وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا والصومال، وتتوسط أنقرة في القضية التي تثير خلافا بين الجارتين اللتين تجمع بينهما علاقات متوترة، وذلك بهدف السماح لإثيوبيا بالوصول إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادتها الإقليمية.
هل تنجح الوساطة التركية في الجولة الثالثة والمقرر عقدها في النصف الثاني من سبتمبر/ أيلول المقبل، وما هي المعوقات التي تقف في طريق الحل وماهي السيناريوهات القادمة إذا ما فشلت الجولة الثالثة وإمكانية اشتعال صراع جديد في المنطقة في ظل دعم بعض الأطراف لعملية التصعيد وغياب أفق الحل؟
بداية، يقول عمر محمد، المحلل السياسي الصومالي: "يبدو لي أن الدور التركي يقتصر فقط في استضافة المحادثات وتسهيلها وحث الأطراف على الوصول إلى التفاهم، أما ما عدا ذلك، فأمر يعني الطرفين".
مواقف متباينة
وأضاف في تصريح لـ"سبوتنيك": "نظراً للمواقف المتباينة بين الدولتين (الصومال وإثيوبيا)، فإن الأمر يستغرق وقتا ليس بالقليل، لان أي منهما لا يريد التنازل عن موقفه إزاء القضية، فالصومال الذي يهدد هذا الإتفاق سيادتها ووحدة أراضيها، تتشبث بموقفها الداعي إلى إلغاء إثيوبيا هذه المذكرة الباطلة، حتى تكون الأجواء مهيأة لانطلاق المحادثات المباشرة بين الدولتين لحل الخلاف القائم بينهما".
وتابع محمد: "الموقف الإثيوبي رافض لأي نوع من التنازل في تلك المفاوضات وهو ما أكده أحمد معلم فقي، وزير خارجية التعاون الدولي الصومالي، عقب انتهاء الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة، وذلك عندما قال في تغريدة له على منصة "إكس": (إن موقف الصومال واحد وثابت لا يقبل التنازع على سيادته ووحدته)"، وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الإثيوبي، عقب الجولة الثانية أن دولته ستواصل سعيها للوصول إلى البحر عبر التعاون السلمي مع دول الجوار".
سيناريوهات الحل
وأشار المحلل السياسي، إلى أن "نجاح هذه المحادثات مرهون على أحد أمرين، أولهما: أن تلغي إثيوبيا هذه المذكرة وتعتذر عن انتهاكها للسيادة الصومالية، بتوقيعها مذكرة تفاهم مع إدارة انفصالية لا تحظى باعتراف دولي ولا حتى إقليمي ومحلي، ومن ثم فتح باب الحوار مع الصومال للوصول إلى منفذ بحري وفق الأعراف والقوانين الدولية المنظمة لعلاقات التعاون بين الدول الساحلية والدول الحبيسة".
ويكمل محمد: "الأمر الثاني لكي تكون هناك انفراجة في الجولة القادمة من المحادثات، يجب أن تتنازل الصومال عن جزء من سيادتها الوطنية، بقبول هذه الاتفاقية، حتى وإن أجريت عليها تعديلات، وهو أمر قد يكون صعب الورود على الأقل في هذا الوقت بالذات".
الوساطة التركية
من جانبه، يقول عبد الرحمن إبراهيم عبدي، رئيس مركز مقديشو للدراسات بالصومال: "نظرا للأوضاع السياسية والأمنية في الصومال والعلاقات الصومالية مع قوى إقليمية، تبدو فرص نجاح الوساطة التركية ضئيلة ولا أتوقع أن العلاقات الإثيوبية الصومالية ستتحسن في ظل حكم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الطامح إلى الحصول على منفذ بحري عبر البحر الأحمر مهما يكن الثمن، ولن يرضى بأقل من قاعدة عسكرية بحرية في شمال الصومال".
وأضاف في تصريح لـ"سبوتنيك": "الصومال في ظل الرئيس حسن شيخ محمود غير مستعدة بأي حال من الأحوال لتحقيق أطماع إثيوبيا وجاهزة لمزيد من التصعيد، وبالتالي لا يمكن لآبي أن يتخلى عن الاتفاق مع أرض الصومال وأن يقبل المقترحات التركية لحل الأزمة والتي تشمل توفير إثيوبيا ممر بحري خاص لها على المحيط الهندي، ولا يمكن للرئيس حسن أن يتنازل عن شبر واحد من الأراضي الصومالية".
