توقف الآباء عن العمل نتيجة تعطل شركاتهم ومصانعهم بفعل التدمير أو التهديد أو القصف، الأم حائرة تحولت في بعض الحالات إلى العائل الوحيد للأسرة.
معاناة وصبر
قالت سعيدة، وهى من أبناء مدينة الحديدة لـ"سبوتنيك"، إن الأم تعيش حالة مستمرة من الخوف قبل وأثناء وبعد القصف على أبنائها، لك أن تتخيل أن ترسل الأم ابنها ليحضر لها بعض الأشياء من الشارع، ويدور بداخلها في كل لحظة أنه لن يعود لها سليما، فقد لا يعود بالفعل أو يعود وهو مصاب ببعض الشظايا نتيجة صواريخ الحوثيين أو قصف الطيران.
وتابعت سعيدة، "لا تقتصر معاناة الأم والأب على الخوف والفزع على الأبناء، بل تعيش أكثر من معاناة، بين محاولاتها توفير الطعام والشراب في ظل عدم وجود مياه الشرب النظيفة أو الغاز والكهرباء، وتقوم بعملية طهى الطعام على الخشب، وتغسل الملابس في الشتاء بأيديها".
وأضاف ابنة الحديدة، "رغم ما تعانيه الأم اليمنية، إلا أنها صبورة جدا وتتحمل كل أمور المنزل، نظرا لأن الكثير من الرجال فقدوا أعمالهم نتيجة غلق المصانع والشركات بعد إندلاع الحرب".
وحول ليلة من عاشتها تحت القصف، قالت سعيدة، "عند سماع دوي القصف تحاول الأسرة أن تختبىء وسط المنزل، لأنه يعد المكان الآمن الوحيد، حتى لا يدخل عليهم صاروخ من النوافذ أو الحوائط أو يسقط عليهم الزجاج نتيجة قوة القصف".
وأردفت "لا استطيع أن أصف لك حالة الخوف والفزع عندما نستيقظ من النوم على صوت القصف، ونجري بالمنزل لا نعرف إلى أين نذهب أو من أين ستأتي القذائف".
ومضت
"من الأشياء التي شاهدتها هى دخول الصاروخ إلى منزلنا وشطره إلى نصفين، إضافة إلى الكثير من المعارف والجيران الذين ماتوا تحت الجدران أو أشتعلت أماكن عملهم وماتوا حرقا".
وقال أحد شهود العيان لـ"سبوتنيك"، إن غارة جوية للتحالف في منتصف مايو/أيار الماضي استهدفت منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين عبد الله صبري في حي الرقاص بالعاصمة صنعاء، ما أصاب رئيس الاتحاد وأبنائه وعدد من الحالات ما بين قتيل وجريح.
الكارثة الأكبر
وأردف "كما أن أبنائنا أصبحوا يعانون من الأرق وأمراض نفسية خطيرة لتعرضهم الدائم للضغوط النفسية ومشاهدتهم لعمليات القصف والموت والدمار التي طالت في كل مكان، الكارثة الأكبر من الحرب هى ما بعد انتهاء الحرب".
وأضاف إبراهيم، "أكثر ما آلمني عندما شاهدت الأم والأب وهم يستخرجون أبنائهم من تحت أنقاض منزلهم، والأغرب من هذا هو معاودة الطيران للقصف، ما يمنعهم حتى من إنقاذ المصابين، ولك أن تتخيل أن أعز ما تملك يموت أمامك ولا تستطيع الوصول به إلى سيارة الإسعاف".
وتابع إبراهيم "من أكثر المشاهد التي تدمع لها القلوب، عندما عجز أحد المواطنيين عن الذهاب لعلاج ابنته بالخارج، بعد أن قال له الأطباء إن علاجها بالخارج، لم يستطع الخروج بها من صنعاء نتيجة إغلاق المطار".
ومضى "ظل الأب يراقب ابنته حتى توفيت ابنته، ومازال الأب يزور قبر ابنته كل يوم ويقول إنها ضحية حصار المطار".
وأكد إبراهيم أنه "يحاول في كل مره أن يقي أبناءه ويمنعهم من سماع صوت الانفجارات ولكن دون جدوى، لأن الضرب يحدث بشكل مفاجىء وفي تجمعات سكنية كبيرة".
وأشار إلى أنه "يحاول الآباء المقتدرين الذهاب بأبنائهم إلى العلاج، لكن الآلاف منهم لا يستطيعون حتى العلاج، والبعض الآخر لا يستطيع شراء حليب الأطفال، ومساعدات المنظمات الدولية غير آمنة نتيجة الفساد".
عندما يقترب القصف
أما الدكتورة جاكلين منصور، رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية بالجمعية الوطنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قالت لـ"سبوتنيك"، "كانت هناك معاناة كبيرة عشناها في محافظة أبين، ونشعر بالألم والخوف، عندما يقترب القصف من منزلنا، كنا نمر بلحظات خوف ورعب شديدة جدا، والكثير من الجيران فقد أبنائهم وبناتهم وأطفالهم نتيجة القصف العشوائي من جانب جماعة الحوثي والذي كان يلاحقنا داخل المنازل".
واستطرد "أغلب الناس لا يريدون الحديث عن تلك الأيام، التي مر عليها سنوات بالنسبة للوضع في الجنوب، أما الوضع الآن فهو أكثر أمنا واستقرارا، وكانت هناك عمليات تحدث في بعض المناطق في المحافظات الجنوبية حتى الآن".
معاناة لاجىء
قال عمار ياسر لاجىء بمصر لـ "سبوتنيك":"عمري 21 سنة هربت أنا وأخواني ووالدتي إلى السعودية، ثم توجهنا إلى مصر بعدما تم قصف منزلنا بسبب عدم انصياعه لأوامر الميليشيات الحوثية بالانخراط معهم أنا وإخوتي من تجنيدنا للقتال".
وأضاف "وصلنا إلى مصر في 2015 وقدمنا طلب اللجوء في 2016 منفردا، ثم أخواني وأمي قاموا بالتقديم من بعدي، وتعتبر والدتي المعيلة الوحيدة لنا بسبب انفصالها عن والدي لأسباب سياسية وعائلية".
واستطرد "من ذاك الحين، توجهنا لجميع المنظمات الحقوقية لطلب المساعدات، التي تقدمها الأمم المتحدة ولم نتلق أي مساعدة و كانت جميع طلباتنا مرفوضة حتى أقل المساعدات من تعليم أو معونات وغيرها".
وتابع عمار ياسر أن "بعض المستجدات في قضيتنا كانت صادمة، أنهم يريدون والدي أن يأتي ويقدم لجوء، لكي تنقل ملفاتنا معه مع إنهم يعلمون جيدا بأن قضيتنا كان أبي أحد أسبابها، وإننا نتعرض للخطر من جانبه، ولكن أصروا أن يأتي وتجاهلناهم حتى الآن و مصيرنا مجهول".
هروب من الجحيم
وقالت زوجة رفضت ذكر اسمها لـ "سبوتنيك"،"استأجرنا بيت بدون عفش في مصر، وكنت أنا وزوجي وأولادي ننام في غرفة واحدة على فرشات اشتريناها من أجل أن نستطيع النوم وهذا كل ما عندنا".
وتابعت "نحن بلا مصدر دخل و اضطررنا لطلب المساعدة من أقارب لنا خارج مصر، ونقتصد على قدر المستطاع، لكي نوفر الأساسيات لأطفالنا".
وأتم "هربنا من الجحيم والموت، الذي كان يحوم فوق رؤوسنا في كل لحظة".