ويرى مراقبون أن الحشد الأمريكي في المنطقة، واستمرار إسرائيل في عدوانها على لبنان وغزة، رغم اغتيال هنية وشكر، يؤكد بأن الوضع بات للميدان، والكل ينتظر رد إيران و"محور المقاومة" على العمليات الإسرائيلية.
دعت وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية، مواطني البلاد إلى مغادرة لبنان على الفور، بينما لا تزال الرحلات الجوية التجارية متاحة، وأعلنت استدعاء أفراد عائلات موظفي السفارة في بيروت.
وأوصت سفارات الولايات المتحدة والهند والسويد ودول أخرى مواطنيها بمغادرة لبنان.
وأكد القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، اليوم الاثنين، أن "الصمت تجاه تصرفات النظام الإسرائيلي يعتبر مكافأة له".
وشدد باقري كني على "ضرورة وقف السلوك الشرير لإسرائيل في توسيع دائرة الحرب لتشمل عاصمتي لبنان واليمن، وخاصة إجرامها في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، على الأراضي الإيرانية"، مؤكدًا أن "الجمهورية الإسلامية ترى أن من حقها اتخاذ إجراء مضاد استنادًا إلى القواعد والإجراءات الدولية".
رد إيراني
اعتبر العميد خالد حمادة، الخبير الأمني اللبناني ومدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، أن "كل المؤشرات تؤكد بأن الكلمة أصبحت للميدان، وأن كل الجهود الدبلوماسية والدولية لن تقوى على تغيير الواقع العسكري، لا سيما الأمريكي منه، بكل هذا الحشد والتجييش العسكري، ما يعني أن واشنطن عازمة على إعادة ضبط قواعد العلاقات الأمنية بين دول المنطقة".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، طالما دأبت إسرائيل وإيران على نوع من التنافس السلبي تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنهما تمردتا على كل القواعد التي كانت متبعة، والعالم العربي برمته ومنطقة الشرق الأوسط، تعيش هذه الحالة من عدم الاستقرار الناتجة عن التهديدات الإسرائيلية والعدوان المستمر، وكذلك التغول الإيراني على المنطقة، وفقا لقوله.
ويرى أن "المنطقة بحاجة إلى من يستطيع أن يضرب على الطاولة، ويعيد التوازن والانضباط على الأقل بين الوكلاء (إسرائيل وإيران)، ويعيد الأمن والاستقرار، ويفرض ضوابط جديدة بعيدًا عن كل هذه التهديدات المستمرة، سواء لفلسطين والدول المتاخمة لإسرائيل، أو دول الخليج والبحر الأحمر".
وأكد حمادة أن "المأزق الذي تواجهه طهران مرده إلى عدم قدرتها على الهروب من الرد، والوجه الآخر منه حول أي درجة يمكن الذهاب إليه دون أن تغامر بأن تصطدم بالولايات المتحدة وتهدد كل مصالحها في المنطقة"، مشيرًا إلى أن "الرد الإيراني المرتقب يجب أن يوازن بين هذين الحدين، باعتبار أن النتائج لن تقتصر على رد ورد مضاد، حيث تؤشر الحشود الأمريكية وكل هذا الوزن العسكري، بأن المهمة لا تقتصر على عدم توسيع الاشتباكات أو ضبط إيقاع الردود، بل تتعدى ذلك لتثبيت ضوابط أمريكية جديدة للاستقرار في المنطقة".
وتابع: "الموقف الذي يمكن أن ينتج عن هذه المعادلة، أن تقوم طهران بتوجيه ضربة عبر أو انطلاقاً من لبنان وسوريا، خاصة بعد تأكيد الأردن رفضه استخدام أجوائه لمرور الصواريخ من قبل أي دولة، ما يعني عدم وجود جغرافيا يمكن لطهران استخدامها سوى سوريا ولبنان، مما يعني أن ردود الفعل ستوجه لهذه الدول، حيث ستتعامل القوات الأمريكية مع الصواريخ ولن تسمح بوصولها إلى تل أبيب".
وأشار إلى أن "ردود الفعل المرتقبة ستكون على لبنان وسوريا، وستضع الدولتين في مأزق حرج. هذا السيناريو سيمكّن إيران من الاستجابة للمعادلة السابقة، بحيث تدفع "حزب الله" في لبنان والحرس الثوري في سوريا للرد، فيما تبقى طهران بعيدة عن المسؤولية المباشرة، وهو ما يعطي إيران نوعا من الفسحة لإيجاد قاسم مشترك للوضع المتأزم".
عدوان مستمر
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبو زيد، أن "دعوة بعض الدول الأوروبية والعربية لرعاياها بمغادرة لبنان، إجراء طبيعي في ظل الوضع الخطر وتوقع حدوث اشتباكات أو مناوشات أو حرب صغيرة، وهذا التحذير بروتوكولي في الدول المعرضة للعمليات العسكرية".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، هذا الإجراء الروتيني لا يعني بالضرورة وقوع حرب كبيرة، أو وجود حرب لمدة زمنية محددة، لكنه مجرد تحذيرات احترازية من قبل الدول لمواطنيها في الخارج.
ويرى أن "إسرائيل مستمرة في القصف والعدوان على قطاع غزة، في ظل كل المناشدات الدولية بإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، لكنها لا تزال مستمرة في أعمالها العدوانية رغم اغتيالها لإسماعيل هنية، وقيادات في "حزب الله"، حيث ارتكبت العديد من المجازر والإبادة الجماعية هناك".
ويعتقد أن "إسرائيل لا تريد التوصل لهدنة أو حل سياسي، وهو ما يؤكده اغتيال هنية، وهو تحرك ضد التوصل لهدنة ووقف الحرب"، مؤكدًا أن "كل جهود احتواء الوقف ومنع تصعيد الوضع فشلت، بسبب تعنت إسرائيل في تقديم أي تراجع أو تنازل أو تسوية لإيجاد حل سياسي".
وأكد أبو زيد أن "استمرار العدوان الإسرائيلي وفشل أمريكا والدول الغربية في الفرض على إسرائيل احتواء الأزمة، والتوصل لهدنة، يجعل كل الاحتمالات واردة والمنطقة برمتها تنتظر التطورات، لا سيما في ظل رد المقاومة على الجرائم الإسرائيلية، سواء بالتوصل لحل سياسي أو حرب إقليمية واسعة".
وأشار إلى أن "الاتصالات السرية لا تزال مستمرة والوساطات موجودة، لكن جو التصعيد الذي ترتكبه إسرائيل لا يزال قائما أيضا، وهو ما ينذر بكارثة".
ووجّه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في وقت سابق، تهديداً إلى إيران و"حزب الله" اللبناني، قائلا: "مستعدون للتحرك بسرعة للهجوم أو الرد وسنأخذ الثمن من العدو كما كنا نفعل في الأيام الأخيرة. إذا تجرأ على مهاجمتنا، فسوف يدفع ثمناً باهظا".
وكانت إسرائيل، قد أعلنت يوم الثلاثاء الماضي، اغتيال القيادي البارز في "حزب الله"، فؤاد شكر، إثر غارة جوية استهدفت مبنى سكنيا في العاصمة اللبنانية بيروت.
فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني، الأربعاء الماضي، مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، وأحد مرافقيه، نتيجة قصف استهدف مقر إقامتهما في العاصمة طهران، مشيرًا إلى أن التحقيق في أسباب وملابسات هذا الحادث جارٍ.
وكان آخر ظهور علني لإسماعيل هنية، خلال مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم الثلاثاء الماضي، والتي شارك فيها هنية، بحكم العلاقة المتينة التي تربط حركة حماس بطهران.