وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بإمكان إسرائيل وقف الحرب لمدة 42 يوما فقط لاستعادة أسراها المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة، بغير التنازل عما وصفه بـ "النصر المطلق".
وتابع: "لن أخوض في تفاصيل المقترح، لكن ما وصفه الرئيس الأمريكي ليس دقيقا، مقترح صفقة التبادل يتضمّن تفاصيل أخرى لم يكشف عنها بايدن".
وقال مراقبون إن تصريحات نتنياهو تعكس الصورة الحقيقية للرفض الإسرائيلي لمقترح بايدن وأي مقترح لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، خوفا من محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي وعزله سياسيًا.
رسائل نتنياهو
قال ثائر نوفل أبوعطيوي، المحلل السياسي الفلسطيني، إن مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن للهدنة المؤقتة هي بالأصل نسخة طبقة الأصل بشكل كبير من المقترح المصري الذي سبق مبادرة بايدن.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، من الواضح أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنذ بدء الإعلان عن مبادرة بايدن تتناول الكم الهائل والكبير من الأخبار والتصريحات المتناقضة وغير محددة الرؤية، خاصة التصريحات التي ترد على لسان نتنياهو، الأمر الذي يعكس الصورة الحقيقية لعدم رغبة الاحتلال بقبول مبادرة بايدن ، وإن كان قبولها سيكون على مضض وإن حدث، لأن نتنياهو لا يخفي رغبته المطلقة في استمرار الحرب والعدوان على غزة.
وتابع: "نتنياهو و قوله يمكننا وقف القتال لمدة 42 يوما لإعادة الرهائن لكن لا يمكننا إيقاف الحرب، يأتي في سياق إرسال رسائل تطمئن من يعارضون مبادرة بايدن من وزراء حكومته وهما بن غفير وسموتريتش اللذان يدفعان نتنياهو بضرورة استمرار الحرب، وفي المقابل خوف وخشية نتنياهو من إقدامهما على الانسحاب من الائتلاف الحكومي.
وأكد أن هذا الأمر يعني حل حكومة نتنياهو والذهاب للانتخابات المبكرة ، والذي يعني غياب رئيس حكومة الاحتلال عن صدارة الحكم والمشهد السياسي الإسرائيلي بالمستقبل، وكذلك من الممكن أن يواجه نتنياهو تهما متعددة أمام القضاء الإسرائيلي، والتي منها إخفاقه في الحرب.
واعتبر أن تمسك نتنياهو باستمرار الحرب وحتى مع قبول تهدئة مؤقتة، يعطى عدة مؤشرات، منها محاولة هروبه من قبول مبادرة بايدن والتذرع في أسباب وتفاصيل تعمل على عرقلة إنجاز الهدنة المؤقتة.
ومضى قائلًا: "بات من الواضح أن هناك قبولا من كافة الأطراف ذات العلاقة بالاتفاق للوصول إلى هدنة مؤقتة ما عدا رئيس حكومة الاحتلال صاحب التصريحات الإعلامية المتناقضة التي تحاول أن تربك المشهد وتبتعد به بتفاصيل خارجة عن سياق الموضوع وليس توقيتها أو محلها حاليا".
ويرى أن حجم التفاعل الإقليمي والدولي مع مبادرة بايدن وقبولها وتأييدها من دولة كثيرة يجعل الأمر اليوم أكثر تفاؤلا ولكن بحذر من أن هناك اتفاقا قريبا وعاجلا يلوح بالأفق خلال أيام قريبة والتوصل إلى هدنة مؤقتة، لأن معظم الساسة والمسؤولين الإسرائيلين يؤيدون مبادرة بايدن ويدعمون باتجاهها، وكذلك من الواضح أن القبول بالمبادرة وتنفيذها للوصول لصفقة تبادل هو إجماع الرأي العام الإسرائيلي الذي يريد عودة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة.
وأوضح أن تمسك نتنياهو باستمرار الحرب وحتى بعد انتهاء مدة الهدنة المؤقتة، دليل على أن هذا التمسك هو قارب النجاة الأخير الذي يعتقد نتنياهو أن يركب به خوفا من غيابه عن المشهد السياسي الإسرائيلي، وتحميله كافة نتائج وأعباء فشل الحرب على كافة الصعد والمستويات.
