وعلى الرغم من إصدار الخارجية السعودية بيانًا أوضحت فيه موقفها من الأحداث في أفغانستان، إلا أنه كان عامًا، ولم يعلن موقف المملكة القادم من التعامل مع "طالبان".
موقف متباين
اعتبر عبدالجبار بهير، المحلل السياسي الأفغاني، ورئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، أن "العلاقات السعودية الأفغانية قديمة وقوية، وكانت تقوم على مبدأ التعاون، وتعزيز العلاقات خاصة مع حكومة المجاهدين بعد سيطرتهم على أفغانستان، قديمًا".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، حكومة طالبان في التسعينات "كان معترفًا بها رسميًا لدى المملكة العربية السعودية، التي كانت من ضمن 3 دول تعترف بشرعية طالبان آنذاك".
ويرى المحلل الأفغاني، أن "النقاش السعودي الأمريكي يأتي في ظل التغيرات الأخيرة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على كابل، حيث كان بيان الخارجية السعودية إيجابيًا حول الوضع الراهن في أفغانستان، وحول طبيعة التوافق الأفغاني- الأفغاني، مع مطالبة الرياض بضرورة التوافق من أجل سلامة أفغانستان وللمنطقة".
وتابع: "أكدت السعودية أنها تدعم كل محاولة تفضي لسلام أمن أفغانستان، وهي إشارات واضحة بأنها تدعم النتائج التي قد تأتي في ظل إنجاح المفاوضات الأفغانية – الأفغانية وتشكيل الحكومة الجديدة".
وأكد أن "بعد سيطرة الحركة على كابل وبدون أي توافق أفغاني، وإعلان أفغانستان (إمارة إسلامية) على شاكلة التسعينات، تتحفظ السعودية حاليًا لأنها تدرك حساسية الأمر بالنسبة للمجتمع الدول والولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تدعم أي محاولة لاستخدام السلام بالقوة لحكم أفغانستان، وباعتماد الانحسار السياسي والفكري في البلاد".
ويعتقد بهير أن "المواقف غير واضحة المعالم إلى الآن، حيث هناك الكثير من الدول مثل باكستان تدعم الموقف الأمريكي والمجتمع الدولي تجاه أفغانستان وترى ضرورة تشكيل حكومة شاملة، تضم كل العرقيات والقوميات والأحزاب السياسية، لا سيما وأن طالبان لم تعلن إلى الآن موقفها من المشاركة السياسية، لأنها تدرك جيدًا أنها لن تستطيع أن تقدم النموذج السياسي المتكامل".
تقارب متوقع
بدوره اعتبر الدكتور فواز كاسب العنزي، المحلل السياسي والاستراتيجي السعودي أن "ما حدث في المشهد الأفغاني مؤخرًا، من انسحاب أمريكي ضمن اتفاق أفغاني أمريكي بتنسيق قطري، وبعدها سيطرة طالبان بشكل سريع، أثار الكثير من علامات الاستفهام، حول القوات الأفغانية، لا سيما في ظل تباين العدد والعتاد والإمكانيات والتدريب لصالح الجيش الأفغاني على حساب حركة طالبان، ما قد يدعم رؤية الضوء الأخضر الأمريكي للحكومة الأفغانية للسماح بسيطرة حركة طالبان".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، "ينتظر العالم ردود أفعال الدول التي كانت تجمعها علاقات قوية مع الحكومة الأفغانية في مقدمتها دول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والتي تابعت بقلق ما حدث على أرض الواقع، كما قامت بسحب البعثة الدبلوماسية للمملكة بسبب الفراغ الأمني".
ويرى أن "الموقف السعودي من الوضع الأفغاني يتضح جليًا من بيانها الأخير، والذي أعلنت خلاله اهتمامها بالاستقرار والسلم، وأنها تنظر لحركة طالبان على أنها كتلة سياسية عسكرية سيطرت على أفغانستان، بالتالي يعتمد الاعتراف بسلطتها التأكد من سلوكها الداخلي والخارجي، حيث يتطلب سلوكها الداخلي أن تكون الحركة وسطية وتبتعد عن التطرف والتشدد، وعن خلف الإرهاب وتصدير الإرهابيين للعالم، وخارجيًا، أن تكون لها علاقات حسن جوار مع جميع الدول".
