انطلقت رحلة هؤلاء من المغرب في هجرة برية غير نظامية إلى مدينة مليلة الحدودية بحثا عن إيواء مؤقت في انتظار الانتقال إلى بلدان أوروبية مجاورة بدافع البحث عن حياة كريمة كما يقولون.
ظروف قاسية
محمد علي (27 عاما) واحد من عشرات التونسيين العالقين في مركز مليلة الإسباني لإيواء الأجانب، ارتحل من تونس إلى المغرب في رحلة سياحية إلى الناظور (مدينة سياحية مغربية)، ومنها عبَرَ إلى مدينة مليلة برا.
يقول محمد لسبوتنيك "رحلتي إلى هنا لم تكن سهلة، تطلّب مني العبور إلى مليلة القفز من ارتفاع 8 أمتار لأجتاز السور الحدودي وأصبت بكسر في ساقي جراء ذلك".
ويضيف: "البعض دفع المال للحرّاقة (وسطاء) لضمان عبور آمن، تطلب الأمر منهم ما بين 500 إلى 1500 يورو، ومنهم من لا يملك غيرها".
ويروي محمد الظروف القاسية التي يعيشها المهاجرون التونسيون في مركز مليلة داخل مخيمات بلاستيكية لا تقيهم برد الشتاء القارس ولا تمنع عنهم الأمطار.
ويوضح محدثنا أن المهاجرين التونسيين يعيشون في خيام مكتظة، إذ "يتم تجميع ما يقارب ألفي شخص داخلها في حين أن طاقة استيعابها لا تتجاوز 470 فردا".
ويتابع "الوافدون الجدد لا نصيب لهم في هذه الخيام، فهم ينامون في ساحة المخيم دون سقف يحميهم من البرد، وهو ما جعلهم فريسة سهلة للأمراض، حتى أن أربعة منهم فقدوا مداركهم العقلية".
ويتصدر الغذاء أعلى سلم الأولويات بالنسبة للمهاجرين التونسيين الذين لا يحصلون سوى على القليل من الأطعمة التي لا تسد حاجياتهم، وفقا لما يرويه محدثنا.
الحياة أصبحت سجنا
ويقول الشاب المنحدر من محافظة المهدية الساحلية إنه "هرب من سجن الفقر والخصاصة ليجد نفسه في سجن آخر أشد قتامة"، فالسلطات الإسبانية تمنع خروجهم منذ ما يزيد على أربعة أشهر بغية الحلول دون تمكنهم من الهرب إلى بلدان مجاورة، وهو ما فاقم عدد التونسيين المحتجزين إلى ما يزيد عن الثمانمائة شخص بينهم 18 عائلة ونساء وأطفال.
بقاء الوضع على ما هو عليه، دفع أكثر من 200 مهاجر تونسي إلى الدخول في إضراب عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحهم وتمكينهم من حرية التنقل وتسوية وضعياتهم.
ويروي محمد علي أن "السلطات الإسبانية حاولت قمع احتجاجهم بالاعتماد على أسلوب التهديد بالطرد من المخيمات وإبقاء المضربين في العراء ومنع الطعام عنهم".
ويؤكد أن "هذه المعاملات تقتصر فقط على المهاجرين التونسيين دون غيرهم ممن تعتبرهم السلطات عالة عليهم" مقارنة بغيرهم من الجنسيات الأخرى على غرار اليمنيين والسوريين والفلسطينيين الذين يمنحهم المركز امتيازات خاصة كالسكن في الغرف والسماح لهم بالخروج من المركز بعد انقضاء المدة القانونية المقدرة بشهر على حد قوله.
الهرب من الفقر
محمد علي الذي غادر تونس تاركا خلفه أبا معاقا وأما مريضة وثلاثة إخوة لا عائل لهم سواه وعملا موسميا في النزل لا يسد حاجاتهم، هو نموذج عن عشرات التونسيين الذين يغادرون بلدانهم على مضض هربا من الفقر نحو أوروبا، طمعا في تحسين ظروفهم المادية والعيش بكرامة، وهو حلم يقول الشاب العشريني إنه "غير قانوني لكنه مشروع من الناحية الإنسانية".
ويتابع محمد "نحن لا نريد العودة إلى موطننا ليس كرها في تونس، وإنما بحثا عن غد أفضل، مطلبنا الوحيد هو تسوية وضعيتنا وأن نعامل كما يعامل اللاجئون الآخرون".
احتجاز غير مبرر
ويعتبر المكلف بالهجرة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في حديثه لسبوتنيك، أن "ما يحدث مع المهاجرين التونسيين غير النظاميين في مركز مليلة هو نوع من التمييز على الهوية باعتبار أن الجنسيات الأخرى تحظى بمعاملة أفضل".
ويضيف محدثنا أن احتجاز التونسيين لمدة تتجاوز الشهر غير مبرر ويتنافى مع المواثيق الدولية التي تنص على حق حرية التنقل، متابعا أن "الواجبات المحمولة على السلطات الإسبانية في علاقة بالمهاجرين تفرض عليها توفير ظروف إقامة وخدمات لائقة حتى وإن كانوا مخالفين للقانون".
ويذهب بن عمر إلى القول إن السلطات الإسبانية أصبحت تتعامل مع هؤلاء كراهائن من أجل الضغط على الحكومة التونسية للقبول بترحيلهم، مضيفًا أن المنتدى لا يمكنه أن يطلب تدخل السلطات التونسية في ظل رفض المهاجرين التونسيين العودة إلى بلدهم الأصلي.
وشهدت مدينة مليلة تدفق ما يقارب 548 مهاجرا تونسيا سنة 2018، مقابل ما يزيد ععلى 1246 سنة 2019، تمكن بعضهم من الفرار إلى بلدان أوروبية مجاورة مستغلين مهلة الشهر التي تمنحها السلطات الإسبانية لهم لمغادرة البلاد، وفقا لمعطيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن منسوب الهجرة غير النظامية إلى أوروبا سجل انخفاضا في تونس من 6006 توانسة عام 2018 إلى 3545 عام 2019، إلا أن الأرقام تبقى مرتفعة خاصة في صفوف القصر الذين يمثلون حوالي نصف المهاجرين، إذ بلغ عددهم 1100 إلى حدود شهر أيلول/ سبتمبر 2019.