صادق مجلس النواب المغربي، الاثنين الماضي، بالأغلبية على قانون لإصلاح التعليم، يسمح أحد بنوده بتدريس بعض المواد باللغة الفرنسية.
مصادقة البرلمان
أقر مجلس النواب مشروع القانون بموافقة 241 نائبا، ومعارضة أربعة نواب، وامتناع 21 نائبا عن التصويت، وامتنع معظم أعضاء حزب "العدالة والتنمية" الشريك في الائتلاف الحاكم، والذي يغلب عليه الإسلاميون ونواب حزب "الاستقلال" المحافظ، عن التصويت على المواد التي تنص على استخدام اللغة الفرنسية في التدريس.
وبعد مصادقة مجلس النواب في جلسة عامة على هذا المشروع، ستتم إحالته إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، ثم نشره بالجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.
واللغتان الرسميتان في المغرب، هما العربية والأمازيغية. ويتحدث معظم الناس العربية المغربية، وهي خليط من العربية والأمازيغية تتخللها كلمات من اللغتين الفرنسية والإسبانية.
ومع ذلك، تسود اللغة الفرنسية في الأعمال التجارية والحكومة والتعليم العالي، مما يمنح أولئك الذين يستطيعون تحمل نفقات التعليم الخاص باللغة الفرنسية ميزة كبرى على معظم طلاب البلاد.
رؤية حكومية
وللحد من عدم إتمام كثير من الطلاب دراستهم الجامعية وتزويد الأشخاص بالمتطلبات اللغوية اللازمة للوظائف، اقترحت الحكومة معاودة اعتماد الفرنسية لغة لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية.
ويتم تدريس هذه المواد باللغة العربية حتى المدرسة الثانوية في انفصال عن التعليم العالي، الذي تهيمن عليه اللغة الفرنسية.
وأثار إقرار مشروع القانون غضب دعاة التعريب، بمن فيهم الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، الذي وصف إعادة إدخال لغة القوة الاستعمارية السابقة على أنها خيانة "لمبادئ الحزب".
وصوت نائبان من ائتلاف للأحزاب اليسارية، عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، ضد مشروع القانون، بعد رفض تعديلاتهما لفرض ضريبة على الثروة وضريبة ميراث تدريجية لتمويل إصلاح التعليم.
ورفع المغرب ميزانية التعليم 5.4 مليار درهم (561 مليون دولار) في عام 2019 إلى 68 مليار درهم (7 مليارات دولار)، سعيا إلى تعزيز الحصول على التعليم وتحسين البنية التحتية، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
معارضة نقابية
وفي بيانها، حملت النقابة "المسؤولية السياسية لتمرير القانون للدولة وحكومتها وأحزابها، ودعت القوى المناضلة الديمقراطية إلى التصدي للمخططات التراجعية التخريبية"، على حد وصف البيان.
وأضاف البيان أن الحكومة الحالية دخلت "مرحلة جديدة في الإجهاز الرسمي على مجانية التعليم وتكريس التعاقد في التوظيف، والانتصار لخيار المزيد من بيع وتسليع التعليم العمومي (الحكومي) وخوصصته من الأولى (الابتدائي) إلى العالي".
وجددت النقابة رفضها المطلق للقانون الذي وصفته بـ"الفاقد للمشروعية والشرعية الشعبية"؛ في إشارة إلى الجدل والانتقادات التي طالته من قبل فعاليات مدنية وسياسية وشعبية بالبلاد.
وطالبت الحكومة بـ"سحب هذا المشروع لما له من تداعيات خطيرة على التعليم العمومي ومستقبل البلاد"؛ كما حملت مجلس النواب مسؤولية تنزيل مشاريع "التخريب" التي تستهدف "تفكيك ما تبقى من الخدمة العمومية، من خلال مباركته وتمريره لكل القانون الانتكاسة".
الهوية والاستعمار
إن النقاش الذي تم في البرلمان بشأن اللغة الفرنسية واستخدامها في التعليم مشروع وطبيعي.
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "هناك فظائع حقيقية حول هذا القانون، ليس فقط مسألة الهوية، لكن سيتم بموجبه القضاء على مجانية التعليم في المغرب، وهذا سينهي مبدأ المساواة في فرص التعليم بين المواطنين"، مؤكدة أن "لا أحد يناقش ذلك".
وأكدت أن "مشروع القانون يمكن تشريحه من عدة زوايا ليس فقط، زاوية الهوية وهي هامة أيضًا، فعلاقتنا باللغة الفرنسية حقًا علاقة استعمارية، فمنذ أن استعمرتنا فرنسا بقيت بعض النخب مرتبطة بذلك الاستعمار السابق، ولا يزال هناك استعمار فكري".
وتابعت الرياضي:
الكثيرون ضد اللغة الفرنسية، ليست من منطلق الهوية وحسب، لكن باعتبارها لغة لم يعد يتكلم بها أحد في العالم، وبات المطروح الآن أن يكون التعليم باللغة الإنجليزية، والإسبانية، واللغة الصينية، هذه اللغات بات لها حضور كبير، وأغلب الناس يتحدثون بها.
مجرد مغالطات
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك":
إنه تم التنصيص على تدريس بعض المواد، ولاسيما المواد العلمية بلغة أجنبية والمادة تنص حرفيا على ما يلي: التناوب اللغوي مقاربة بيداغوجية وخيار تربوي متدرج يستثمر في التعليم المتعدد اللغات (...)".
وتابعت: "بالتالي أي قول يعتبر الانفتاح على اللغات الأجنبية فيه مساس بالهوية مجرد مغالطات، لا تستند لأي أساس من الصحة".
وأنهت البرلمانية المغربية حديثها قائلة:
مكانة اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، محفوظة في قانون الإطار، وتم التأكيد على ضرورة التمكن منهما معا.
إصلاح التعليم
وتنص المادة الثانية على أن التناوب اللغوي هو: "مقاربة بيداغوجية وخيار تربوي مندرج يستثمر في التعليم متعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، وذلك بتدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها".
وتفيد المنظمة العالمية للفرنكوفونية بأن المغرب كان يضم في العام 2018، أكثر من 12.7 مليون ناطق بالفرنسية، من أصل 35 مليون نسمة، عدد سكانه الإجمالي.
وقد اعتمدت سياسة تعريب التعليم في المغرب في مطلع الثمانينيات لتعزيز دور المحافظين والإسلاميين، خصوصا أمام اليسار المعارض.
وانتقدت أحزاب وجمعيات مغربية، في بيانات سابقة لها، اعتماد الفرنسية فقط في تدريس عدد من المواد، وعدم اعتماد اللغة الإنجليزية، رغم أن مشروع قانون ينص على التدريس باللغات الأجنبية.
وينص الدستور المغربي في فصله الخامس على أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، دون استثناء".