ولم تكشف الحركة عن الآلية التي ستعتمدها لإسقاط حكومة الفخفاخ، لكن دائرة الفرضيات تقلصت إلى ثلاث، إما مطالبة رئيس الحكومة بالاستقالة من منصبه وتحمّل مسؤوليته فيما وجّه إليه من تهم تتعلق بتضارب المصالح والفساد واستغلال المعلومة الممتازة، أو أن تسحب حركة النهضة أعضائها من التشكيلة الحكومية الحالية، أو أن تباشر في جمع الأصوات الـ 109 اللازمة لسحب الثقة من الحكومة برمّتها عن طريق البرلمان وبدء مشاورات جديدة تكون مكوناتها سياسية بالأساس وهو أمر لا يستبعد مراقبون حدوثه في ظل توفّر حلفاء برلمانيين لحركة النهضة (54 نائبا) يمثلهم أساسا ائتلاف الكرامة (19 نائبا) وقلب تونس (27 نائبا) وبعض المستقلين.
حكومة عاجزة عن حل الملفات الحارقة
وصرّح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري لـ "سبوتنيك"، أن مجلس الشورى المنعقد أمس خلص إلى أن الحكومة الحالية بما تعرّض له رئيسها إلياس الفخفاخ من "شبهة قوية" في تضارب المصالح لم تعد قادرة على حلّ الملفات الحارقة ومواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة أزمة كورونا التي أثقلت كاهل الميزانية.
وقال الخميري إن مجلس شورى حركة النهضة تابع ملف تضارب المصالح لرئيس الحكومة منذ البداية ووقف على جميع الحقائق المتعلقة به، معتبرا أن حزبه لم يتسرع في أخذ قرار تغيير الحكومة بالنظر إلى وجود جوانب موضوعية وحقائق صلبة على أرض الواقع تثبت أن الحكومة الحالية فقدت جزءا كبيرا من صورتها لدى الرأي العام التونسي، وهو ما يجعلها عاجزة عن تجميع الفرقاء السياسيين والمسك بزمام الأمور ومعالجة مشاكل البلاد خلال المرحلة الراهنة والمستقبلية، وفقا لقوله.
وأضاف "في أعتى الديمقراطيات عندما تتعلق بمسؤول سياسي شبهة خطيرة، فإنه يجب عليه أن يفتح المجال للمؤسسات القضائية لتقوم بعملها في إطار الشفافية والاستقلالية بما يمكّنها من استكمال تحقيقاتها أو بحثها ومثل هذه القضايا تواجه عادة بالاستقالة".
وتابع "نحن حزب مسؤول ونعتبر أنه من الصعب على الحكومة الحالية أن تواصل مهامها خاصة وأنها بنت تعاقدها على الثقة والشفافية ومحاربة الفساد ومكافحته، لذلك اتخذنا قرارا بتكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإدارة الحوار مع رئيس الجمهورية ومع الأحزاب والمنظمات الوطنية لإيجاد حل يفضي إلى بديل حكومي".
البحث عن البديل
وعن كيفية تغيير الحكومة الحالية، قال الخميري إنه من السابق لأوانه الحديث عن الآليات، مؤكدا أن الحوار الذي سيخوضه رئيس الحركة راشد الغنوشي مع كل من رئيس الجمهورية والأحزاب والمنظمات هو الذي سيقود إلى اختيار الآلية المناسبة التي ستفضي إلى تفعيل خيار الحركة وإيجاد البديل الحكومي المناسب.
وكشف الخميري أن ملامح هذا البديل لم تحدد بعض وأن المفاوضات مع الأطراف سابقة الذكر هي المحدد لتركيبة الحكومة وطبيعتها، مضيفا أن الحركة ستقرر مع شركائها مسألة مواصلة التعاطي مع الحكومة الحالية من عدمه خلال هذه الفترة.
زمن الشورى قد ولّى
وتعقيبا على هذا القرار، قال النائب عن حركة الشعب (من الائتلاف الحاكم) هيكل المكي في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن "مجلس شورى النهضة لم يعد المؤسسة التي تقود البلاد، وأن الزمن الذي تحاول فيه الحركة إيهام الرأي العام الوطني والدولي بأن المقود ما يزال بين يديها وأنها هي التي تقرر سحب الثقة من الحكومة من عدمه والتشاور من أجل حكومة جديدة قد ولى وانتهى".
وأوضح المكي أن قرار النهضة بتغيير الحكومة يندرج ضمن محاولاتها إيهام الرأي العام بأنها المتحكمة في الشأن السياسي للبلاد، معتبرا أن "مخرجات مجلس شورى حركة النهضة تهم النهضاويين وعناصر النهضة وقواعدها ولا تهم الشعب التونسي أو الأحزاب الأخرى".
