البيان الختامي للمؤتمر الوزاري الذي نظمته الرباط وواشنطن، الجمعة، لدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، عبر تقنية التواصل عن بعد، أثار الكثير من التساؤلات على رأسها ما إن كانت الجبهة ستغير موقفها من مسألة الحكم الذاتي أم ستصر على الرفض؟
الموقف المعلن حتى الآن من الجبهة هو رفض إقرار الحكم الذاتي، في حين يرى خبراء من الجانب المغربي، أن الحكم الذاتي بات هو المقترح الوحيد القابل للاتفاق، مع استبعاد عملية الاستفتاء التي تطالب بها الجبهة والتي ترى أنه السيناريو الأمثل لحل الأزمة.
وتؤكد الرباط أحقيتها في الصحراء، وأن مقترح الحكم الذاتي هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق تحت سيادتها، لكن “البوليساريو” تطالب باستفتاء لتقرير مصير الإقليم.
تطورات وعوامل متغيرة
من ناحيته قال نوفل البعمري، الباحث في شؤون الصحراء إن "المؤتمر الافتراضي الذي نظم منذ أيام قليلة والذي ضم أزيد من 40 دولة بشأن دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لنزاع الصحراء، سيكون له أثره الإيجابي على مسار الملف سياسيا داخل الأمم المتحدة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، بأن "الأمم المتحدة أصبحت أكثر اقتناعا بدعم هذه المبادرة بعد فشل استفتاء تقرير المصير".
وتابع بقوله "بالنسبة لجبهة البوليساريو، موقفها أصبح اليوم أكثر عدمية وخارج سياق الأمم المتحدة، حيث أعلنت عن العودة لإطلاق النار وخرجت من مسار التسوية السياسية، وأنها في وضعها الحالي أصبحت معرقلة ومعيقة للحل السياسي، وفقا للمقررات الصادرة عن مجلس الأمن".
ويرى البعمري أنه "من الصعب التحدث عن مستقبل حل النزاع في ظل قيادة الجبهة الحالية، وبوضعها السياسي المفتقد لأية مشروعية وشرعية سياسية". حسب نص قوله.
هل استبعد خيار الاستفتاء؟
قال عبد اللطيف الغلبزوري، الأمين العام الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة، إن "موقف المغرب واضح بهذا الشأن بشأن مقترح الحكم الذاتي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "مقترح الحكم الذاتي قدمه المغرب بعد أن وصل مسلسل إقرار الاستفتاء إلى الباب المسدود بسبب العراقيل والمناورات التي قامت بها جبهة البوليساريو".
وقال إن "المقترح حظى بتقدير كبير من قبل الأمم المتحدة، وعدد كبير من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، وهو ما أثنت عليه بعض الأطراف الدولية وتضمنته بعض التقارير الخاصة بالمنظمات الدولية، وقالت إن مقترح الحكم الذاتي هو مقترح جدي وقابل للتطبيق".
وبحسب رؤيته فإن "المجتمع الدولي يرى أن مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والواقعي القابل للتطبيق".
وأشار إلى أن "طرح الاستفتاء أصبح متجاوزا، ولم تعد الأمم المتحدة تتخذه حلا من حلول قضية "الصحراء المغربية، وعلى الجانب الآخر تأكيد موقف جبهة البوليساريو أكثر من مرة رفضها لمقترح الحكم الذاتي".
رفض البوليساريو
وفي ظل التطورات الأخيرة وتعقيب الجبهة على الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي، قالت النانة لبات الرشيد، مستشارة الرئيس الصحراوي، في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك": إن "فرض خيار الحكم الذاتي على الشعب الصحراوي لن يجدي نفعا".
وأوضحت أنه "الحل الأمثل هو ترك القرار للشعب الصحراوي تقرير مصيره من خلال الاستفتاء الذي يقرر من خلاله الانضمام للمغرب أو الاستقلال أو الحكم الذاتي".
من جهته، يرى الخبير الأمني المغربي، أدريس قصوري، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الحكم الذاتي كمقترح مغربي لإنهاء النزاع لم يغب عن الإطار الأممي والدولي منذ سنة 2007".
وأضاف أنه "في ظل مزيد من تهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة والتهديدات النووية، تحول منظور الدول نحو أولوية التنمية والشراكة الاقتصادية وتعدد المسؤولية والاعتماد المتبادل، لتأمين الاستقرار والسلم والأمن، كمدخل لإعادة صياغة العلاقات الدولية، بعيدا عن أيديولوجيا سبعينيات القرن الماضي".
حفظ ماء الوجه.
ويرى قصوري أن "مقترح الحكم الذاتي يحفظ للأمم المتحدة والمغرب والبوليساريو، وجميع الدول الفاعلة ماء وجهها، وأن المعلومات التاريخية اليوم أصبحت واضحة لحق المغرب وأن وقائع الإرهاب وحقوق الإنسان والجريمة المنظمة، وانتشار السلاح وتهديدات القاعدة وداعش لمنطقة الساحل والصحراء وليبيا والجزائر، ليست لصالح البوليساريو".
وشدد على ضرورة التدخل بقوة لحسم الأمور، ودفعها في اتجاه الممكن المتوازن.
نصوص من مبادرة الحكم الذاتي
فيما يلي بعض البنود الواردة في مبادرة الحكم الذاتي المقدمة في العام 2007 من قبل المغرب:
- التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي: ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004، "يدعو الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع مخرج للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي".
وتندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء.
- سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية.
- كما ستتوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
- تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.
- ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
- يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
- المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا، وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير معترف بها عالميا.
ما بعد تقديم المقترح
في عام 2007، قدّم المغرب مبادرة حول الحكم الذاتي في الصحراء، تضمنت ممارسة سكان الصحراء لحقوقهم من خلال هيئات تشريعية، بالإضافة إلى إقامة هيئات تنفيذية وقضائية. ورحب مجلس الأمن في قراره رقم 1754، في عام 2007، بالمبادرة المغربية التي وصفها بالجادة وذات المصداقية، مطالباً الأطراف بالدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وصل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، إلى المناطق الصحراوية، الواقعة تحت نفوذ المغرب، وزار مخيمات "تندوف"، جنوب غرب الجزائر، بهدف تسهيل المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع، ومحاولة الوصول لحل سياسي عادل ودائم ومقبول.
وخلال عامي 2013 و2014، فشلت كافة المحاولات الرامية إلى توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، وكانت هذه المحاولات سببا في أزمة حادة بين المغرب والمنظمة الدولية.