ما أسباب وتداعيات تجدد الاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية الليبية؟

لا تزال ليبيا تعاني من أزمة الاشتباكات بين الفصائل المسلحة غربي البلاد، لا سيما في مدينة الزاوية، التي شهدت في الفترة الأخيرة، أكثر من اشتباك مسلح على خلافات أبرزها بسط النفوذ والسيطرة على المدينة.
Sputnik
وبحسب مراقبين، هددت هذه الاشتباكات المدنيين في المدينة وفي ليبيا عامة، حيث ينتظر المواطن الليبي بفارغ الصبر نهاية هذه الصراعات والتشكيلات المسلحة، التي أسهمت بشكل كبير في زعزعة استقرار البلاد، وأثرت سلبا على الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي فيها.

صراعات السيطرة والنفوذ

مشكلة "الزاوية" مشكلة داخلية تخص مدينة الزاوية والتركيبات الاجتماعية فيها، ويبدو أن انتشار السلاح وتوزيعه على أكثر من تشكيل في المدينة هو ما سبب هذه الاشتباكات التي تتعرض لها المدينة بين الحين والآخر، مع وجود قوى متوازنة ومتكافئة إلى حد كبير في المدينة، هذا ما يراه المحلل السياسي والأكاديمي الليبي، فوزي الحداد.
مسؤولة ليبية تكشف لـ"سبوتنيك" حصيلة الاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية... صور
ورجّح الحداد، في تصريحاته لـ"سبوتنيك"، أن "أسباب هذه الصراعات هي طموحات السيطرة والتحكم في المدينة لدى هذه التشكيلات المسلحة، تُظهر صراعات بين الحين والآخر في ظل غياب مظلة واحدة تجمع كل هؤلاء الفرقاء تحت هدف واحد".
ولا يعتقد أن "اشتباكات الزاوية ومشاكلها قد تؤثر على عموم ليبيا، لأنها مشكلة داخلية ومحصورة في مدينة الزاوية، ويمكن أن تؤدي في حال تطورها إلى عزلة هذه المدينة عن محيطها أو ما حولها".
وعن إجراء الانتخابات من عدمها، يرى الحداد أنه "بالإمكان أن تترك مدينة الزاوية إذا نجح الليبيون والمجتمع الدولي في تحديد موعد الانتخابات، كما تركت مدن سابقة لم تشارك في الانتخابات التي أجريت في 2014، منها مدينة درنة عندما كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية وأجلت فيها الانتخابات بسبب ظروفها ووضعها الاستثنائي آنذاك".
وتابع الأكاديمي الليبي، قوله بأن "كل الجهود المحلية غابت عن محاولة حل صراعات مدينة الزاوية المتتالية، وتركت المدينة لمصيرها ولم تكن هناك محاولات جادة من جيرانها وخاصة حكومة الوحدة الوطنية، التي لا تبعد عنها كثيرا، وذلك باحتواء هذه التشكيلات المسلحة المتصارعة في المدينة رغم تكرار مثل هذه المعارك الدامية التي دائما ما تودي بحياة مدنيين أبرياء، بالإضافة إلى عدد من أفراد عناصر هذه التشكيلات المسلحة".