عجز نتنياهو
في السياق، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، فادي أبو بكر، أن القيادة السياسية الإسرائيلية عاجزة حتى اليوم على صياغة استراتيجية لإنهاء حكم حماس في غزة بعد الحرب، وهناك موجة كبيرة من الانتقادات في الشارع الإسرائيلي وخلافات عميقة واضحة بين المسؤولين العسكريين والحكوميين الإسرائيليين بسبب الافتقار إلى التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، في ضوء رفض نتنياهو لخطة بايدن والتمسّك بالأهداف المتخيّلة ووهم النصر الحاسم التي تورّطت فيها إسرائيل برمّتها، وعدم قدرة نتنياهو على إقناع أفيغادور ليبرمان بالانضمام له كوزير للحرب، وتأكيد الأخير على المضي قدماً في التعاون مع زعيم المعارضة يائير لبيد وزعيم حزب "أمل جديد" جدعون ساعر للإطاحة بحكومة نتنياهو، يبدو أن نتنياهو يحاول الهروب إلى الأمام مستنداً على دعم وزراءه المتطرفين أمثال سموتريتش وبن غفير، بالاستمرار في تسويق خدعة "الانتصار الحاسم" في الخطاب الإسرائيلي للتستّر على الفشل القائم.
وأكد أن ذلك يأتي ضمن استراتيجية متّبعة للتغطية على أزمات الحكومة وتشتيت انتباه الرأي العام عن السقوط الإسرائيلي في شتى المناحي العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقال إن عدم قبول إسرائيل لأي دور للسلطة الفلسطينية في غزة والتوجه نحو إضعافها، يقودنا إلى افتراض استنتاجي مفاده أن السيناريو الإسرائيلي الأكثر ترجيحاً بات يتمثل في (حماس ضعيفة في غزة وسلطة فلسطينية ضعيفة في الضفة)، بما يتضمنه بطبيعة الحال من فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة والعمل على ضمان استمرارية الانقسام وضرب أي فرص للتوافق الوطني.
وتابع: "وبما أن إنهاء وتصفية وجود حماس في غزة هي مجرد شعار يطلقه نتنياهو وباتت الولايات المتحدة مقتنعة باستحالة فرضه على أرض الواقع، فإن الإطاحة بنتنياهو وحكومته باتت قاب قوسين أو أدنى".
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن، الجمعة الماضية، عن خطة جديدة اقترحتها إسرائيل تتكون من 3 مراحل لوقف الحرب في قطاع غزة.
وأوضح بايدن، أن المرحلة الأولى ستستمر 6 أسابيع بوقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية في غزة، فيما تشهد المرحلة الثانية تبادل كل المحتجزين الأحياء المتبقين، والمرحلة الثالثة تتضمن خطة إعمار كبيرة لقطاع غزة، مؤكدا أن المقترح نُقل إلى الوسطاء المصريين والقطريين وإلى حركة حماس.
ورد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطاب بايدن، قائلاً إن "الحكومة الإسرائيلية موحدّة في الرغبة في إعادة المحتجزين بأسرع وقت ممكن، وإنها تعمل على تحقيق هذا الهدف".
من جانبها، قالت حركة "حماس"، في بيان لها: "تنظر حركة المقاومة الإسلامية بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار وتبادل للأسرى".
وكانت "حماس" قد أعلنت، أخيرا، موافقتها على مقترح اتفاق التهدئة في غزة، إلا أن إسرائيل لم توافق حتى الآن وأقدمت على تنفيذ عملية عسكرية "محدودة" في مدينة رفح الفلسطينية، وسط محاولات مصرية - قطرية لإحياء مسار المفاوضات مرة أخرى.
ولا تزال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة مستمرة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حينما أعلنت حركة حماس، التي تسيطر على القطاع، بدء عملية "طوفان الأقصى"؛ وأطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل، واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1200 إسرائيلي غالبيتهم من المستوطنين، علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وأسفر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى الآن، عن سقوط أكثر من 36 ألف قتيل ونحو 83 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وذلك ممن وصلوا إلى المستشفيات، فيما لا يزال أكثر من 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض الناتجة عن القصف المتواصل في أنحاء القطاع.