هجرة الأطباء نزيف مستمر.. سوريا تخسر "جيشها الأبيض" جراء الظروف الاقتصادية
© Sputnik . Katreen Tassهجرة الأطباء نزيف مستمر.. سوريا تخسر جيشها الأبيض جراء الظروف الاقتصادية
© Sputnik . Katreen Tass
تابعنا عبر
حصري
لم يكن ليخطر في بال حسام يوما أنه سيحمل "مريوله" الأبيض، شارة حلمه وعائلته بالتخرج من كلية الطب بدمشق، ويحط رحاله في بلد غريب بعيد كألمانيا، ليشق طريقه هناك كطبيب جراحة قلبية بعيداً عن أهل ووطنه.
يقول حسام لـ "سبوتنيك": "خلال العام الأخير، كنت أقضي 3 ساعات يوميا في أحد معاهد اللغات بدمشق، لأتعلم اللغة الألمانية استعدادا للسفر، لم يعد لدي مهرب من الهجرة، بعدما أصبحت المعيشة في سوريا صعبة للغاية".
يمتلك الطبيب حسام عيادة متواضعة في أحد الأحياء المزدحمة على أطراف العاصمة دمشق، إلا انها هي الأخرى أضحت تضيق به: "راتب الطبيب في المشافي الحكومية بعد كل سنوات التعب، لا يكفيه 3 أيام بشكل لائق، كما أن العمل في العيادة بات عبئا نفسيا يوميا، إذ كيف يمكن لي أن أطلب أجور معاينة وافية، من مرضى أعلم تماما أنهم لا يملكونها".
يعتقد الطبيب الجراح الذي يستعد لمغادرة سوريا بأن "الحرب، وما تلاها من حصار غربي يشتد خناقه باضطراد، قد حطما قدرات عموم السوريين، بما فيهم الأطباء، وباتت منعكساتهما تتغذى على أمالهم وعلى خبراتهم المهنية العلمية، وهذا سبب إضافي يبرر حسام من خلاله سعيه إلى السفر "لاكتساب مهارات جديدة في أوروبا، أحافظ من خلالها على خبرتي كطبيب ناجح".
للطبيب رامي قصة مختلفة نوعا ما، إذ أن سفره لم يكن قرارا اختياريا، فآثر بعد تخرجه من كلية الطب وتخصصه في الجراحة العظمية، الاستقرار في بلد عربي قريب.
يقول رامي في حديث لـ "سبوتنيك": "لعل أصعب شيء يمكن أن يمر على المرء هو أن يترك وطنه مرغماً، لقد قررت السفر مع عائلتي إلى الإمارات بعدما تهجرنا من منزلنا في مدينة حلب إبان سيطرة المجموعات الإرهابية على المنطقة، ولم يبق أمامنا خيار آخر، كان علي أن اختار مكاناً آمناً لعائلتي ولي لأبدأ فيه رحلتي كطبيب وكانت دبي الوجهة المثلى".
مشكلة مركبة
يعاني القطاع الصحي في سوريا مشكلة مركبة، إذ أن الأمراض آخذة في التزايد بسبب منعكسات الحرب والحصار اللذين أثرا بشكل كبير على أداء قطاعات المرافق العامة والخدمات الأساسية برمتها من جهة، كما قلصا قدرة المواطنين على ترميم حالة العوز للكثير من المواد المغذية بعدما أطاح التضخم بدخولهم، من الجهة الأخرى.
وفي ظل هذا الواقع الاستثنائي الباعث على انتشار الأمراض، يعجز الكثير من المرضى عن التطبب بسبب تردي قدرتهم على دفع تكاليف الذهاب إلى المشافي.
© Sputnik . Katreen Tassهجرة الأطباء نزيف مستمر.. سوريا تخسر جيشها الأبيض جراء الظروف الاقتصادية
هجرة الأطباء نزيف مستمر.. سوريا تخسر جيشها الأبيض جراء الظروف الاقتصادية
© Sputnik . Katreen Tass
استنزاف الجيش السوري الأبيض
يشعر الكثير من الأطباء بالحزن لقرار رحيلهم عن حياتهم داخل سوريا، إذ أنهم الشريحة الأكثر دراية بما يعانيه القطاع الطبي الوطني من نقص الكوادر المتخصصة، ومع ذلك، فإنهم يؤكدون بأنه ليس لديهم ما يستطيعون تقديمه.
يقول نقيب أطباء سوريا الدكتور غسان فندي، في لقاء خاص مع "سبوتنيك": "بشكل عام لا تختلف أسباب هجرة الأطباء من سوريا عن غيرها من بلدان العالم، فالبلدان المحيطة بنا تشهد حركة هجرة إلى أوروبا أو إلى الخليج، وحتى دول أوروبا تشهد حركة هجرة باتجاه أمريكا، وفي أمريكا تكون حركة الهجرة باتجاه كندا.. فعموماً رغبة الأطباء بالهجرة من بلدانهم تكون سعياً لزيادة التأهيل العلمي، أو لزيادة الموارد المالية".
