بالفعل محمد بن سلمان يهدم المعبد القديم في السعودية، ويشيد نظاماً جديداً، يرى البعض أنه نتيجة تقدم فكري في المملكة باعتبار ولي العهد الجديد شاب طموح، حسب رؤيتهم، ويرى آخرون أنه يؤسس لنفسه نظاماً جديداً يحكمه — في القريب- بأسلوب مختلف عن أسلوب وحكم الآباء المؤسسين للمملكة منذ عشرات السنين.
التخوفات لدى السعوديين مرتبطة بطبيعة عملية الإصلاح، التي يعلن "بن سلمان" دائماً عن سعيه إليها، فهم يرونها مجرد حلقة جديدة من تصفية الحسابات، في الداخل والخارج، مع هؤلاء الذين رفضوا عزل "بن نايف" من منصب ولي العهد، وتولية الأمير محمد بن سلمان للمنصب نفسه، وما تلا ذلك من إجراءات ضد بن نايف، ليست موضوعنا الآن.
ولكن، هل فعلا النوايا داخل المملكة إصلاحية؟؟
التصرفات كفيلة بالرد على هذا التساؤل، فتصفية الحسابات تكون لها طابعاً حماسياً، فيبدأ المتحكم بها، لتسود كلمته فيما بعد دون معارضة، هنا نرى أن الإصلاح بدأ في المملكة اقتصادياً، بقرارات تدعم اقتصاد السعودية وتحميها، خاصة فيما يتعلق بالوافدين والعمالة الأجنبية على أراضيها.
وبعدها بدأت سلسلة من القرارات المتعلقة بحقوق المرأة، والتي رغم كونها في ظاهرها عادية، بل وتبدو بسيطة وضعيفة جداً بالقياس إلى الحقوق التي حصلت عليها المرأة — لن نقول في الغرب- وإنما في بعض الدول العربية الأخرى، وبالأخص الخليجية، مثل الكويت والإمارات، التي تمنح المرأة مختلف المناصب، حتى درجة الوزيرة، ولكنها بالنسبة للسعوديات طفرة قوية.
الدكتور أحمد سمير، المتخصص في الشأن الخليجي، يرى أن محمد بن سلمان دخل المتاهة من أوسع أبوابها، مغامراَ في طريق لا يعرف نهايته، فهو يدرك جيداً أن الغرب سوف يدعم رؤيته الإصلاحية، ويسانده في التوجه نحو تأسيس دولة عصرية، تحتفظ بتراثها وإرثها، ولكنها تعانق الحداثة وتسير على خطى المتقدمين، ولكنه يعرف أكثر أن الأرض لن تكون ممهدة له بالكامل، لذلك وجب عليه أن يفرض القيود على كل من يشكل ضده خطراً، قبل أن يبدأ رحلته مع الإصلاح من داخل الديوان الملكي.
ولكن — والحديث هنا لـ"سمير"- هنا تبرز روح المغامرة التي تصل إلى حد التهور في أسلوب ولي العهد السعودي وطموحه، فهو يطمح إلى تغيير الحقائق والمعادلات الداخلية والإقليمية دفعة واحدة، ولكنه تجاهل حقيقة أن بلاده تحارب على عدة جبهات، عسكرياً في اليمن، واقتصاديا في سوريا، وسياسياً ودبلوماسياً في إيران والعراق والبحرين، وكلها أمور جرت على المملكة كارثة اقتصادية.
الخبير في الشأن الخليجي، يرى أن من بين خطوات بن سلمان غير الواقعية لبناء شعبية، هو جر الشعب السعودي والرأي العام الخليجي وبعض دول المنطقة، إلى بناء إجماع جديد ضد عدو مختلق، وهو محور المقاومة هذه المرة، مثل تأليب اللبنانيين ضد حزب الله من خلال خلق واقعة محاولة اغتيال سعد الحريري، الذي استقال من رئاسة وزراء لبنان من الرياض، ومهاجمة إيران بكل طاقاته، بالإضافة إلى دعم التحركات الإسرائيلية ضد سوريا.
في واقعة القبض على الأمراء السعوديين المتهمين بالفساد، كانت هناك نقطة هامة جداً، غفل عنها الرأي العام العالمي، ووجب تسليط الضوء عليها، وهي إعلان عدد من المصرفيين في المملكة استعداد الرياض أن تعقد صفقات مع رجال الأعمال الموقوفين، بدلاً من التحركات القانونية التي ربما تواجه الكثير من الصعوبات، مقابل التزامهم بدعم الاقتصاد المحلي بشكل كبير.
الكثير من التفسيرات للتحركات على الأرض في السعودية، أصبحت محل شك، بعدما فندت الإجراءات الأخيرة وبررت أفعال سابقة، ما أكد وأثبت أن التكهنات وحدها لا تكفي لبناء رؤية واضحة لما يجري ويدور في المملكة الأن، فما زالت الخطوات الإصلاحية — أو الانتقامية حتى- غير مكتملة، وبالتالب فإن تفسيرها صعب.
وبعد هذه الأزمة، مهمة ولي العهد الصعبة، والأولى، أصبحت هي طمأنة شعبه أن نواياه إصلاحية في المقام الأول، وليست مرتبطة بتصفية حسابات كما يحاول البعض أن ينشر، وذلك من خلال تسليط الضوء على أن تحركاته في سبيل نشر سياسات معينة، تأتي في ضوء قناعات والده، وهو الملك والحاكم وولي الأمر الأول في المملكة.
وسواء كانت تحركات بن سلمان إصلاحية أو انقلابية، فإن الثابت الوحيد حتى الآن، هو أن هناك معبداً قديماً يتم هدمه، لصالح تأسيس دولة جديدة، مختلفة تماماً.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)