وكانت شابة تدعى آمنة الشرقي قد نشرت منشورا ساخرا من وباء كورونا يتضمن صورة بعنوان "سورة كورونا" تحاكي الآيات الأولى من سورة "ق" من القرآن الكريم.
واستمعت النيابة العمومية إلى الفتاة، أمس الأربعاء، وقررت إحالتها على الدائرة الجناحية الثالثة بالمحكمة الابتدائية في تونس يوم 28 مايو/ أيار 2020 لمقاضاتها من أجل التهم المنسوبة إليها، مع إبقائها في حالة سراح.
تهديدات بالقتل
تقول الشابة في تدوينة أوردتها على صفحتها الخاصة، إن ما نشرته ليس تحريفا للقرآن، مؤكدة أنه لم يتضمن كلمة "الله" أو "الدين"، وفقا لتعبيرها.
كما نبهت إلى أنها تلقت تهديدات بالقتل بسبب النص الذي نشرته بعد أن دعا مواطنون إلى محاكمتها بتهمة إزدراء الأديان، مؤكدة أنها ستباشر مقاضاة كل من قام بتهديدها.
قضية الشرقي خلفت موجة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي وقسمت الشارع التونسي بين فئة تتهمها بتدنيس القرآن وتطالب بمحاكمتها، وبين أخرى تعتبر أن سلوكها يندرج ضمن حرية التعبير.
إستدعاء صاحبة التدوينة المسيئة لكتاب الله ورسوله من طرف المصالح الأمنية المدعوة: -آمنة الشرقي- وذلك بعد تكرار تجاوزاتها في هذا الشأن... pic.twitter.com/ikjn4Jq9cV
— Abou Zakaria Amer (@AbouZakariaAme) May 5, 2020
ضرب لحرية التعبير
واستنكرت منظمات وجمعيات حقوقية استدعاء المدونة للتحقيق معها حول "نص ساخر"، معتبرة ذلك ضربا لحرية التعبير التي يكفلها الدستور.
في هذا الصدد، قال نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري في تصريح لـ "سبوتنيك" إن المدونة "قامت بإعادة نشر محتوى هو محل نظر بين الناس، بين من يعتبره مسألة مرتبطة بالذوق وبالأدب وبين من يعتبر أنه مسّ من المشاعر الدينية"، متابعا أن المواطنين لديهم ما يكفي من آليات التعديل الذاتي على مواقع التواصل التي تكفل لهم متابعة ما يتلاءم مع ميولاتهم وانتماءاتهم.
واعتبر البغوري أن ما حدث هو مؤشر خطير على عودة سياسة القمع، مستغربا تحوّل الأمر إلى النيابة العمومية التي تدخلت سريعا وبشكل ذاتي دون تلقي دعوة لرفع قضية من أي طرف، معتبرا أنه من الخطر أن يقحم القضاء نفسه في تأويلات دينية.
واستنكر المتحدث عدم تدخل النيابة العمومية للتحرك ضد ما تعرضت له المدونة من هرسلة وتهديد بالقتل.
وينقل نقيب الصحفيين التونسيين لـ"سبوتنيك" تخوفه من تكرر هذه الممارسات خاصة في ظل تزامن هذه الحادثة مع مبادرات تشريعية سابقة للسيطرة على مجال الإنترنت والتحكم فيه، وفقا لقوله.
ويضيف "اليوم أصبحت لدينا مخاوف بشأن المس من حرية التعبير، وهو أمر تشاركنا فيه العديد من مكونات المجتمع المدني، خاصة وأن غالبية الائتلاف الحاكم لديهم ماضٍ سيء في التعامل مع حرية التعبير وفي استغلال المسائل الدينية والعاطفية لغلق الإنترنت وضرب هامش الحرية الذي يتمتع به التونسيون بفضل الثورة التونسية".
آمنة الشرقي 🛑
— Fater (@Fatertn) May 7, 2020
مواطنة تونسية تعرض على النيابة و تتعرض للهرسلة من قبل حاكم التحقيق و يمنع محاموها من الدخول اثناء عرضها على النيابة و كل هذا بسبب صورة نشرتها على حسابها الخاص في موقع للتواصل الاجتماعي
يوم 28 ماي محاكمة آمنة الشرقي كونوا في الموعد للدفاع عن حرية التعبير و الفكر ✌ pic.twitter.com/BEJUMzQCVc
واقترح الشهر الماضي عدد من نواب البرلمان التونسي مبادرة تشريعية تتمثل في وضع قانون "أخلقة الحياة السياسية والاجتماعية"، بهدف "التصدي إلى الجريمة الإلكترونية المتعلقة بهتك الأعراض والمساس من شرف الأفراد والجماعات بدون وجه حق بغاية الحد من انتشار الإشاعات التي تمس من اعتبار الأشخاص ورمزيتهم الاجتماعية والسياسية"، وفقا للبند الأول من نص مشروع القانون. وقد جوبهت هذه المبادرة بحملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها خرقا لحرية التعبير.
خرق للدستور
تعتبر نائب رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية الشابي في حديثها لـ "سبوتنيك"، أن قضية آمنة الشرقي تندرج ضمن سياسة تكميم الأفواه المنافية للتشريعات التونسية التي تكفل حرية التعبير والمعتقد.
وتؤكد الشابي لـ"سبوتنيك" أن قضية الشرقي ليست الأولى في تونس، إذ سبق اعتقال مدونين بسبب ما ينشرونه على مواقع التواصل الاجتماعي من أراء وانتقادات حول مواضيع دينية وسياسية، منبهة من خطورة المساس من حرية التعبير والصحافة في ظل ما يطال الصحفيين على وجه الخصوص من عنف واعتداءات جسدية ومعنوية، مؤكدة أن معظم المحتجزين في مثل هذه القضايا يتم إطلاق سراحهم لاحقا بعد أن يبرئهم القضاء الذي يعتمد في حكمه على فصول الدستور العادلة.
وفي المقابل، عبر عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم لتصرف آمنة الشرقي، معتبرين أن ذلك يدخل في باب التعدي على الأديان مؤكدين أن دولا كثيرة راسخة في الديمقراطية وحقوق الإنسان تجرَم ازدراء الأديان والتعدي عليها.
قرر القضاء التونسي إحالة مدونة نشرت على الإنترنت نصاً فيه محاكاة ساخرة من القرآن، إلى المحاكمة بتهمة "المس بالمقدسات والاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على العنف".
— صحيفة الرؤية (@Alroeya) May 6, 2020
وكانت المدونة، آمنة الشرقي (26 عاماً)، نشرت تدوينة بعنوان "سورة كورونا"، وأثارت جدلاً واسعاً في البلاد. pic.twitter.com/5yxYftLGKs
من جهته، قال الناشط محمد بن جماعة في تدوينة على "فيسبوك"، "أعتقد أن الفتاة وإن كان لها مطلق الحرية في الكفر.. إلا أنها أخطأت بفعلها الاستفزازي المتهور بنشر نص في شكل سورة قرآنية".
وتابع بن جماعة "شخصيا، لم أشعر باستهداف القرآن أو معتقداتي الدينية... ولكن من الضروري أن نتعلم اجتناب استفزاز الآخرين".
بدوره عبر النائب في البرلمان ورئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف عن رفضه لما قامت به آمنة الشرقي، قائلا في هذا الإطار في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، "إذا كنت ملحدا بينك وبين نفسك، لكن أن تشيع سب القرآن والرسول، فالمجتمع التونسي سيرفض ذلك".
وينص الدستور التونسي الذي تم إقراره سنة 2014 في فصله الثلاثين على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات".