نبذة عن النقب والقرى البدوية غير المعترف بها
منطقة النقب هي أوسع الأراضي مساحةً في فلسطين المحتلة، وتعادل نصف مساحتها تقريباً حوالى (13000كم مربع)، وتمتد من مدينة بئر السّبع وقرية الفالوجة حتى أم الرّشراش على خليج العقبة، ويبلغ عدد سكان كبرى مدن النّقب مدينة راهط (71000) نسمة، ومدينة اللقية (15000) نسمة، وعرعره النّقب ( 12000) نسمة، وكسيفة (11000) ألف، وحورة (10000) نسمة، في حين يبلغ عدد سكان القرى غير المعترف بها والبالغ عددها خمساً وثلاثين قرية ما يقارب (86000) نسمة.
عاصمة النّقب هي بئر السّبع الواقعة على بعد خمسين كم جنوب شرقي مدينة غزّة، في الجزء الجنوبي لفلسطين، وفي الجزء الشمالي لصحراء النّقب، على نصف قاعدة المثلث الذي تشكله الصحراء تقريباً.
كبرت بئر السّبع بوقت قصير، فبعد أن كانت قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن ثلاثمئة شخص في عام 1902 ارتفع عددهم إلى سبع آلاف نسمة في العام 1948، لكن بعد (عام النّكبة) هاجر البدو بكثافة من النّقب إلى غزّة واستقروا فيها، وبقي قسم منهم في بئر السّبع.
يجدر بنا الإشارة هنا أن أهل بادية النّقب الكرام ينتمون إلى قبائل عربية مقسمة كما يلي:
1- أربع قبائل كبيرة العدد: الترابين - التياها - العزازمة - الجبارات.
2- ثلاث قبائل صغيرة العدد: الحناجرة – السعيديون – الأحوات.
وفي ظلِّ تضافر جهود الحكومة الإسرائيلية على إبعاد وتشريد البدو من النقب من أجل زيادة في عدد السكان اليهود، حُرم البدو من رخص البناء و الاستقرار في المنطقة، وكان هذا و مايزال ديدن السلطات الإسرائيلية مذ عام النّكبة حتى يومنا هذا.
وقد قام تقرير «هيومن رايتس ووتش» تحت عنوان (خارج الخارطة – انتهاك الحقوق على الأراضي والمسكن في القرى البدوية غير المعترف بها في إسرائيل)، باستعراض ظاهرة هدم البيوت والقرى، ومن ضمن ما استعرضه التّقرير وتوثيقه لحالات هدم البيوت، تمّ ذكر:
هُدم 228 بيتاً من العام 2001 إلى العام 2006، وفي العام 2007 فقط تمّ هدم 227 بيتاً.
وقد تواصلت عمليات الهدم والتّهجير والتّشريد حتى بعد العام 2007 و لوحظ عام 2010 تصاعد بارز، فقد سُجل مذ مطلع 2010 حتى أيلول من نفس العام أكثر من مئتي حالة هدم.
ففي صبيحة يوم 26/7/2010 هدمت قرية العراقيب بالكامل حيث تم تدمير خمسة وأربعين بيتاً، من خلال اللجوء إلى القوة والعنف والوسائل غير القانونية تجاه أهل تلك القرية بمن فيهم من نساء وأطفال وشيوخ، بغية ردع السكان ومعاقبتهم وبالتالي إرغامهم على الرحيل، وهدم في شهر آب من نفس العام عدة قرى (جرابا – عبدة – أبو الصلب – أبو تلول – قرنوب)
وقد صدرت قرارات من السلطات الإسرائيلية بهدم عدة قرى و أشهرها قرية أم الحيران القائمة منذ العام 1956، وقرية السرة.
وصوحب هدم البيوت أيضاً بعمليات متعمدة لإلحاق الضّرر بممتلكات الكثيرين من سكان القرى المنضوين تحت راية معركة البقاء والوجود داخل حدود فلسطين، والاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة واقتلاع الكثير من شجر و إتلاف المحاصيل الزراعية .
