فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان.. صور
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
تابعنا عبر
حصري
كأن السودانيون على موعد مع الكوارث والأزمات، سواء التي فجرتها الحرب الدائرة منذ ما يقارب العام ونصف، أو الكوارث الطبيعية أو المصطنعة نتيجة السيول والفيضانات كما هو الحال في ولاية النيل الأبيض، التي تحولت بفعل الفيضان وإغلاق خزان جبل الأولياء إلى منطقة منكوبة، وبشكل خاص في منطقة "الجزيرة أبا".
فما هي تداعيات فيضانات النيل الأبيض، في ظل الأوضاع الإنسانية المتردية في السودان.. وكيف يتم التعامل مع تلك الكارثة الإنسانية؟
بداية، يقول فني مساحة أراضي بولاية النيل الأبيض السودانية، التيجاني بابكر: "إن فيضان النيل الأبيض أثّر على مدينة الجزيرة أبا بشكل كبير، إذ غمرت مياه الفيضان أجزاء واسعة من المدينة، وتسببت في كسور على الجانب الشرقي منها، كما أثّر هذا الفيضان على عدد من الجسور الواقية في المدينة، واجتاحت مياه الفيضان مدينتي كوستي والدويم في النيل الأبيض وعدد كبير من القرى، وهددت مدينة القطينة".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
أسباب مختلفة
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "للفيضان أسباب مختلفة، إذ يعتقد البعض أن عدم فتح بوابات خزان جبل أولياء هو السبب الرئيسي، بينما يرى آخرون أن عدم صيانة الجسور الواقية هو السبب الرئيسي، كما تم التأكيد على أن الفيضان ناتج عن ارتفاع منسوب مياه النيل الأبيض، الذي تجاوز كل معدلات الأعوام السابقة".
وأشار بابكر، إلى أن "المبادرات الشعبية لعبت دورا كبيرا في محاولة احتواء الأضرار الناجمة عن الفيضان، إذ نشط عدد من المتطوعين في ردم الكسور بالجزيرة أبا، كما تمّت المطالبة بفتح بوابات خزان جبل أولياء للسماح بتصريف المياه، وتجاوز الحد الأقصى لمستوى الفيضان المسجل في العقود الماضية، وتسبب في أضرار لحوالي 100 ألف منزل، وتشريد ما يقرب من نصف مليون مواطن، علاوة على تدمير البنية التحتية والزراعة والثروة الحيوانية، وقطع الطرق وتعطيل حركة النقل".
وتابع: "خزان (جبل أولياء) ليس الخزان الوحيد لمعالجة الفيضان في السودان، لكنه واحد من أكبر الخزانات في البلاد، هناك خزان (خزان مروي) الذي يقع في ولاية النيل الأبيض، ويُعتبر ثاني أكبر خزان في البلاد، و(خزان عطبرة) ويقع أيضا في ولاية نهر النيل، ويُستخدم للتحكم في الفيضان وتوليد الطاقة الكهربائية، وأيضا (خزان سنار) الذي يقع في ولاية سنار، ويُستخدم لري الزراعات وتوليد الطاقة الكهربائية، هذا بالإضافة إلى (خزان الروصيرص)، ويقع في ولاية القضارف، ويُستخدم لري الزراعات والتحكم في الفيضان".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
أكثر تدميرا
بدورها، تقول الأمين الإعلامي لمبادرة إستغاثة ولاية النيل الأبيض، نضال مهدي: " يُعد نهر النيل الأبيض أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، ويلعب دورا حيويا في توفير المياه والثروة الحيوانية والزراعية للعديد من الدول في أفريقيا، ومع ذلك يواجه النيل الأبيض تحديات كبيرة بسبب الفيضانات المتكررة، التي تؤثر على حياة الملايين من الناس في السودان والمناطق المحيطة به".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "يحدث فيضان النيل الأبيض بشكل دوري بسبب هطول الأمطار الغزيرة في المناطق الجنوبية، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه و تدمير المنازل والبنية التحتية، والتأثير على الزراعة والثروة الحيوانية، وانقطاع الخدمات الأساسية، وتعطيل حركة النقل، ونظرا لضخامة الفيضان في الحالي 2024، فإن الأضرار كانت أكثر تدميرا، الأمر الذي يستدعي سرعة تقديم المساعدات من جانب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للوضع الطارئ في النيل الأبيض".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
استغاثة عاجلة
من جانبه، قال المسؤول بفرق الطوارئ بولاية النيل الأبيض، والي الدين النور، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن "الوضع في الولاية يتطلب المساعدة الفورية في مواجهة الكارثة التي أحدثها الفيضان، وتهدد حياة الملايين وبشكل خاص في (الجزيرة أبا)، الأمر يحتاج إلى إدراك حقيقي للوضع في الولاية من النقص الحاد للأغذية والأدوية وأبسط مقومات الحياة، خاصة وأن الفيضان يأتي في ظل وضع إنساني متدهور أصلا، نتيجة الحرب التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب العام ونصف".
