واشترطت حركة النهضة توسيع الائتلاف الحاكم بضم حزب قلب تونس إلى الحكومة بدعوى تحقيق الوحدة الوطنية وترجمة نتائج الانتخابات البرلمانية التي أفرزت تصدّر الحركة بمعية حزب قلب تونس سلم الفائزين بأصوات التونسيين.
هذه الدعوة تزامنت أيضا مع مطالبة حزب قلب تونس على لسان رئيسه نبيل القروي إضفاء تغييرات على التركيبة الحكومية من أجل ضمان تمرير مشاريع القوانين في البرلمان، مشترطا منحه سبع حقائب وزارية من بينها الصناعة والتنمية والمالية.
وأثارت هذه الدعوة حفيظة عدد من الأحزاب السياسية من الشقين المعارض والحاكم، والتي اعتبرت هذه الخطوة مساسا بالاستقرار الحكومي ومحاولة من حركة النهضة للبحث عن حليف داعم لها داخل الحكومة.
القرار لا يعود لحركة النهضة
وفي هذا السياق، قال النائب عن الكتلة الديمقراطية بالبرلمان والقيادي في حزب التيار الديمقراطي (من الأحزاب الحاكمة) محمد عمار في تصريحه لـ"سبوتنيك"، إن كتلته ترفض تماما مسألة توسيع الحزام السياسي لاعتبارات عدّة، أولها أن كل العائلات الفكرية كانت ممثلة في الحكومة الحالية، معتبرا أن قلب تونس هو سليل نداء تونس في الحكم، وأن النهضة حكمت سابقا مع الحزب الثاني في البلاد وفشلت في تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف عمار أن هذه الحكومة ليست حكومة الأحزاب وإنما هي تفويض من رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد فشل الأحزاب في تشكيل حكومة الجملي، متابعا "القرار لا يعود لحركة النهضة، وإذا أرادت الحركة مغادرة الحكومة فلا مانع لدينا في ذلك ولكن العمل الحكومي سيتواصل".
وشدد النائب على القول إنه لا يجب إخضاع هذه الحكومة إلى إملاءات، باعتبار أنها باشرت عملها حديثا بعد تنصيبها في 28 فبراير/شباط 2020، مضيفا أنه من غير المنطقي تقييم حكومة لم تبلغ المائة يوم على توليها مقاليد الحكم، معتبرا أن "الحكومة تقيّم حسب البرامج وليس حسب مزاج وأهواء النواب أو رئيس البرلمان".
محاصصة حزبية عقيمة
من جانبه، اعتبر النائب عن حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري ورئيس كتلة المستقبل بالبرلمان عدنان بن إبراهيم في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه من المبكر جدا الحكم على أداء هذه الحكومة نظرا للظروف التي أتت فيها في ضل الوضع الوبائي الذي استمر طيلة ثلاثة أشهر، مضيفا أن الحكومة تقيّم وفقا لمشاريع القوانين وللمقاربة الاقتصادية والاجتماعية التي ستعرضها على البرلمان.
وقال بن إبراهيم متحدثا عن حزب قلب تونس "بعض الأطراف السياسية تنوي الانخراط في الحكومة لغاية وحيدة هي المحاصصة الحزبية العقيمة"، مضيفا أن بعض الأحزاب كسبت حقائب وزارية أكثر مما تمثله داخل البرلمان.
وتعقيبا على دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أشار بن إبراهيم أن الوحدة الوطنية تكون بتغليب المصلحة الوطنية، مستدلا على ذلك بتصويت غالبية النواب على الفقرة الثانية من الفصل 70 المتعلقة بالتفويض إلى رئيس الحكومة لسن مراسيم ظرفية لمجابهة فيروس كورونا بغالبية بلغت 180 صوتا تمثلهم أحزاب الحكم والمعارضة.
خيار يصب في مصلحة تونس
في المقابل، صرّح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري لسبوتنيك، أن توجه الحركة إلى توسيع الحزام السياسي لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتاج تقييم للواقع السياسي ولحكومة إلياس الفخفاخ، مضيفا أن موقف النهضة ما يزال ثابتا في التمسك بخيار تشكيل حكومة وحدة وطنية تترجم نتائج الانتخابات وتضم أطرافا رئيسية في البرلمان لا تختلف رؤيتها وبرنامجها عن البرنامج المطروح من قبل رئيس الحكومة الحالي.
وبرّر الخميري هذا الخيار بأنه يصب في مصلحة تونس ويخدم استقرار الحكومة التي لن تكون، حسب رأيه، قادرة في الفترة القادمة على تمرير مشاريع القوانين أو حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى بسبب ضعف حزامها البرلماني، مضيفا "لقد شهدنا في الفترة الماضية تمرير مشاريع قوانين بصعوبة وبمساندة من أطراف برلمانية محسوبة على المعارضة وهو ما يجعلنا اليوم أكثر تشبثا بمسألة توسيع الحزام السياسي للحكومة".
وردا على الانتقادات التي وجهت لحركة النهضة بتعطيل الإمضاء على وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي، قال الخميري "تشريك قلب تونس ليس شرطا أساسيا للإمضاء على هذه الوثيقة ونحن لا نشترط على الحكومة لأننا جزء منها ونريد أن نُنجح العمل الحكومي، ولكننا سنتحاور مع الأطراف المشكلة للحكومة بما في ذلك رئيسها ونحاول أن نقنع الجميع بهذه المقاربة".
واعتبر الخميري أن مسألة "تقسيم الحقائب الوزارية تعتبر تفصيلا بالنسبة للحركة، وأن ما يهمها فعلا هو التوصل إلى اتفاق بين كل الأطراف حول برنامج عمل الحكومة، وأن تكون الأطراف المشكلة للحكم متضامنة فيما بينها، عوض أن تتنافس وتتراشق الاتهامات كما حصل في الفترة السابقة داخل البرلمان".
وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت يوم الجمعة المنقضي الموافق لـ 05 يونيو/ حزيران 2020، عن تأجيل التوقيع على "وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي" إلى موعد لاحق لم تحدده، بعد أن اشترطت حركة النهضة توسيع الحزام السياسي والبرلماني، والتنصيص على التضامن البرلماني إلى جانب التضامن الحكومي، قبل التوقيع على الوثيقة.
وتهدف وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي إلى "نبذ كافة أشكال الخطاب السياسي الهادر لكرامة الناس وحرماتهم والابتعاد عن معجم التخوين والإقصاء والاستئصال، والالتزام بمبادئ الشفافية والنزاهة في تسيير المرفق العام ومحاربة كافة أشكال الفساد، والانخراط الكامل في مقاومة كل ما يعيق تقدم البلاد من مظاهر الإرهاب والجريمة وكافة أشكال هدر ثروات البلاد ومقدراتها".
كما تفرض هذه الوثيقة على موقعيها من أحزاب الإتلاف الحاكم "الالتزام بالتضامن الصادق في ما بينها واعتماد الحوار والتشاركية في إدارة الحياة السياسية، ودعم استقرار مؤسسات الدولة السيادية وتضامنها وتجنب كافة أشكال النزاعات والخلافات التي تشل أجهزتها".