هل يقود "أقصى اليمين" في فرنسا للتخلي عن قيادة واشنطن؟

البرلمان الأوروبي
يترقب الشارع الأوروبي التحولات الجارية على الساحة السياسية، بعد تقدم أحزاب "أقصى اليمين" في انتخابات البرلمان الأوروبي، وسط توقعات بتقدم للتيار في الانتخابات التشريعية داخل الدول الأوروبية.
Sputnik
ويرى الخبراء أن تقدم اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، يقود نحو تقدم كبير في الحياة السياسية داخل الدول الأوروبية، خاصة بعد أن إدارة قيادة واشنطن لـ"الناتو" بالدول الأعضاء، وخاصة في الاتحاد الأوروبي.
ويتوقع الخبراء أن يتقدم التيار في الانتخابات التشريعية التي دعا لها ماكرون، نهاية الشهر الجاري.
ويسعى معسكر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لتصدّر انتخابات 30 يونيو/ حزيران الجاري، و7 يوليو/ تموز المقبل، وسط حالة من الجدل في الشارع الفرنسي، والحراك السياسي غير المسبوق.
وتتسارع عملية إعادة التركيب السياسي في فرنسا التي تشهد انقساما في الشارع السياسي، منذ الانتصار الانتخابي الذي حققه التجمع الوطني، الذي تصدّر التصويت مع 31.3% من نسبة الأصوات، وقرار حل الجمعية الوطنية الذي اتخذه إيمانويل ماكرون، في محاولة لوقف تقدم اليمين المتطرف.
"تيكتوكر" و"يوتيوبر" ومحكومون... شخصيات غريبة تفوز بمقاعد البرلمان الأوروبي
من ناحيته، قال الخبير الاستراتيجي، محمد سعيد الرز، إن "نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي أفرزت عدة معطيات جديدة على الصعيد الفرنسي خاصة والأوروبي عامة، أبرزها تراجع حزب ماكرون إلى مستويات غير مسبوقة، نال بموجبها نصف عدد الأصوات التي حصدها التجمع الوطني الذي يتزعم التيار اليميني القومي، وتبلغ 32% من المقترعين".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي دفعت الرئيس ماكرون إلى حل البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات تشريعية أواخر الشهر الجاري، بناءا على طلب زعيمة حزب التجمع، مارين لوبان".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "النتائج الانتخابية التغييرية في فرنسا وضعت الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمام خيارين ملزمين، أولهما توثيق التحالف مع الاشتراكيين والأحزاب الحليفة في اليمين الوسط، لمحاولة ضمان أكثرية ولو بسيطة، وثانيهما الاستعداد لتعايش قسري مع حكومة اليمين القومي في حال فوزه بالانتخابات المقبلة".
وتابع: "اليمين القومي يطلق مواقف عدائية ضد تجنيس الأجانب، لكنه في المقابل يدعو لاستقلال فرنسا عن أي تأثيرات خارجية، ودعت رئيسته، مارين لوبان، إلى مغادرة حلف "الناتو" والبعد عن قيادة أميركا، وإلى إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي على أساس تحالف أمم، لا تحالف دول، إضافة إلى إصلاحات اقتصادية ومواجهة الهجرة إلى فرنسا وعدم الارتباط بالدولار كعملة أساسية".
ويرى أن "هذه النزعة القومية الفرنسية امتدت إلى ألمانيا، حيث نال حزب البديل من أجل ألمانيا القومي 14%، وإلى النمسا حيث فاز حزب الحرية بالمرتبة الأولى بـ27% من الأصوات، ثم إلى إيطاليا التي فاز فيها حزب أخوة إيطاليا بزعامة رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، بالمرتبة الأولى بـ25%، وكذلك إلى بولندا حيث فاز حزب القانون والعدالة بـ33%".
وتابع: "بالمحصلة فإن أحزاب اليمين القومي الأوروبية التي تقودها فرنسا وإيطاليا حصدت ربع عدد أعضاء البرلمان الأوروبي، البالغ 720 مقعدا.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن "انتشار مثل هذا التيار في القارة الأوروبية العجوز سوف يتكاثر، بعدما شعر الناخب الأوروبي أن الارتباط بـ"الناتو" بزعامة أمريكا لم يحقق أي حل للمشاكل والأزمات داخل كل دولة أوروبية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو المقومات الوطنية، وبالتالي باتت طروحات التيار اليميني القومي أكثر قبولا، خاصة من الناحيتين الاستقلالية والاقتصادية".
وشدد على أن "تصاعد الشعور بالانتماء القومي سواء في فرنسا أو ألمانيا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا، يسبب أزمة لدى أمريكا التي تجمع قوميات مهاجرة مختلفة، ترتبط بالمصلحة المادية أساسا، لكنها ستصبح شديدة العدوى بالتيار القومي الأوروبي، على اختلاف دوله، ولعل الأمريكيين المتحدرين من أصول إسبانية سوف يشكّلون البداية".
الخارجية الروسية: انتخابات البرلمان الأوروبي أجريت في ظل قيود مشددة
في الإطار، قال الباحث الجزائري، نبيل كحلوش، إن "اليمين الأقصى بفرنسا هو انعكاس لظاهرة القومية المتطرفة التي تنامت في أغلب أوروبا".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "السببين الأساسيين لذلك هما: ارتفاع نسبة الهجرة، ورسوخ التبعية الجيوسياسية لأمريكا، ما أدى لنتائج مختلفة جعلت الكثير من جماهير أوروبا تتوجه نحو الخيار القومي الأقصى يميني".
ولفت إلى أن "المواقف الرسمية هناك تقف في وجه وصول اليمين الأقصى، لاكتساح البرلمان، إلا أن حضوره سيكون لافتا للنظر".
ويرى أن "فوز اليمين الأقصى يعني فوزا للعصبية القومية الأوروبية في أدنى انحطاطها، إذ أن تطبيقهم لمفاهيمهم حول المصلحة القومية والسيادة الوطنية كان بالأحرى أن يشملهم هم أولا، لينأوا بأنفسهم عن التدخل المستمر في شؤون الدول الأخرى، منذ بداية الظاهرة الاستعمارية إلى غاية المرحلة ما بعد الاستعمارية".
وحول تداعيات فوز اليمين المتطرف في فرنسا على القارة العجوز، أوضح كحلوش أن "لفرنسا تأثير سياسي وجماهيري نافذ في أوروبا، ما يعني أن الوصول إلى مراحل سياسية متقدمة يعني تأثيرا في نخب واسعة لها الفكر نفسه".
من زاوية أخرى، يرى أن "المصالح الحالية بين الدول تختلف بسبب المتغيرات المفاهيمية، التي أحدثتها الحرب في غزة، مما يعني أن فوز اليمين في فرنسا لن يوصل باقي اليمين الأوروبي بالضرورة إلى الصدارة".
واتّفقت أحزاب اليسار الرئيسية الأربعة، فرنسا الأبية، والحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي، على تقاسم الدوائر الانتخابية البالغ عددها 577 والاجتماع تحت راية "الجبهة الشعبية"، وهو الاسم الذي يشير إلى التحالف الذي شُكِّل في فرنسا عام 1936 والذي اشتهر خصوصا بإدخاله أول إجازة مدفوعة الأجر في البلاد.
مناقشة