وفي السياق نفسه، يقول رئيس وفد استغاثة ولاية النيل الأبيض، محمد الشاطر، إن "الجزيرة أبا التي تعرضت لمخاطر الفيضان تُعد أكبر جزيرة في نهر النيل عامة، تمتد جنوبا وشمالا مسافة 34 كيلو متر، وبها ما يقارب 17 منطقة، وأساسها الجزيرة الأم، ولها مدخل واحد هو مدخل الجاسر، والجزيرة مُحاطة بردم من الداخل، لكن حصلت هشاشة في الفترة السابقة لما يقارب 11 منطقة، ووصلت المياة بعد ارتفاعها إلى مستويات قياسية أغرقت غالبية المباني، كما غمرت المياة كل الأراضي الزراعية في الجزء الشمالي والشرقي والغربي".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
الجزيرة "آبا"
وأضاف الشاطر في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "مشروع الرحمانية بأكمله داخل الجزيرة غمرته المياه، ودخلت المياه إلى أحياء كثيرة جدا، ودمرت أحياء بكاملها مثل حي الإنقاذ وغيره، الوضع خطير ورغم تضافر الجهود المحلية، إلا أن الوضع أكبر من تلك القدرات، فقد غمرت المياه أو وصلت لكل الجزيرة، والتي لا تمتلك سوى مدخل واحد، وإذا انهار فلن تكون هناك أي عملية إنقاذ أو دعم سوى بالطائرات".
وأكد الشاطر أن "الموقف صعب جدا، وهناك تفشي لمرض الكوليرا، إذ وصلت الحالات لأكثر من 100 حالة، لكن نتيجة التوعية تم حصر تلك الحالات وحجزها، ومنع انتشار المرض، وتجري عمليات علاج لتلك الحالات، رغم عدم كفاية الأدوية والأدوات الطبية، علاوة على أن كل مظاهر الحياه تعرضت للخطر".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
التحرك بالسرعة المطلوبة
أما رئيس المركز العربي لثقافة السلام والديمقراطية بالسودان، الدكتور محمد مصطفى، فيقول: "نشكر اللجنة الدولية للصليب الأحمرعلى التزامها بتوفير الحماية للمهندسين، الذين سوف يعملون لفتح خزان جبل الأولياء، لكننا نفضّل تنفيذ هذه العملية بجلب مهندسين من إحدى المنظمات الإقليمية أو الدولية، ونرجو التحرك بالسرعة المطلوبة، لأن المياه تتمدد وتغمر أحياء الجزيرة باستمرار والخسائر تتوالى".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "نعلم أن هناك اتصالات وتحركات من جهات سياسية عديدة، وعلى رأسها حزب الأمة، وهناك وعود وتحركات من والي ولاية النيل الأبيض، لكن كل هذه الاتصالات والتحركات لم تفتح خزان جبل الأولياء، وتُنزل منسوب النيل حتى اللحظة، ويستحسن أن يتحرك والي ولاية النيل الأبيض مع الصليب الأحمر بالسرعة المطلوبة، مستفيدا من هذا الالتزام لتوفير المهندسين إذا أمكن من الخبرات المحلية، وإذا تعذّر ذلك فيمكن توفيرهم من جهات إقليمية أو دولية محايدة".
