ورغم وجود كل هذا العدد الهائل من الخيول في السودان، إلا أن وجودها في المحافل الدولية، سواء في الجوانب الاقتصادية أو في المشاركات الرياضية الدولية، ظل شبه ضعيف.
وقال المهدي إن
"الخيل في السودان ظلت تطاردها اتهامات غير صحيحة بأنها مصابة بمرض يدعى "النجمة"، لهذا ظلت محظورة من المشاركة في المنافسات العالمية.
مؤكدا أن "هذه الاتهامات غير صحيحة، وهي ليست بالصورة التي تتحدث عنه الجهات المختصة، لافتا إلى أن الخيول السودانية نراها في كافة رياضات الفروسية أثبتت جدارة واستحقاقا وتميزا عاليا".
ورمى المهدى بأصابع الاتهام لبعض الجهات الخارجية بأنها "تسعى لحجب الخيل السوداني من المشاركات والمنافسات الدولية، أو أن تكون موردا اقتصاديا للبلاد، لأجل مصالح ذاتية لها، لاعتقاد تلك الجهات أن الخيول السودانية إذا دخلت السوق العالمي فإنها ستحتل مواقع متقدمة في هذا المجال تجارة ورياضة"، كاشفا في هذا السياق أنهم تقدموا بخطابات مرارا إلى منظمة الأوبئة العالمية المختصة بصحة الحيوان لإرسال وفد إلى السودان والكشف على الخيول السودانية حتى يتأكدوا من سلامتها الصحية، إلا أنه لم تكن هناك استجابة جادة".
وفي إطار آخر، قال المهدي إن "الاتحاد السوداني للفروسية يعمل بجهود كبيرة على نشر ثقافة الفروسية في الأجيال الحالية، وقد نجح الاتحاد في ذلك كثيرا، ورغم ارتفاع تكلفة أدواتها والمتعلقة بالخيل، إلا أن هذه الرياضة صارت متاحة للجميع المستويات من الجنسين، كما أن هناك إقبال كبير من العنصر النسائي، بل تتفوق النساء كثيرا على الرجال في رياضة القفز على الحواجز ويحرزن مراتب متقدمة، ويكثر الإقبال على الفروسية عادة في فترات العطلات المدرسية لدرجة يضطر الاتحاد أحيانا لإغلاق باب التسجيل لكثافة الإقبال".
وأوضح المهدي أن
"للخيل في السودان استخدامات متعددة بمناحي الحياة والأنشطة، ويوجد مثلا مجموعة قبائل "البقارة" في غرب البلاد، والتي تستعمل الخيل في مجال الرعي، لاستطاعتها السير لأكثر من 3.000 كلم في مسارات رعي الماشية، صيفا وشتاء، وهذه ميزة خاصة للحصان السوداني وقدرته العالية على التحمل".
ويضيف المهدي قائلا إن "الخيل أيضا لها استخدامات في حراثة الأرض والنقل سواء كانت مستقلة أو تجر بالعربات، وتستغل أيضا في سوق أم درمان العتيق، حيث يعتمد عليها بصورة كبيرة في نقل البضائع داخل منطقة السوق، كما أن للحصان في السودان مدلولات ثقافية ترتبط بالعزة والتباهي، وهي مصدر للفرح والسرور عند مواطني إقليمي دارفور وكردفان، في غرب السودان".
ولفت المهدي إلى أن الخيل السودانية كانت "واحدة من أدوات مجابهة المحتلين الإنجليز وإظهار المنافسة لهم"، مشيرا إلى أن الزعيم الديني والسياسي، السيد عبد الرحمن المهدي، كان يمتلك خيولا ممتازة للغاية ويشارك بها في سباقات الخيول وينافس بها خيول الإنجليز ويتحداهم بها ويتفوق عليهم.
"كما ونجد حضور الخيل في الثقافة السودانية واضحا في الشعر والغناء الذي يوثق لتأريخ الحياة السودانية، فالخيل عند السودانيين رمز للشجاعة، والإقدام، والمروءة، والفخر، والعزة، والفأل الحسن، وتعتبر في مناطق غرب السودان من أسباب جلب الرزق وتحسين الحياة المادية".
وتعتبر الخيل في السودان، خاصةً عند بعض المجتمعات بأقاليم البلاد، هي ذات موروث ثقافي ومكانة اجتماعية رفيعة وموضع جاه ومفخرة للفرد والقبيلة. ويكشف بعض المهتمين بهذا الشأن، لوكالة "سبوتنيك"، أن الحصان السوداني هو حصيلة لهجين عدد من السلالات العالمية، أنتج في النهاية الأمر خاصية مميزة للخيل في السودان منذ أوائل القرن الماضي.
