ويعود هذا التقليد إلى البابا بونيفاسيوس الرابع، الذي كرّس معبد بالبانتيون في روما لتكريم مريم العذراء وجميع الشهداء المسيحيين ونقل إليه رفاتهم وخصص لهم عيدا خاصا سمي بـ "عيد جميع القديسين"، ثم أتى بعده البابا غريغوريوس الرابع في العام 837م وخصص الواحد تشرين الثاني موعدا لهذا العيد.
طقوس مميزة
وفي تونس، تحتضن مقبرة "بورجل" الواقعة شمالي العاصمة عيد "جميع القديسين وتذكار الأموات" بحضور العشرات من المسيحيين والرهبان، إحياءً لذكرى الأقارب والأحبة وتكريما "للقديسين المجهولين" الذين لم يعرف مكان دفنهم أو الذين لا يوجد من يصلي لأجلهم.
وقال محافظ المقبرة محمد علي رجب لـ"سبوتنيك"، إن الاحتفال بعيد الأموات هو تقليد عالمي يحتفل به المسيحيون في مختلف أرجاء الكرة الأرضية مع اختلاف في الطقوس والتسميات.
وأضاف أن بعض البلدان على غرار فرنسا تمنح المسيحيين عطلة رسمية بثلاثة أيام لمواكبة الاحتفال بهذا العيد الذي تبدأ مراسمه في تونس من غرة شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث يخصص هذا اليوم لإقامة حفلة التجمّع التي يحظر فيها الرهبان والراهبات وقائد الكنيسة المسيحية الأم للغناء والصلاة على "جميع القديسين".
وتابع محافظ المقبرة "يخصص اليوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني للزيارات الفردية، حيث يحظر المسيحيون لتذكر موتاهم والصلاة لأجلهم حاملين باقات من الورود والشموع التي ترمز إلى إضاءة الأرواح الميتة داخب القبور المظلمة"، قائلا إن الاحتفال بهذا العيد يستمر من ثلاثة أيام إلى أسبوع.
آيات قرآنية على القبور المسيحية
وداخل مقبرة "بورجل" لا يغيب عن ناظر الزائرين مشاهد الآيات القرآنية التي كتبت على شواهد القبور المسيحية بكلمات عربية من قبيل "الله أكبر"، "بسم الله الرحمن الرحيم"، "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وهي عبارات عادة ما يستخدمها المسلمون للترحم على موتاهم.
وعن هذا الموضوع أوضح محافظ المقبرة أن المسيحيين بحكم اختلاطهم وتعايشهم مع التونسيين أصبحت لهم زيجات مع المسلمين.
وتابع "حينما يكون للمسلم مثلا زوجة مسيحية، فإنه يختار أن يكتب على شاهد قبرها آيات قرآنية تبركا وترحما عليها".
وأكد أن هذه الظاهرة ليست منتشرة كثيرا في المقابر المسيحية ولم تظهر سوى في السنوات العشر الأخيرة.
واعتبر ابن رجب أن هذا التمازج بين الآيات القرآنية والعبارات الكاثوليكية يعكس التسامح بين الأديان التي يوحدها إله واحد رغم اختلاف الرؤى حول الرسل.
وقال "لم يعد من الغريب أن تجد مسلما داخل مقبرة مسيحية أو يهودية، وعادة لا يجد المسلمون الذين يأتون للترحم على أقاربهم المسيحيين مشكلة في القيام بطقوسهم المختلفة عن الأموات".
مقبرة اليهود والنصارى
وتروي مقبرة بورجل تاريخا قديما، حيث يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر مالك الصغيري لـ "سبوتنيك" أن تاريخ بناء هذه المقبرة يعود إلى العام 1894 وكان يدفن فيها اليهود دون غيرهم.
وأضاف "سمّيت هذه المقبرة ببورجل نسبة إلى كبير الحاخامات اليهودي "آلي بورجل" الذي توفي في تونس عام 1898 لتحمل المقبرة اسمه وتصبح بعد ذلك أكبر مقبرة يهود في المغرب العربي وفي شمال أفريقيا".
ويقول الصغيري إن مقبرة بورجل أصبحت تؤوي أيضا المسيحيين بداية من العام 1927 ولكن قبورهم ظلت إلى اليوم منفصلة عن اليهود بجدار.
وتمسح مقبرة المسيحيين حاليا نحو تسعة هكتارات، وتضم لوحدها ما بين 10 آلاف و12 ألف قبر، فيما يضم جزء اليهود ما يزيد عن 20 ألف قبر.