وقال مراقبون إن عودة الاتهامات وحرب البيانات بين الرئاسة ورئيس الوزراء تؤكد أن الأزمة اللبنانية مستمرة، وأن لا حلول في الأفق في الوقت الراهن، رغم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد".
تبادل الاتهامات
نشر حساب الرئاسة اللبنانية على "تويتر" بيانا لمكتب الإعلام في الرئاسة، جاء فيه: "مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة، وضمّنها مغالطات كثيرة وأقوال غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلا لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان".
وتابع البيان: "تكفي الإشارة إلى أن ما أقر به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في كلمته، كاف للتأكيد بأنه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق".
وكان الحريري قد شن، في وقت سابق، هجوما حادا على معارضيه، واتهم ميشال عون بعرقلة تشكيل الحكومة بسبب تمسكه بالثلث المعطل، بما يمكنه من التحكم في بقاء الحكومة.
وقال الحريري، في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري: "لكل من ليس لديهم عملا إلا الهجوم على الحريرية السياسية، سأذكرهم ما هي الحريرية السياسية؛ الحريرية السياسية أوقفت الحرب الأهلية، أعادت لبنان إلى الخارطة، أعادت إعمار بيروت، بنت مستشفيات حكومية ومستشفى رفيق الحريري نموذج على ذلك".
وذكر الحريري بأنه بعد 16 عاما على اغتيال والده صار "الاقتصاد منهارا، وجزء أساسي وحبيب من بيروت تدمر في انفجار المرفأ، وكورونا تفتك كل يوم بعائلاتنا وأصحابنا وكبارنا، ومسلسل الاغتيالات مستمر، من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وصولا لاغتيال لقمان سليم (ناشط سياسي معروف بانتقاداته لحزب الله اللبناني)".
وفي ما يتعلق بمفاوضات تشكيل الحكومة، قال الحريري: "بعد 14 جولة تشاور ومحاولات إيجاد الحلول مع فخامة الرئيس، قدمت له اقتراح تشكيلة من 18 وزير اختصاصيين غير حزبيين، قادرين أن ينفذوا كفريق متكامل، الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، وإعادة الأمل للبنانيين. ونعم، في هذه التشكيلة لا ثلث معطل (من يملك الثلث زائد واحد، يصبح قادراً على التحكم باستقالة الحكومة)".
وأردف بالقول: "من أصل 18 وزيرا، اعتبرت أن لفخامة الرئيس ستة، منهم وزير لحزب الطاشناق (الأرمني)، والخمسة المتبقون، أربعة منهم تنطبق عليهم مواصفات الاختصاص وعدم الانتماء الحزبي والكفاءة".
وأضاف: "في التشكيلة نفسها اقترحت لوزارة الداخلية اسم قاض معروف، مشهود بكفاءته ونظافته، وسبق وحكم ضد تيارنا السياسي في القضاء، ومقرب من بعبدا (الرئاسة)، وبدل أن يعطي فخامته ملاحظاته على التشكيلة وفق الدستور، والمنطق، ومصلحة البلد واللبنانيين، أتى الجواب بالإعلام، الخطابات، والبيانات".
صراع الحصص
أسامة وهبي، المحلل السياسي اللبناني قال إن هذه الاتهامات المتبادلة بين الرئيس عون والرئيس الحريري وحرب البيانات والاختلاف على تفسير الدستور والصلاحيات وتناتش الحقائب والثلث المعطل، إلى ما هنالك "اعتدنا عليها في الداخل اللبناني كلما كان هناك حكومة جديدة وكلما اشتد الصراع على السلطة يدخلون في متاهات تفسير الدستور والصلاحيات".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن
الحريري وعون يلعبان في الوقت الضائع والمبادرة الفرنسية مجمدة وهناك اتصالات خارجية بين فرنسا والإدارة الأمريكية الجديدة، وأن الحريري جاء من جولة خارجية في الإمارت ومصر وفرنسا وعاد بشيء من الدعم لتوجهه بتشكيل حكومة من المستقلين الاختصاصيين.
