نجحت تلك التظاهرات الشعبية، التي قابلتها السلطات اللبنانية بالعنف، في الضغط على الحكومة لإيجاد حلول لمشكلة النفايات، وهو ما تحقق بالفعل من خلال خطة مؤقتة، لاستحداث عدد من المطامر في مناطق لبنانية عدّة، تمهيداً لطرح خطة مستدامة تراعي المعايير الدولية.
وحول خيارات التوسيع المطروحة لمطمر برج حمود، الذي لم يبت الأمر بشأنه، يوضح القنطار أن "الشركة الاستشارية (ليبان كونسلت) تقدمت بخيارين لتوسيع مطمر برج حمود — الجديدة، ويتضمن الأول إمكانية ردم المساحة المائية الواقعة بين مطمري برج حمود والجديدة (المجاور)ـ واستعمالها لإنشاء خلية لطمر النفايات، ما يعني عملياً نقل انابيب النفط المتواجدة في هذه المنطقة، والغاء مرفأ الصيادين الموجود حالياً في هذه المنطقة وتأمين بديل عنه.
وأما الخيار الثاني فيشمل إمكانية استخدام مساحة الاملاك العامة التي تم استحداثها في منطقة الجديدة لطمر النفايات، وفي هذه الحالة يجب التخلص من كمية تقارب 650 ألف متر مكعب من ناتج جبل النفايات القديم في برج حمود، والتي تم وضعها ضمن هذه المساحة لاستيعاب اكبر قدر ممكن من النفايات الجديدة. ولكن لن يكن ممكناً تطبيق هذا الخيار إلا بعد نقل هذه الكمية من الردميات إلى خارج هذا الموقع، علماً بأنه يمكن استعمال هذه الردميات في توسعة مطمر الكوستابرافا".
وبنهي القنطار حديثه لـ"سبوتنيك" بالقول "إننا أمام معركة بيئية طويلة والبازار الانتخابي على الأبواب".
بدوره، يقول الصحافي المتخصص في الشؤون البيئية أنو ضو، لوكالة "سبوتنيك"، إن "ما خلص إليه مجلس الوزراء من قرارات يؤكد ما كنا قد ألمحنا إليه وحذرنا منه سابقاً حيال (الخطة الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات)، التي تم الإعلان عنها قبل نحو سنتين، كإطار وهمي وشعار فضفاض، لقضية بات من المؤكد أنها لن تجلب للبنانيين سوى الموت والأمراض والكوارث".
ويوضح ضو أن "الحكومة اللبنانية تبنّت الاقتراح المقدم من مجلس الإنماء والإعمار، لجهة ردم مساحة إضافية في موقع الكوستابرافا تقدر بما بين 150 و200 ألف متر مربع من الأملاك العامة البحرية، بكلفة إضافية تقدّر بحوالي 100 مليون دولار، ستتقاضاها شركة (الجهاد للتجارة والمقاولات) الملتزمة أعمال إنشاء المطمر الذي استدعى ردم 160 ألف متر في تموز/يوليو 2016 لقاء 60 مليون دولار".
ويضيف أن "الحكومة لم تحسم خيارها بعد حول توسعة مطمري برج حمود — الجديدة، وقرّرت كسب مزيد من الوقت عبر طلب اقتراحات لتوسعة المطمرين، وهذا ما يؤكد أيضاً أن إغراءات طمر الشواطىء متحكمة بعقول بعض القوى النافذة في السلطة، فالمساحات الجديدة الناجمة عن الطمر سيتقاسمها من سهلوا وشرعوا خيار تدمير ما بقي من الشاطئ اللبناني، وما لم يتمكنوا من وضع اليد عليه ومصادرته إبان الحرب الأهلية أو وبعدها، سيصبح في غضون سنوات قليلة في أيديهم".
ويشير ضو إلى أن "ما لفت انتباهنا هو أن الحكومة في خيارها إرساء المحارق، لم تستخدم تعبير (الحرق)، مستعيضة عنه بتعبير ألطف، وهو "التفكك الحراري"، محذراً من "اننا سنكون أمام فصل جديد من المعاناة والكارثة أيا كانت التسمية، فمع إنشاء معمل لتسبيخ النفايات في الكوستابرافا ستعود طيور النورس لتهدد الملاحة الجوية، أما تعميم المحارق، وفي ظل إدارات فاسدة فلن يكون سوى مجلبة لكوارث بيئية وصحية".
ويرى ضو أن "الحل في يد اللبنانيين بعد أشهر"، في إِشارة إلى الانتخابات التشريعية، قائلاً أن عليهم "إلا يجددوا للفساد متمثلاً بزعماء ومسؤولين تعطلت ضمائرهم، وعدم منح الثقة مجدداً لمن دمر حاضرهم ومستقبلهم".
وفيما يستعد الناشطون البيئيون لمعركة طويلة، كما يبدو، قال "ائتلاف إدارة النفايات"، وهو تجمع مدني، إنه تقدم بطعن أمام مجلس شورى الدولة (القضاء الإداري) ضد قرار الحكومة اللبنانية القاضي بالموافقة على دفتر شروط التفكك الحراري.
وأوضح الائتلاف، في بيان تلقت وكالة "سبوتنيك"، نسخة منه، أن "ما سمي بالتفكك الحراري ليس الا محرقة، إذ أنه لا وجود لأي تقنية تدعى تفكك حراري في أي بقعة من العالم، وبالتالي فقد تم تضليل مجلس الوزراء بما يسمى تفكك حراري، ما أخذه إلى الظن أنه يوافق على تقنية تتخطى بنوعيتها أو نوعية معالجتها للنفايات المحرقة التقليدية بأشواط، من دون الأخذ في الحسبان أين توجد مصانع التفكك الحراري هذه وما هي ميزتها عن المحارق التقليدية".
وأضاف "أصبح من الثابت إن المحارق تتسبب بإلحاق أشدّ الأضرار بيئياً وصحياً واقتصادياً، وأشد الأذى بمئات الآلاف من المواطنين من سكان المناطق المجاورة لمكان إنشاء المحارق، فهذا القرار يحقق اهداف تتعارض مع المصلحة العامة و سيأتينا بأضرار جسيمة لا تعوض كما سينتج عنه سلبيات عامة تطال ليس فقط صحة المواطنين مما يجعله يخالف الموازنة بين التكلفة والمنفعة".
وأوضح أن "هذا الخيار يتطلب جهداً ضخماً للتحكم في البقايا الخطرة والسامة التي تنتجها عملية الحرق، التي بدورها تحتاج إلى مطمر للنفايات الخطرة، وليس مطامر صحية عادية. فالمواد السامة المنبعثة (الزئبق، الزرنيخ، الديوكسينات، الرماد السام…) ورماد القاع، بعد معالجتها وتصليبها، تتطلب مطامر بمواصفات متخصصة، ولبنان لا يملك الكفاءات ولا المعدات العالية الجودة ولا المختبرات وهذا ما يصعب توفيره في ظل غياب الإطار القانوني المناسب لهذا الطرح والبنى التحتية الناظمة وضعف أنظمة المراقبة والمحاسبة في البلد وغياب المختبرات المتخصصة بفحص الملوثات العضوية الثابتة الناتجة عن المحارق".