ويرى المكي أن الوقت قد حان لأن يقيل رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وزراء حركة النهضة من حكومته وأن يستمر في الحكم، مضيفا "وما على حركة النهضة إلا إتباع الآليات الدستورية إما بسحب الثقة من الحكومة في البرلمان عن طريق توفير مجموع الـ 109 أصوات اللازمة لإسقاطها أو استقالة رئيس الحكومة"، معتبرا أنه لا يوجد خارج هذين الإجراءيْن ما يسمى بإلزامية قرارات مجلس شورى حركة النهضة.
وبيّن المتحدث أن "الحركة عاجزة عن بلوغ الـ 109 أصوات وإلا لذهبت إلى البرلمان مباشرة دون الحاجة إلى خوض مفاوضات مع بقية الأحزاب لإسقاط الحكومة".
سحب الثقة من الغنوشي
وتزامنا مع دعوة حركة النهضة إلى خوض مفاوضات جديدة لإيجاد بديل لحكومة الفخفاخ، تقود كتل برلمانية مشاورات تحت قبة مجلس نواب الشعب لبحث مسألة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي بسبب ما وصفوه بتفاقم التجاوزارت والخروقات الإدارية والسياسية التي ارتكبها داخل البرلمان.
وفي هذا الصدد، أكد النائب عن حركة الشعب هيكل المكي لـ "سبوتنيك" أن الكتلة الديمقراطية (38 نائبا) بحزبيها التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائبا)، وكتلة تحيا تونس (11 نائبا)، والكتلة الوطنية (11 نائبا) قد اتفقت على سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي باعتبار "الفوضى العارمة التي أصبح عليها تسيير البرلمان إداريا وبرلمانيا".
ونفى المكي في هذا الجانب انسحاب شريكه في الكتلة التيار الديمقراطي من هذه المبادرة بعد اتفاق نوابه نهائيا على توحيد صفوفهم في هذا الأمر.
واعتبر المكي أن سحب الثقة من رئيس البرلمان أصبح ضروريا وواجبا بالنظر إلى "إصرار الغنوشي على تحويل قبة البرلمان إلى مركز نفوذ لحركة النهضة وانتقال كل كوادر حزبه تقريبا والفاعلين حوله إلى هذه القبة لتصبح مكانا خاصا لحركة النهضة تُدخل وتُخرج من تشاء وتضبط جميع الأمور المتعلقة بتسيير الإدارة وحتى بضبط القوانين".
ويرى المكي أن هذه الممارسات تمثل خطرا على الديمقراطية في تونس وعلى استمرار البرلمان في حد ذاته كمؤسسة سياسية أولى في البلاد، مضيفا أن الغنوشي فشل فشلا ذريعا في إدارة البرلمان وهو ما استوجب تنحيته.
وأكد المتحدث أن الإمضاءات على لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان بلغت إلى حدود اليوم 94 إمضاءً بما يعني أنها تجاوزت عتبة الـ 73 المطلوبة لتمرير اللائحة إلى الجلسة العامة للتصويت عليها.
وأضاف أن التصويت لصالح سحب الثقة قد يتجاوز الـ 109 صوتا اللازمة لسحب الثقة من الغنوشي، مبيّنا أن "الأيام القادمة ستخصص للتفاوض من أجل تنفيذ هذا القرار الجريء الذي سيصحح الأوضاع داخل البرلمان".
تجاوزات خطيرة
من جانبه قال النائب عن كتلة الدستوري الحر مجدي بوذينة في تصريح لـ سبوتنيك"، إن كتلته سترحب بجميع القرارات التي تدعم الانخراط في هذه الخطوة، مبيّنا أن كتلته بادرت منذ 10 أشهر بطلب تنحية راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان وأنها باشرت في جمع الإمضاءات اللازمة لتمرير لائحة سحب الثقة.
ونبّه بوذينة من ضرورة الذهاب في تطبيق هذه المبادرة عن طريق المباشرة في تنفيذ إجراءات السحب حتى لا تبقى هذه الدعوة مجرد شعارات أو طريقا لتسجيل نقاط سياسية أو مناورات للتفاوض حول توسيع الحزام السياسي للحكومة من عدمه.
ونفى بوذينة علاقة هذه الخطوة بالخلاف السياسي بين حزبه وبين حركة النهضة، معتبرا أن "موقف كتلته مبني على وقائع تثبت سوء الإدارة والحوكمة داخل البرلمان، فضلا عن تجاوز الغنوشي للقانون بدءا من استقبال مشتبه بهم في قضايا إرهابية داخل البرلمان، وزيارة نواب من النهضة لإرهابيين داخل السجون التونسية ليلا"، مؤكدا أن التحقيق القضائي سيثبت حقيقة هذه المعطيات.
يذكر أن البرلمان التونسي قد أسقط، في 03 يونيو/ حزيران 2020، لائحة تقدمت بها كتلة الدستوري الحر حول رفض التدخل في ليبيا وسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي نتيجة فشلها في بلوغ الـ 109 صوتا الضرورة لتمريرها، بعد تصويت 94 نائبا لفائدتها واعتراض 68 عليها واحتفاظ 7 نواب بأصواتهم.