ويعتقد العنزي أن "حركة طالبان حليف استراتيجي لدولة باكستان والتي تجمعها علاقات وثيقة جدا بالمملكة العربية السعودية، وهو ما قد يكون له تأثير مباشر من قبل باكستان على طالبان، لا سيما وأن العمود الفقري الذي يشكل حركة طالبان قبيلة البشتون، المتاخمة لباكستان، وهو ما سيكون له تأثير كبير على سياسة أفغانستان الداخلية مستقبلًا".
وبالعودة إلى موقف المملكة من طالبان، أكد المحلل السعودي أن "في حالة محافظة طالبان على حقوق الإنسان، والمرأة وتعاملت بشكل ديمقراطي، وأصبحت بلدًا تحارب الإرهاب ولا تصنعه كما كان في السابق، سيكون هناك تقارب خليجي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، وسوف يكون هناك علاقات سليمة شريطة أن تلتزم الحركة بالحفاظ على السلم والاستقرار الدولي، وتكون ضمن الأسرة الدولية في محاربة الإرهاب".
دعم الاستقرار
في سياق متصل، قال يحيى التليدي، المحلل السياسي السعودي، إن الخارجية السعودية أصدرت بياناً مهماً بعد سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل جاء فيه "تتابع السعودية باهتمام الأحداث الجارية في أفغانستان، وتأمل في استقرار الأوضاع هناك بأسرع وقت، إلى جانب وقوف المملكة بجانب الشعب الأفغاني".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، السعودية "تؤكد حرصها على الأمن والاستقرار وحقن الدماء في أفغانستان الذي ينبع من منطلق العلاقات التاريخية، بين البلدين، ويأتي امتدادا لما توليه السعودية من اهتمام كبير بأمن واستقرار جميع الدول الإسلامية بلا استثناء".
ويرى التليدي أنه "لعقود طويلة ساهمت المملكة في تقديم الدعم التنموي والإغاثي والإنساني للشعب الأفغاني الشقيق، من منطلق دورها الإنساني تجاه هذا البلد الإسلامي العزيز وتحقيق السلام الدائم بين جميع الفصائل والأطراف الأفغانية، وتأمل الرياض أن تُعلي جميع المكونات الاجتماعية والقبلية والأطياف السياسية والمؤسسات المدنية والعسكرية داخل أفغانستان صوت الحكمة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، وأن يعملوا لتجنب منع تدهور الأوضاع الأمنية".
وأكد أن "السعودية قد دعمت عملية السلام والمصالحة في أفغانستان، حيث استضافت الشهر الماضي بجوار المسجد الحرام ملتقى المصالحة الأفغانية برعاية رابطة العالم الإسلامي انطلاقا من حرصها على تحقيق آمال وتطلعات الشعب الأفغاني الشقيق في تحقيق السلام الدائم".
وبحسب المحلل السعودي، "المملكة اليوم معنية بشكل مباشر بمستقبل أفغانستان، فإحلال السلام ومكافحة الإرهاب أمران في غاية الأهمية لهذا البلد الذي مزّقته الحروب، كما أن الفراغ السياسي في أفغانستان ليس في مصلحة الشعب وسيحفّز الدول التي لا ترغب أن تنعم أفغانستان بالأمن بوضع موطئ قدم داخل هذا البلد المضطرب، والمطلوب من المجتمع الدولي الاضطلاع بشكل مؤثر في مستقبل أفغانستان لدعم خيارات الشعب الأفغاني والعمل على تهيئة الأجواء الإيجابية، وأن يعيش الشعب الأفغاني في أمن وأمان واستقرار، لكي لا تتحول أفغانستان مجددا إلى ساحة للمتطرفين".
وأفادت وكالة الأنباء السعودية، مساء أمس الأربعاء، بأن الأمير فيصل بن فرحان تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، ناقشا خلاله تطورات الأوضاع في أفغانستان.
وأكدت الوكالة السعودية على أن الوزيرين استعرضا خلال الاتصال العلاقات الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا، وسبل تعزيزها في كافة المجالات المشتركة، كما بحث الاتصال الهاتفي، أيضا، أبرز المستجدات وفي مقدمتها تطورات الأوضاع في أفغانستان، والمستجدات في المنطقة.
وأحكمت حركة طالبان (المحظورة في روسيا) قبضتها على أفغانستان؛ تزامنا مع انسحاب القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي بدأ في مايو/ أيار الماضي، وينتهي في أيلول/سبتمبر القادم.
ودخل مقاتلو الحركة، الأحد الماضي، العاصمة كابل، دون أن يواجهوا مقاومة تذكر من القوات الحكومية، خاصة بعد مغادرة الرئيس أشرف غني البلاد؛ "حقنا للدماء"، على حسب قوله.