطة التي أدرك عندها الفولاني في المنطقة أنهم بحاجة إلى مزيد من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم".
واعترف مسؤول في جهة إنفاذ للقانون في نيامي ومطلع على الأحداث بأن الشرطة لم تحقق قط تقريبا في هذه الجرائم.
وقضى جاندو زكريا، وهو باحث في مزيج التراث الثقافي بين الطوارق والفولاني في كلية الحقوق بجامعة نيامي، سنوات وهو يدرس سبب تحول الشبان للتشدد.
وقال لـ"رويترز" "كانت المعتقدات الدينية في ذيل قائمة اهتماماتهم". وبدلا من ذلك كانت المظالم المحلية هي الدافع الأساسي وراء الأمر.
وفيما كان الطوارق في مالي والنيجر يحلمون بإقامة دولة مستقلة ويحاربون أحيانا من أجلها كان أكثر ما يقلق الفولاني بشكل عام هو مخاوفهم على أمن مجتمعهم وقطعانهم التي يعتمدون عليها.
وقال زكريا "بالنسبة للفولاني كان الأمر يتعلق بالظلم والاستبعاد والتمييز وبالحاجة إلى الدفاع عن النفس".
وقالت عدة مصادر في جهات لإنفاذ القانون إن هناك متشددا أثبت على وجه الخصوص براعته في اللعب على وتر السخط ويدعى عدنان أبو وليد الصحراوي وهو من شمال أفريقيا ويتحدث اللغة العربية.
وجند الصحراوي عشرات من الفولاني في صفوف حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا التي كانت موالية للقاعدة في المنطقة وسيطرت على جاو والمنطقة المحاذية لحدود النيجر في 2012.
وبعد أن فرقت القوات الفرنسية في 2013 صفوف إسلاميين متشددين في بلدات مالية سيطروا عليها، تحالف الصحراوي لفترة وجيزة مع مختار بلمختار وهو قيادي مخضرم في تنظيم القاعدة.
واليوم الصحراوي هو واجهة تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة.
وقال مسؤول حكومي في النيجر عن الصحراوي "كان هناك في خطابه ما يهم الشبان ويروق لإحساسهم بالظلم".
ولم يتضح كيف انتهى المطاف بتشيفو كأحد مساعدي الصحراوي المعدودين. وقال المصدر الحكومي إن من أتى به إلى الصحراوي كان ضابطا كبيرا من الفولاني أيضا ويدعى بوتي تشابوري.
وقال المسؤول الحكومي إن تشيفو، مثله في ذلك مثل الكثير من الشبان الفولاني الذين صقلتهم الحياة في منطقة الساحل، دخل إلى السجن وخرج عدة مرات باتهامات مثل حيازة السلاح أو التورط في أعمال عنف محلية كانت تنتهي باتفاقات بين المجتمعات المتناحرة.
لكن ديالو الذي التقى بتشيفو عدة مرات قال إنه كان "هادئا جدا ووديعا جدا. لقد اندهشت عندما أصبح قياديا للمتشددين".
وتختلف روايات مصادر من الولايات المتحدة والنيجر حول طبيعة المهمة التي نفذت في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وتقول المصادر من النيجر، إن الهدف منها كان ملاحقة تشيفو في حين قال مسؤولون أمريكيون إنها كانت مهمة استطلاعية.
وذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن أحد المركبات التي خسرتها القوات الأمريكية في الهجوم الدامي ذلك اليوم كانت تابعة لوكالة المخابرات المركزية "سي.آي.إيه" ومجهزة بمعدات مراقبة. ونقلت طائرة مراقبة دون طيار المعركة في بث حي.
وكان الرجال من الفولاني على دراجات نارية ومسلحين بنفس البنادق التي حصلوا عليها في البداية للدفاع عن أبقارهم.