كان آخر تلك التقارير ما ذكرته صحيفة "الأخبار" اللبنانية في سياق تقرير لها بشأن أن "العاهل الأردني عبد الله الثاني أبدى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، غضبه من وجود مساعٍ تركية للإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس".
ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرًا قالت فيه إن "ترامب وصهره كوشنر، يسعيان إلى منح الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس للمملكة العربية السعودية"، مؤكدة أن "هذا بمثابة لعب بالنار وستكون له تداعيات كارثية على المنطقة".
كيف بدأت الوصاية الأردنية؟
بدأت الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في عهد مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، الملك الراحل عبد الله بن الحسين (الأول)، وآلت الوصاية الأردنية على مقدسات مدينة القدس عام 1924م، للشريف حسين بن علي، ما عرف بـ"بيعة الشريف"، بموجب قانون أقره الانتداب البريطاني قبل انتهائه، إذ كانت الأردن، آنذاك، لا تزال تحت سلطة الانتداب البريطاني مع منحها حكما ذاتيا.
انتقلت في سنوات لاحقة لقيادات محلية فلسطينية، لكن بعد حرب عام 1948م، وعندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية أردنية بلا منازع، لتستقر حتى الآن.
ما هي المقدسات التي يشرف عليها الأردن؟
تشرف وزارة الأوقاف الأردنية بموجب الوصاية على نحو 144 من المقدسات الواقعة في مدينة القدس، أبرزها الجامع القبلي، ومسجد قبة الصخرة، وشملت الوصاية الهاشمية، المقدسات المسيحية أيضًا.
هل هناك إطار قانوني للوصاية؟
حمادة أبو نجمة، الأمين العام السابق لوزارة العمل الأردنية، ومستشار منظمة العمل الدولية لمراجعة تشريعات العمل الفلسطينية، قال:
إن الوصاية الأردنية على القدس، ليست نابعة من قرار يمكن أن يتغير بإرادة الدول، فهي جاءت بناءً على طلب فلسطيني.
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أنه "وفق الاتفاقيات الموقعة، اتفاقية أوسلو وما سبقها أو لحقها، كلها تشير إلى الوصاية الأردنية على المقدسات في مدينة القدس".
وتابع:
وعلى المستوى الأممي هناك ما يضبط هذه العملية، لأن وضع القدس موجود حتى في قرارات الأمم المتحدة رقم 242 و338، تحدثت تلك القرارات على وضع القدس، وألزمت الدول خصوصا الاحتلال بالمحافظة على الوضع القائم في القدس دون تغيير معالمها.
وأشار إلى أن "وضع الأردن الحالي قانوني، ومعترف به دوليًا، وأيضا مقبول وطنيًا على المستوى الفلسطيني والأردني، حيث جاءت الوصاية باتفاق البلدين المعنيين بالأمر".
وعن اعتراف إسرائيل بالأمر، أضاف أبونجمة:
في اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن والاحتلال نصت المادة الـ 11 على احترام دور الأردن فيما يتعلق بالقدس، والمقدسات الدينية.
كيف ينظر المجتمع الدولي للوصاية؟
بدورها، قالت نادية سعد الدين، كاتبة أردنية، وباحثة في العلوم السياسية، مديرة تحرير في جريدة "الغد" الأردنية:
إن الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات الدينية في مدينة القدس المحتلة، تاريخية وممتدة منذ سنوات طويلة.
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "وصاية الأردن على المسجد الأقصى تحديدًا بدأت منذ بيعة الشريف عام 1924، وفي سنوات لاحقة تنقلت ما بين قيادات محلية فلسطينية، وبعد عام 1948 عادت الوصاية أردنية بلا منازع".
وتابعت:
الأردن يشرف على غالبية موظفي المسجد الأقصى المبارك ومرافقه، وهنا نتحدث عن الجامع القبلي، ومسجد قبة الصخرة، جميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها.
ومن الناحية القانونية، أشارت الكاتبة الأردنية إلى أن "هذه الوصاية والرعاية تجسدت من خلال المعاهدة الأردنية الإسرائيلية عام 1994م، المعروفة باسم "وادي عربة"، حيث بات هناك نصًا واضحًا وصريحًا يقضي بإشراف المملكة الأردنية الهاشمية على المقدسات الدينية في مدينة القدس، أيضا إعلان واشنطن اللاحق، والذي ينص على تعهد الجانب الإسرائيلي باحترام هذا الدور الأردني في الأماكن المقدسة، خاصة القدس المحتلة".