ويتابع فندي: "أما بالنسبة لسوريا، فبالتأكيد هنالك ظروف استثنائية زادت من هجرة الأطباء ومنها الوضع الاقتصادي الراهن نتيجة الحرب الغاشمة التي شنت على سوريا، والعقوبات الغربية الجائرة على البلاد، إلى جانب سعي الأطباء إلى التأهيل العلمي، وتعميق الاختصاص والاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في الطب، وبطبيعة الحال البحث عن موارد مالية مناسبة أيضا".
يستقطبون كوادرنا.. لكنهم سيعودون!
"أي مستقبل طبي ينتظر بلدنا".. "الهجرة أصبحت طوق النجاة والسبيل الوحيد لحياة كريمة"... هذا العيار من الجمل وكثير غيرها بات مألوفا في أوساط الكثير الأطباء السوريين، وقد رصدتها لـ "سبوتنيك" أثناء جولة على بعض عيادات الأطباء ممن لا زالوا يعملون في العاصمة دمشق، ويتطلعون إلى فرصة للسفر خارج البلاد.
يفيد نقيب أطباء سوريا بالقول: "النقص الشديد في الكوادر الطبية في الدول المستضيفة، أدى إلى استقطاب الأطباء االسوريين وتسهيل قبولهم، وطبعاً هناك أيضاً حركة انزياح للأطباء داخل سوريا من محافظة لأخرى ومن مدينة لأخرى".
ويضيف: "بالنسبة للزملاء الذين غادروا سوريا فقسم منهم يرغب في زيادة تأهيله العلمي وبالتأكيد قسم من هؤلاء سيعود لسوريا بعد نيله الشهادة، وقسم غادر لأسباب مادية وعادة القسم الكبير من هؤلاء يعود بعد فترة حين تحسن الأوضاع".
ويؤكد نقيب أطباء سوريا أنه "في مقابل هجرة قسم من الأطباء، فإن سوريا تشهد حالياً عودة كثير من الأطباء وانخراطهم في سوق العمل الحكومي والخاص".
ندرة اختصاص التخدير
حتى الآن، لا يتوافر إحصاء رسمي حول عدد الأطباء الذين تركوا سوريا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه، ووفقاً لتقرير صدر عن "اللجنة الدولية للإنقاذ"، فقد باتت نسبة التغطية الطبية في سوريا تساوي طبيبا واحدا لكل 10 آلاف سوري.
أما عن عدد الأطباء الذين هاجروا خلال الأزمة السورية، فأوضح نقيب الأطباء أنه "لا يوجد أرقام محددة ولكن بالتأكيد هناك زيادة في السنوات الأخيرة والسبب الأبرز في ذلك هو تسهيل الدول المستضيفة لإجراءات الدخول إليها بسبب حاجتها الفعلية لهم، ولكفاءة الطبيب السوري قبل كل شيء".
وبخصوص الاختصاصات الأكثر هجرة، أشار فندي إلى أنها "هي الاختصاصات الأكثر طلباً من البلدان المستضيفة، فهناك حاجة ملحة لاختصاص التخدير في كل بلدان العالم وكذلك اختصاصات الجراحة والأشعة وطب الأسرة والطوارئ والعناية المشددة".
حلولٌ منطقية.. "إن نُفِّذت"!
خلال السنوات الأخيرة، مثلت هجرة الأطباء السوريين ما يشبه الظاهرة، إلى حدّ بات يُرصد معه نقص في بعض التخصّصات جراء تسرب الكثير من الأطباء الاختصاصيين الى أوروبا والخليج وأفريقيا، وقد بات قطاع الصحة اليوم، يعاني نزيفا مُتواصلا في كوادر اﻷطباء الاختصاصيين، وما ساقه ذلك من تزايد في وقوع الأخطاء الطبية، على خلفية تنطح بعض الأطباء من ذوي الخبرة المتواضعة، لمزاولة العمليات الجراحية المعقدة.
في هذا الشأن، اقترح نقيب أطباء سوريا عبر "سبوتنيك" عددا من الحلول التي يراها مناسبة للحد من ظاهرة هجرة الأطباء.
يقول فندي: "حقيقة، تسعى كل الجهات ذات الصلة للتقليل من أعداد الأطباء الراغبين في السفر وذلك عبر عدة إجراءات منها: زيادة عدد المقبولين في المفاضلات الجامعية، وفتح باب التسجيل المباشر لبعض الاختصاصات دون مفاضلة، إلى جانب زيادة رواتب الأطباء في القطاع العام، ورفع نسبة التعرفة الطبية، بالإضافة إلى تسهيل أداء الخدمة العسكرية الإلزامية للأطباء".
وختم نقيب الأطباء حديثه لـ "سبوتنيك" بالقول: "يتم العمل على أعلى المستويات لتأمين ما يلزم للحد من هذه ظاهرة هجرة الأطباء، وهنا لا بد من ذكر أن نقابة الأطباء، وبالتعاون مع الجهات ذات الصلة في وزارتي الصحة والتعليم العالي، تعمل على تبسيط إجراءات عودة الكثير من الأطباء المغتربين، ولا بد من شكر كلا الوزارتين لعملهما على تسهيل إجراءات التعاقد مع الأطباء العائدين".