ولكي تغطي الحكومة الإسرائيلية على تصرفاتها وتضعها تحت مظلة الشرعية، صادقت الأخيرة على مخطط «برافر»، القاضي بمصادرة قرابة مليون دونم من أراضي بدو النقب، وبالمقابل سيتبقى للعرب 90 ألف دونم فقط، وهدم خمس وثلاثين قرية وتشريد أكثر من ثمانين ألف عربي.
ويهدف هذا المخطط إلى تهويد وعسكرة الجنوب ومنع أي تواصل جغرافي ما بين النقب وغزة وسيناء، من خلال تجميع البدو البالغ عددهم أكثر من مئتي ألف في منطقة السياج التي هي أشبه بمعسكرات تجميع ومخيمات لاجئين, ومجمعات التركيز السكاني القائمة (البلدات: حورة و كسيفة وقرى مجلس أبو بسمة) والمخطط هذا مكون من أربعة أسس والتي تمّ الإعلان عنها لذر الرماد في العيون، وهي كالآتي:
1- ترتيب الاستيطان البدوي المشتت في النقب.
2- تطوير اقتصادي للمجتمع البدوي في النقب.
3- تنظيم وضع ملكية الأرض.
4- وضع إطار لتحقيق الخطة وفرضها ضمن جدول زمني واضح.
وقد حذرت قيادات الأحزاب والحركات والفعاليات الشعبية والوطنية الحكومة الإسرائيلية من المضي بمشروعها آنف الذّكر، مؤكدةً رفضها لأي مساومة و إصرارها على التمسك بالأرض وحقوق الملكية لعرب النّقب، و تجلى ذلك في الإضراب الشامل والمظاهرة الجبارة وخاطب محمد زيدان آنذاك رئيس لجنة المتابعة حكومة نتنياهو بالقول «إن نكبة 48 لن تتكرر، ومخطط «برافر» ما هو إلا محاولة لإكمال مشهد النكبة، لكننا نؤكد حسمنا لمستقبلنا ومصيرنا مع الأرض، إما أن نكون أعزاء فوقها أو شهداء ببطنها».
وبيّنت قيادات شعبنا الفلسطيني الأهداف الخفية لمشروع «برافر» بالآتي :
1- عزل النقب عن محيطها العربي ( غزة – سيناء ).
2- تعزيز وجود المستوطنات في النقب وخاصةً في المناطق التي تعتبر خصبة بالمعادن والرمال والصخور النّارية .
3- بناء مراكز عسكرية واستخباراتية بالقرب من المحيط العربي خاصة مصر والأردن / خليج العقبة.
4- العمل على تسهيل مخطط لإنشاء قناة البحرين الأحمر والميت، و فتح مجال لخط السكة الحديد الذي سيربط القناة مع البحر المتوسط للاستغناء عن قناة السويس.
وكالعادة عبرت الأمم المتحدة عن قلقها من ظاهرة هدم البيوت وترحيل السكان بالقوة وتجاهل الحاجة إلى تطوير القرى البدوية، وعدم مراعاة شكل الحياة الخاصة للبدو في صحراء النقب، ودعت إسرائيل إلى احترام حقوق البدو وخاصةً حقهم في الاعتياش على الزراعة.
ولغاية يومنا هذا ما تزال عدة قرى تهدم ويعاود أبناؤها إشادتها في تَحَدٍّ صارخ للقوة الإسرائيلية، وخير مثال على هذه المأساة قرية العراقيب التي تمّ هدمها 174 مرة خلال تسع سنوات، أخرها كان في6/2/ 2020 ثمّ أعاد أبناؤها بناءها . وهذه هي المرة الرابعة التي تهدم فيها خيام أهالي العراقيب المتواضعة منذ مطلع العام الجاري2020.
وتستمر ملحمة الوجود والبقاء على أرض الأوائل والآواخر- فلسطين.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)