وأردف مصطفى: "نرجو أن تختفي كل الأجندة السياسية في هذه الأزمة، وتسود الأجندة الإنسانية، فالإرادة الوطنية وحدها تستطيع تحقيق مصلحة المواطن والوطن".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
تفاقم الأزمة الإنسانية
من ناحيته، يقول رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية، الدكتور عادل عبد الباقي: "شهدت مناطق واسعة في شمال السودان فيضانات شديدة نتيجة الأمطار الغزيرة التي ضربت البلاد في الآونة الأخيرة، وتسببت هذه الفيضانات في تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعاني منها البلاد، إذ أدت إلى نزوح آلاف الأسر، وتدمير البنية التحتية، وزيادة معاناة السكان في ظل أوضاع اقتصادية وأمنية متدهورة".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "أسفرت الفيضانات عن تدمير العديد من المنازل والمزارع، مما أدى إلى فقدان كثير من الأسر لمأواها ومصدر رزقها، كما غمرت المياه الطرق والجسور، ما أدى إلى عزل بعض المناطق عن بقية البلاد وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية، وتشير التقارير الأولية إلى أن آلاف الأسر أصبحت بحاجة ماسة إلى مأوى، غذاء، مياه صالحة للشرب، وخدمات صحية".
وأكد عبد الباقي، أن "الفيضانات فاقمت الوضع الإنساني في السودان، إذ يعاني البلد من نزاعات مسلحة وأزمة اقتصادية طاحنة، وتسبب الدمار الناتج عن الفيضانات في زيادة أعداد النازحين داخليا، ما وضع ضغطا إضافيا على موارد الإغاثة الشحيحة أصلا، كما زادت الفيضانات من انتشار الأمراض، مثل الملاريا وحمى الضنك بسبب المياه الراكدة، ما فاقم من التحديات الصحية في المناطق المتضررة".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
تحديا كبيرا
وطالب رئيس منظمات المجتمع المدني، "بسرعة توفير الإغاثة العاجلة للأسر المتضررة بما يشمل الغذاء، والمياه، والخدمات الصحية، ثم العمل على إصلاح البنية التحتية المتضررة لتمكين حركة الإمدادات وعودة النازحين إلى مناطقهم، وحشد الجهود الدولية لدعم السودان في مواجهة الأزمة وتوفير التمويل اللازم للمنظمات الإنسانية".
ولفت عبد الباقي، إلى أن "الفيضانات الأخيرة في شمال السودان تمثل تحديا كبيرا يُضاف إلى سلسلة الأزمات التي تواجهها البلاد، ومع ذلك فإن التعاون بين الحكومة، المنظمات الدولية، والمجتمع المحلي يمكن أن يخفف من تأثير هذه الكارثة ويساهم في تخفيف معاناة السكان المتضررين".
فيضانات "النيل الأبيض" تدمر مناطق كاملة وتزيد من الكارثة الإنسانية في السودان
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
وأكد وزير البنية التحتية بولاية النيل الأبيض جنوبي السودان، الطيب محمد الحسن، أن إغلاق قوات الدعم السريع لخزان جبل أولياء تسبب في ارتفاع غير مسبوق في مناسيب النيل الأبيض.
وحسب وسائل إعلام سودانية محلية، أوضح الوزير في تصريح صحفي، قبل يومين، أن مناسيب النيل الأبيض قد تجاوزت كافة المعدلات المسجلة في الأعوام السابقة بسبب إغلاق الخزان وغياب مهندسي الري بسبب سيطرة قوات الدعم السريع.
وأشار الحسن إلى أن الوزارة أرسلت 4 فرق عمل إلى مناطق متعددة في الولاية، مثل الدويم، شبشبة، كرة، الكوة، أبو شاتين، الجزيرة أبا، العباشية بكوستي، الطويلة، قلي، والفشاشوية، من أجل تأهيل وحماية التروس الواقية.
يشار إلى أن الخزان هو سد يبلغ طوله 3 كيلومترات وارتفاعه 20 مترا وتخزن بحيرته 2.3 مليار متر مكعب من المياه.
ويؤدي إغلاق السد إلى تراكم المياه داخله مما يزيد من خطر حدوث الفياضانات في المناطق الواقعة على النيل الأبيض.
وكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على خزان جبل أولياء، الذي يقع جنوب الخرطوم، منذ بداية النزاع القائم.
يذكر أن الحرب التي يشهدها السودان اندلعت في أبريل/ نيسان 2023، بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