أجندات سياسية

من جهته، اعتبر المحلل السياسي والأكاديمي الليبي، إلياس الباروني، أن "عودة الاشتباكات المسلحة في مدينة الزواية أو غيرها من المدن والمناطق الأخرى يأتي بسبب غياب دور المؤسسات الأمنية والعسكرية الفاعلة، التي تأتي تحت سيطرة الحكومة".
قتلى وجرحى باشتباكات في مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية
وأضاف الباروني، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "غياب دستور تقوم عليه العملية الانتخابية ويقوي شرعية رئيس الدولة والبرلمان والحكومة، سبب في ضعف مؤسسات الدولة".
ورجّح الباروني أن "سبب تناحر التشكيلات المسلحة يعود أيضا لتوجهات كل جماعة وتشكيل مسلح، وذلك لأن كل هذه الأجسام لها أجندة خاصة ومصالح معينة، بالإضافة إلى هشاشة المؤسسات الأمنية والخلل في سيطرة الحكومة وبسط نفوذها على المدن والمناطق الليبية".
وأردف، قائلا: "هناك مخابرات أجنبية تعمل داخل الدولة الليبية، تسعى إلى العبث بملف الأمن القومي الليبي، بالإضافة إلى أطراف محلية تريد زعزعة أمن واستقرار المنطقة الغربية في ليبيا".
وأوضح أن "هذه التشكيلات المسلحة تسعى إلى بسط السيطرة الكاملة على العاصمة طرابلس والمدن المحيطة بها، باعتبار أن مدينة الزاوية تعتبر البوابة الخلفية للعاصمة طرابلس، وتعد مركزا اقتصاديا وعسكريا هاما بالنسبة للبلاد، وبالتالي فإن هناك أيادٍ خفية تعمل على خلق الفتن والبلبلة بين هذه الجماعات المسلحة في ظل غياب اتفاق واحد يضم جميع هذه التشكيلات المسلحة".
واعتبر أن "هناك أفرادا من العاملين في الجريمة المنظمة من تهريب المخدرات والوقود والبشر، كل تحركات هذه الأفراد تسعى لتقويض العملية السياسية في ليبيا وغربها بشكل خاص، وهناك صعوبة في القضاء عليهم في ظل غياب دور المؤسسات الأمنية الرسمية".
وأوضح المحلل السياسي أن "هناك العديد من التحديات التي تواجه الحكومة في مسألة بسط سيطرتها على المدن الليبية، ويعود ذلك لغياب المؤسسات المبنية على الأسس الدستورية وتحديد مهام هذه المؤسسات".
ومضى الباروني، بالقول: "هذه الاشتباكات التي تحدث بين الحين والآخر أمر مقلق للغاية وسبب زعزعة للأمن في غرب ليبيا، وهي رسائل قلق لعدم استتباب الأمن في المنطقة نتيجة العديد من الإشكاليات الاقتصادية منها والأمنية، والعمل على بسط السيطرة على الموارد الاقتصادية التي تتمتع بها هذه المنطقة، بالإضافة لكونها محط أطماع للتشكيلات المسلحة وبعض المخابرات الأجنبية".
الدبيبة: العمليات العسكرية في الزاوية منسجمة مع متطلبات حفظ أمن ليبيا ودول جوارها
ويرى الباروني أن "هذا الأمر تحدٍ كبير الدولة الليبية، ويجب وضع رؤى استراتيجية فيما يتعلق لكيفية ضبط الأمن والقضاء على هذه الجماعات، حتى تلتف ليبيا للقضايا الأهم، خاصة تنفيذ الانتخابات والوصول إلى حل سياسي ينقل ليبيا من المراحل الانتقالية".
وشدد على ضرورة "السيطرة على هذه الجماعات والتشكيلات المسلحة حتى تلتفت الدولة لاستحقاقاتها الأهم وهي الانتخابات على أسس دستورية متينة تساهم في تهدئة الوضع، الذي يحول دون تنفيذ هذه الاستحقاقات والانتقال من المراحل الانتقالية إلى المراحل الدائمة".

سيناريوهات متكررة

فيما يرى المحلل السياسي عبد الله الديباني، أن "السبب الرئيسي للاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية، هي اعتداءات المليشيات المسلحة على بعضها البعض"، واعتبر أن "كل ميليشيا تسعى للسيطرة على مدينة الزاوية أو تريد حكم هذه المدينة".
وأضاف الديباني: "أصيب في الأيام القليلة الماضية، أحد أفراد هذه الميليشيات بعيار ناري، مما تسبب في هذه الاشتباكات واشتعالها من جديد، خاصة وأن مدينة الزاوية تعيش نوعا من عدم الاستقرار الأمني والمعيشي يعود ذلك لتدخل حكومة الوحدة الوطنية ضد من يشكلون حراكا معارضا لسياسة رئيس الحكومة وقرارته التي أثرت سلبا على البلاد".
واعتبر أن "هذه الاشتباكات تتكرر في أغلب مدن ومناطق غرب البلاد أبرزها العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية"، ويراها بأنها "لن تؤثر في سير أي اتفاق سياسي قادم"، ولكنه أكد أن "هذه الميليشيات تتخوف من بقائها وبالتالي فهي تزعزع الأمن بين الحين والآخر".
وأوضح أن "هذه التصرفات تأتي من أذرع كبيرة ومن جهات تتخوف من زوالها من الحكم، وبالتالي فإن هذه الأجسام تعي جيدا أن هناك اتفاق قادم يقضي بتغيير كافة الأجسام المتحكمة في المشهد"، ووصف هذه التصرفات بأنها "تصرفات متعمدة ومدعومة".
مناقشة