وتابع: "الرئيس عون ما زال بانتظار القبول بالثلث المعطل خوفا من أن تكون هذه الحكومة هي آخر حكومات عهده ويريد أن تكون الحكومة ممسوكة من الطرف السياسي الذي ينتمى إليه، والحريري وغيره من الأطرف السياسية لا يريدون لطرف واحد أن يمسك بزمام البلاد منفردا أو يتمسك بثلث معطل يتحكم في اجتماع الحكومة وقراراتها وبمصيرها".
واستطرد: "بالتالي نحن ما زالنا في الوقت الضائع في حلقة مفرغة بانتظار شيء ما يأتي من الخارج الكل يترقب السياسة الأمريكية في لبنان والمنطقة وانعكاساتها على الداخل اللبناني، وهذا يزيد من عمق الأزمة اللبنانية".
وأشار إلى أن لبنان بحاجة لحكومة مسنجمة في أسرع وقت ممكن لديها فريق عمل ورؤية واضحة وقدرة على التحرك وكفاءة عليا، لإخراج البلد من أزماته، لكن على ما يبدو المنظومة الحاكمة لا تجيد إلا" لعبة المحاصصة والاستقواء بالخارج ولعبة تناتش الحصص وتقاسم العنائم في بلد مفلس أصبح في الهاوية".
وأكد أن "الانهيار أصبح شبه تام، والأيام القادمة فيها الكثير من الغموص والخوف على المستقبل، والشعب اللبناني يراقب المنظومة الحاكمة ولا يتأمل خيرا من كل هذه الصراعات والتناتشات".
عقد مستمرة
من جانبه قال قاسم هاشم، عضو مجلس النواب اللبناني، إن "حرب البيانات والسجالات" التي عادت إلى وتيرتها المرتفعة لا تنبىء بإمكانية الخروج من عقد تشكيل الحكومة، التي تتحكم بها "المصالح الحزبية والطائفية"، بوقت قصير، إذا لم ينتبه البعض إلى خطورة الوضع الراهن بكل مستوياته.
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "ما يحصل يزيد من المناخات السلبية لأن الوصول إلى أي تفاهم يحتاج إلى هدوء والابتعاد عن كل ما يفرق ويحرض ويشحن، والتفتيش عن اللغة الجامعة ومفردات الوحدة والتقارب".
وتابع: "وهذا يتطلب من الجميع العمل على تدوير الزوايا والتواضع لمصلحة إنقاذ الوطن قبل الانهيار الشامل لأن ما يحكم سياسة البعض هو تسجيل النقاط على الآخر، علما بأن أي انتصار في هذه اللحظة المصيرية من عمر الوطن وهم لن يتحقق أو يتحول إلى واقع".
رفض الحريري الاتهامات التي تساق ضده بأنه يسعى لضرب حقوق المسيحيين، وقال "من ينتمي لمدرسة سياسية أسسها رفيق الحريري لا يمكن أن توجه له تهمة الاعتداء على حقوق المسيحيين".
وأكد أن "حقوق المسيحيين هي ببساطة حقوق اللبنانيين. حقوقهم وقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، ووقف الكارثة التي ترميهم كلهم مسيحيين ومسلمين على طريق الفقر والهجرة. حقوقهم بالإصلاحات، بتغير طريقة العمل، حقوقهم تدقيق جنائي في البنك المركزي وكل المؤسسات والإدارات والوزارات".
كما رفض الحريري بشكل قاطع الاستجابة لمطلب إعطاء رئيس البلاد الثلث المعطل، قائلا: "لا تراجع عن عدم إعطاء الثلث المعطل لأن ذلك يعني العودة إلى صاحب الثلث ومقايضته في الملفات".
وبرزت معادلة الثلث المعطل بوضوح مع حكومة فؤاد السنيورة الثانية، والتي تشكّلت بعد اتفاق الدوحة عام 2008، عندما استطاع "حزب الله" وحلفاؤه الحصول على ثلث الحقائب الوزارية، ما جعله متحكما في قرارات الحكومة.
وهذا الثلث من شأنه وفق المادة الخامسة والستين من الدستور اللبناني، أن يعطل جلسات مجلس الوزراء، فالنصاب القانوني لانعقاد المجلس هو أكثرية الثلثين، ما يعني أن امتناع ثلث أعضاء الحكومة عن حضور الجلسات، يفقدها النصاب الدستوري.