وفي سياق الموضوع، أفاد ناظر قبيلة المسيرية العجايرة، من قبائل البقارة المعروفة بالخيل في غرب السودان، مختار بابو نمر، لوكالة "سبوتنيك"، قائلا إن" الحصان، يمثل شرفا وعزة وفخرا للبقاري، ويوجد بعض الأسر الكبيرة والعريقة، تدلل الخيل وتطعمها من أطيب الطعام وتسقيها من ألبان الأبقار بصورة كبيرة، وكان يقام بمدينة "المجلد"، بغرب كردفان في السابق معارض ومهرجانات للخيول في منطقة تسمى بـ "النقعة"، وتجرى السباقات على الخيل والإبل، وترصد لها جوائز قيمة وتكون مصدر فخر للأسر والفرسان في المجتمع البقاري".
وأضاف نمر أن" الحصان في غرب السودان يستخدم في صيد حيوان الزراف، وذلك لسرعته الفائقة وقوة تحمله للجري لمسافات طويلة مطاردة للزراف، كما يظل الحصان حاضر دوما في احتفالات قبيلة المسيرية والبقارة عامة، ويقوم الفارس بترقيص الحصان على إيقاعات خاصة وتكون أمام الحصان فتاة ترقص، فيرقص الحصان معها ويتفاعل مع هذا الرقص بكل تناسق واتزان وهذه رقصة مشهورة بـ "الخازوق".
وأوضح الزعيم القبلي أن
"للخيل في غرب السودان تسميات محلية تطلق على الخيول الممتازة من الدرجة الأولى عند الأسر العريقة، كـ "ضنب الحوتة"، وتعتبر سلاسة من الفئة الأولى، و"بريطانيا"، و"بارز" و"سعدان" و"قرمصيص" و"القمر بوبة ".
وفي نفس الموضوع، تحدث الرياضي البارز باتحاد الفروسية، رأفت بلة، لوكالة "سبوتنيك، وقال إن" اهتمامات السودانيين، برياضة الفروسية قديمة قدم الزمان، حيث عرف عن الملك "بعانخي"، أحد ملوك الدولة النوبية القديمة في القرن الثامن قبل الميلاد، اهتمامه الشديد بالخيل والفروسية، وقد كان سبب غزوه لمصر أنه سمع أن المصريين كانوا يسيؤون معاملة الخيول، فاحتل مصر وحكمها السودانيون بعده 80 عاما بسبب الخيل.
ويضيف بلة أن" الخيل في السودان كانت تستخدم في الحروب والغزوات، وهو ما يزال موجودا عند بعض قبائل غرب السودان في حالة نشوب نزاعات قبلية. ويعتبر الحصان الأبيض غير مرغوب في الحروب، لأنه يكون مميزا، وبالتالي يصاب صاحبه بسهولة، لذلك فإن الحصان الأبيض يؤتى به لساحات السباقات، ويكون سعره قليلا مقارنة بالألوان الأخرى، مما جعل أصحاب السباقات يستفيدون من هذا الأمر، فنجد أن أكثر خيول السباقات هي البيضاء".
وأشار بلة إلى أن الحصان السوداني يبرع في لعبة التقاط الأوتاد، مما جعل السودان من الدول المتقدمة في هذه اللعبة، حيث أحرز السودان في السابق كأس العالم في الهند.
وفي الآونة الأخيرة دخلت رياضة الفروسية في برنامج علاج وتأهيل المعاقين حركيا، حيث اكتشف علميا أن ركوب الخيل يساعد كثيرا في علاج هذه الأمراض. ويقول نائب رئيس اتحاد الفروسية، محمد عبد الحليم، والمشرف على هذا البرنامج العلاجي، إن "الكثير من الأطباء يرسلون المرضى لنادي الفروسية كي يتم تدريبهم على ركوب الخيل، حيث تعمل هذه الرياضة على زيادة مرونة المفاصل، وتقوية العضلات، وتوسيع الحوض، مما يعجل بشفاء المرضى، بل حتى ذوي الإعاقة الكاملة فإنهم وبمساعدة المدربين يحصل لهم تحسن في حالاتهم لارتباط هذا العلاج بالمرح والترفيه والمتعة".
ويضيف عبد الحليم أنه "حتى للذين يعانون من ضعف ذهني، فإن هذه الرياضة تساعدهم كثيرا على الشفاء، كما أنها تساعد على علاج الاكتئاب، وتعمل على تخليص الأطفال من حالات الانعزالية والميل إلى الوحدة والخوف والتوتر"، كما ويؤكد عبد الحليم أنهم لديهم تعاون مع العديد من المراكز ذات الاختصاص، وأن اتحاد الفروسية يقدم هذه الخدمات لهذه الفئات مجانا كخدمة من الاتحاد وكمساهمة اجتماعية".