تاريخ ديون مصر.. متى بدأت الاقتراض؟ وكيف تؤثر التزاماتها الكبيرة على الاقتصاد؟
16:30 GMT 30.01.2023 (تم التحديث: 16:37 GMT 30.01.2023)
© AFP 2023 / KHALED DESOUKIالجنيه المصري والدولار
© AFP 2023 / KHALED DESOUKI
تابعنا عبر
حصري
على الرغم من الضغوط التي عانتها مصر في العام الماضي وبدايات العام الجاري على صعيد سعر الصرف وتوافر النقد الأجنبي، نجحت البلاد في خفض ديونها الخارجية المتفاقمة مرتين متتاليتين.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري الصادرة، اليوم الاثنين، عن تراجع حجم الدين الخارجي للبلاد (الذي يجب أن يسدد بالعملة الصعبة)، بقيمة 720 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي.
جاء هذا التراجع، بعدما انخفضت ديون القاهرة الخارجية بمقدار 2.1 مليار دولار خلال الربع الثاني – الثلاثة أشهر المنتهية في يونيو/ حزيران – والذي كان شاهدا على بداية هذه الأزمة التي بدأت تنفرج أخيرا.
وفقا للتراجع المعلن عنه اليوم، فإن إجمالي الدين الخارجي للبلاد بلغ 154.98 مليار دولار، وذلك بعدما بلغ أعلى مستوياته في مطلع العام الماضي قرب 158 مليارا.
هذا بطبيعة الحال، وإن كان معدل الانخفاض محدودا، فإنه يعد مؤشرا طيبا ويعكس صلابة الوضع المالي للبلاد وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية. وهو مؤشر يعزز المناخ الاقتصادي ويشجع الاستثمار.
كان تاريخ مصر طويلا مع الاقتراض – الخارجي على وجه التحديد - وحتى على الرغم من الضغوط غير المسبوقة التي شهدتها في السنوات الماضية بالتزامن مع طفرة الاقتراض، كانت دائما قدرة على تخطي الأزمات دون تعثر.
تاريخ الاقتراض (الخارجي) في مصر
بدأ تاريخ مصر في عهد الخديو سعيد باشا (1854- 1863) والذي ترك البلاد غارقة في ديون قدرها 11 مليون جنيه إسترليني، بحسب تقرير لموقع "إندبندنت".
نما الدين أضعافا مضاعفة في عهد خلفه إسماعيل لتبلغ 126 مليون جنيه إسترليني.
أفلست مصر وأعلنت عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها نهاية عام 1876، وبدأ التدخل الأجنبي في شؤون البلاد من خلال المراقبين الماليين الأجانب في الحكومة.
حقق القاهرة مكاسب قوية من تعطل إمدادات القطن الأمريكي خلال الحربين العالميتين وزادت من صادرتها، وخفضت ديونها المتراكمة إلى 26 مليون جنيه إسترليني.
عند مرحلة ما، أصبحت بريطانيا المحتلة لمصر، مدينة للقاهرة بمبلغ 430 مليون جنيه إسترليني، ونجحت مصر في تحويل ديونها الخارجية إلى أخرى داخلية عن طريق سندات اشتراها المصريون، لتنتهي بذلك رحلة الديون الخارجية لمصر.
مع قيام الجمهورية، عادت البلاد مرة أخرى للاقتراض الخارجي، والذي لجأ إليه الرئيس جمال عبد الناصر لبناء جيش متطور، ووصلت ديون البلاد في نهاية عهده عام 1970 إلى 1.7 مليار دولار، بحسب التقرير.
ارتفعت ديون البلاد بسبب حرب أكتوبر عام 1973 إلى 2.6 مليار دولار، وتضاعفت بعد نهاية الحرب لتبلغ 22 مليارا مقتل الرئيس محمد أنور السادات عام 1981.
في عهد الرئيس حسني مبارك، سلكت ديون مصر مسارا متعرجا، وبلغت ذروتها عند 52 مليار دولار، ما أجبر القاهرة على التوقف عن سداد الالتزامات الدولي مع بدء التسعينيات.
لكن مشاركة مصر الفعالة في تحرير الكويت في حرب الخليج الأولى، قوبل بإسقاط نادي باريس لنحو نصف هذه الديون عن البلاد، لتواصل القاهرة مسارها المتقلب في الاقتراض، حتى غادر المبارك الحكم في يناير 2011 تاركا ديونا خارجية تقترب من 35 مليار دولار.
استقرت الديون الخارجية لمصر خلال الفترة الانتقالية التالية، لكنها قفزت إلى 43.2 مليار دولار بنهاية حكم الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي في منتصف عام 2013.
في الفترة الانتقالية التي أعقبت حكم جماعة الإخوان الإرهابية، والتي استمرت نحو عام، زادت ديون مصر إلى 46.1 مليار دولار.
توجهت مصر لاحقا إلى الأسواق الخارجية والشركاء الدوليين لطلب الديون بالعملة الصعبة من أجل تمويل إنفاقها المتزايد على المشروعات القومية. يبلغ الدين الخارجي الآن نحو 155 مليار دولار.
الدين الداخلي
الدين الداخلي، الذي يصدر بالعملة المحلية وعادة ما يكون في حيازة مستثمرين ومؤسسات محلية، هو قصة أخرى، لكنها أقل شهرة عن الدين الخارجي، نظرا لعدم ارتباطها بنفس القدر من المخاطر.