وتجسد هذا الدور قانونيًا أيضا من خلال الاتفاقية التي تم توقيعها بين الملك عبد الله، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس عام 2014م، بإعطاء العاهل الأردني هذا الحق وفقًا لاتفاقية مكتوبة، وبالتالي عندما نتحدث عن الوصاية الأردنية للقدس فهي تاريخية ممتدة وقانونية قائمة.
وعن الحديث بشأن محاولات بعض الدول سحب الوصاية الأردنية، قالت المحللة الأردنية: "لا شك منذ فترة تشكل هناك تحدٍ بالنسبة للأردن يتمثل في سعي بعض الأطراف الخارجية الإقليمية لمحاولة سحب هذه الوصاية من الجانب الأردني، وهذا الأمر تمت الإشارة إليه بوضوح من خلال القمة الإسلامية التي عقدت قبل سنتين، لكن انتصر الأردن عندما نص البيان الختامي للقمة على استمرارية الرعاية والوصاية الأردنية على المقدسات الدينية في القدس المحتلة".
هل هناك مكاسب منها؟
وبسؤالها عن المكاسب التي تعود على الأردن من هذه الوصاية، أجابت نادية بالقول:
يخصص الأردن ميزانية خاصة من خلال وزارة الأوقاف للإنفاق على هذه الوصاية، إلى جانب إنفاق العاهل الأردني من ماله الخاص على تلك المقدسات الدينية.
واستطردت: "لا يوجد أي عائد مادي من هذه الوصاية كما يظن البعض، بل على العكس يتولى الأردن الإنفاق على المقدسات، بالإضافة إلى بصماته في مختلف المنشآت والمرافق الموجودة في القدس، من أجل نصرة الأهالي وتمكينهم من التشبث بأرضهم وتمكينهم من الوقوف أمام إسرائيل".
لماذا خرجت تسريبات سحب الوصاية الآن؟
بدوره، قال المستشار الفلسطيني، أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون الدولية، إن "الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس مهمة، وتمثل عامل استقرار لدى الشعب الفلسطيني والأردني، والمنطقة العربية بأسرها".
إن هناك اتفاقًا قديمًا بين الأردن وفلسطين، على هذه الوصاية خصوصا أنها تمثل رمزية دينية ومعنوية تاريخية، مرتبطة بشكل مباشر بالأسرة الهاشمية".
وبشأن الحديث عن مساعي بعض الدول لخطف هذه الوصاية من الأردن، قال شعث: "لا أعرف مدى صحتها على المستوى الرسمي، سمعت بعض الإشاعات، وأعتقد أن أمريكا تريد أن تفعل فتنة بين الدول العربية".
وتابع:
ترامب وفريقه يحاول اللعب على أوتار التناقضات وتوتير الأجواء بهدف إشعال الفتنة بين الدول العربية الشقيقة، من أجل تفكيك التحالفات العربية الاستراتيجية في دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن "هناك محاولات أمريكية لابتزاز بعض الدول، من بينها الأردن لتمرير صفقة القرن، خاصة بعد موقف الأردن والدول العربية المشرف من هذه الصفقة".
وأكد أن "الابتزاز الأمريكي للقيادة الفلسطينية واضح من القرارات الأخيرة التي اتخذتها، منها إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ووقف دعم الأونروا، وضم الجولان، ووقف الدعم المالي لفلسطين".
وبشأن توقيت خروج تلك التسريبات، أضاف السياسي الفلسطيني أن "الملك عبد الله أكد في لقائه مع كوشنر قبل أيام، أن لا حل في المنطقة إلا بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس، ولذلك تحاول الإدارة الأمريكية اللعب على أوتار التناقضات وابتزاز الحكام العرب، والضغط عليهم".
واستطرد:
لذلك لا يمكن أن يقبل أحد بالتنازل عن الوصاية الأردنية الهاشمية للمقدسات الدينية في القدس، فالعلاقات الفلسطينية الأردنية وطيدة على المستوى القيادي الرسمي والشعبي، وهناك انسجام في العلاقات بين البلدين.