بلغ الدين الداخلي لمصر نحو تريليون جنيه في عام 2011.
قفز بنسبة 150% إلى 2.6 تريليون جنيه بحلول عام 2016.
واصل النمو ليبلغ 3.89 تريليون جنيه في عام 2019.
وقفز إلى 4.7 تريليون جنيه بحلول منتصف عام الجائحة 2020، وفقا لبيانات البنك المركزي.
طفرة الاستدانة
كانت المشروعات الكبرى وخطط التنمية التي تبناها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دافعا رئيسيا للاستدانة من الخارج، كما كانت محفزا للجهات المقرضة، والتي دعمت برامج الإصلاح في القاهرة وعملت جنبا إلى جنب مع الحكومة المصرية في ذلك.
ويرى صندوق النقد أن البرامج الإصلاحية التي عملت القاهرة عليها خلال السنوات الماضية وتمتد إلى الآن، تجعل اقتصاد البلاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة الأزمات، ومعالجة القضايا الهيكلية المتعلقة به.
ويشمل ذلك تحرير المزيد من التمويل للحكومة وخفض عجز الموازنة وحتى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الحد من الفساد وتوجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجا، وإجمالا، التحول نحو نموذج اقتصادي أكثر ذكاء وفعالية.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال الصندوق إن السياسة المالية للحكومة تهدف لخفض الدين العام واحتياجات التمويل من خلال ضبط أوضاع المالية العامة والإدارة الفعالة للديون.
كما تم الاتفاق على تخفيض الدين الحكومى العام لنحو 78% من إجمالى الناتج المحلى بنهاية البرنامج المدعوم من الصندوق فى السنة المالية 2026/ 2027، وفقا لتقرير الصندوق.
هل يشكل ذلك خطرا؟
في الحقيقة، ارتفعت رسوم التأمين ضد تخلف مصر عن سداد التزاماتها إلى أعلى مستوى في العام الماضي، لكن ذلك، كان بمثابة رد فعل للأسواق تجاه الأزمة الحاصلة في البلاد، ومع تأمين مصر للتمويل الإضافي، أصبحت المخاطر مستبعدة في الوقت الراهن والمستقبل المنظور.
ذكر وزير المالية المصري محمد معيط، العام الماضي، أن تغير سعر الصرف ساهم في زيادة حجم الدين العام للبلاد، والذي قدره بنحو 87% في موازنة العام المالي 2021- 2022.
وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي الصادرة العام الماضي، سيرتفع الدين الخارجي للبلاد إلى 172.1 مليار دولار، لكنه يتوقع انخفاضها إلى 163.5 مليار دولار في العام الجاري، وهو ما يبدو متسقا مع توقعاته لانخفاض الدين العام إلى ما يعادل 78% من حجم الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2026/ 2027.
تتركز ضغوط الديون الخارجية لدى مصر في السنوات الخمس المقبلة، حيث تخطط القاهرة لسداد نحو 84 مليار دولار، وهو أكثر من 50% من حجم الدين الخارجي الحالي، وبما أن هذه الفترة مغطاة ضمن برنامج التمويل مع صندوق النقد، فيمكن القول إنه بمرورها على خير، فإن الأصعب سيمر معها، ما لم يطرأ أي حادث استثنائي أو أزمة ما.
الصندوق عندما اتفق مع القاهرة على برنامج التمويل الأخير البالغة قيمته 3 مليارات دولار تحصل عليها مصر من الصندوق مباشرة، قدر الفجوة التمويلية التي تواجه البلاد بنحو 17 مليار دولار حتى نهاية البرنامج.
إلى جانب حزمة التمويل المباشرة، ستحصل مصر على تمويلات إضافية من شركاء إقليميين ودوليين آخرين تقدر بنحو 15 مليار دولار، وهذا يعني أنها لن تواجه أزمة في سد التزاماتها.
كما أن مرونة سعر الصرف التي تبناها البنك المركزي، ستجعل البلاد أكثر قدرة على مراوغة ضغوط العملة الأجنبية المتعلقة بسعر الصرف. يضاف إلى ذلك خطط الدولة لبيع بعض الشركات والأصول وتحصيل عائدا دولاريا من جراء ذلك.
خلصت دراسة أجراها البنك الدولي، إلى أن البلاد التي تحافظ على نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 77% لفترات طويلة من الزمن تعاني من التباطؤ الاقتصادي.
فيما يعتقد خبراء على نطاق واسع أن تجاوز هذا المعدل لنسبة 100%، ينذر بخطر اقتصادي ويزيد من احتمالات التخلف عن سداد الديون، رغم أن بعض الدول المتقدمة تتجاوز هذا المعدل بالفعل منذ سنوات.
الشاهد هنا، هو أن مصر لا تزال بعيدة عن معدل 100%، وتعمل بشكل فعال على خفض معدل الدين العام، وستصل في غضون فترة وجيزة إلى مستوى صحي لا يتسبب حتى في إبطاء معدل النمو.
من المفهوم أيضا أنه كلما نما حجم الاقتصاد قلت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن توظيف هذه الأموال في تعزيز النمو هو مكسب مزدوج للبلاد، ناهيك عن كون جزء كبير من الدين العام هو دين داخلي يمكن سداده للمقرضين المحليين بالعملة الوطنية.