تقديم التنازلات
في المقابل، يقول ياسين احمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: "الوساطة التركية قد تنجح في نزع فتيل الأزمة والتوتر بين إثيوبيا والصومال، بعد أن قبل الطرفين لما لهما من مصالح مشتركة مع تركيا".
وأضاف في تصريح لـ"سبوتنيك": "نجاح الوساطة التركية مرهون بالتوصل إلى تفاهمات بين إثيوبيا والصومال على أساس المصالح المشتركة بين البلدين مع تقديم تنازلات من الطرفين".
وأشار أحمد، إلى أن "عدم توصل الطرفين إلى إتفاق بالرغم من عقد أكثر من جولة مفاوضات بالرعاية التركية في أنقرة، قد يعود لحجم الخلافات بين الصومال وأثيوبيا، إذ تطالب الأخيرة بحصولها على منفذ بحري على الساحل الصومالي لأغراض إقتصادية وعسكرية، بينما ترفض جمهورية الصومال الفيدرالية استخدام إثيوبيا المنفذ البحري لأغراض عسكرية، ولكنها ترحب للأغراض الاقتصادية".
قوة صاعدة
ويرى رئيس المعهد الإثيوبي: "المؤشرات الحالية ومن خلال الجولات السابقة من المفاوضات تشير إلى أنه إذا لم تحصل إثيوبيا على منفذ بحري على الساحل الصومالي للأغراض الاقتصادية والعسكرية، فإنها سوف تتمسك بخيارها الأول بمذكرة التفاهم من أجل حصولها على منفذ بحري على جمهورية صوماليلاند الذي يحقق المصالح الاقتصادية والعسكرية لإثيوبيا على البحر الأحمر".
وأوضح أحمد: "إثيوبيا ترى أن من حقها كقوة صاعدة أن يكون لها منفذ بحري على أحد سواحل البحر الأحمر للأغراض الاقتصادية مع قادة عسكرية تحمي مصالحها الاقتصادية والأمنية كأكبر دولة في القرن الإفريقي، من حيث السكان وثقلها السياسي والاقتصادي في إفريقيا في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية محسوبة على بعض القوى الدولية والإقليمية لتأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية في البحر الأحمر".
ولفت أحمد، إلى أن" إثيوبيا كدولة أفريقية ترى أنها أولى بأن يكون لها دورا مهما في حماية أمن البحر الأحمر، بهدف تحقيق الأمن الإفريقي المشترك للدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر".
وعقدت محادثات بين إثيوبيا والصومال في الأول من يوليو/ تموز في العاصمة التركية، التي شهدت أيضا "جولة ثانية" من المحادثات في 13 أغسطس/ آب الجاري ولم تسفر عن نتائج ملموسة، ومن المقرر عقد جولة ثالثة من المحادثات في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل في أنقرة.
كان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، قد صرح بأن إثيوبيا ترفض الاعتراف ببلاده دولةً ذات سيادة، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الجارتين توترا في أعقاب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع منطقة أرض الصومال الانفصالية.
واتهم الرئيس الصومالي إثيوبيا بانتهاك القانون الدولي، حيث أنها "لا تزال ترفض اليوم الامتثال للقوانين الدولية كي يصبح ممكناً إجراء مفاوضات".
جاء ذلك بعدما أبرمت أديس أبابا، في يناير/ كانون الثاني، مذكرة تفاهم مع أرض الصومال للوصول إلى البحر، مع التزامها الاعتراف باستقلال هذه المنطقة التي انفصلت أحادياً عن الصومال. لكن مقديشو نددت بالاتفاق ووصفته بـ"غير القانوني"
وفي وقت سابق، جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض بلاده لأي تدخل في شؤون الصومال، مؤكدا موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، حسبما ذكر أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية.
شهد اللقاء عقد جلسة مباحثات بين الرئيسين تم خلالها تاكيد قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين مصر والصومال، والحرص المشترك على تدعيمها على مختلف الأصعدة، والبناء على نتائج زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة لمصر، يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكانت مصر والصومال قد وقعتا اتفاقا عسكريا في إطار تطوير العلاقات والتعاون المشترك بين البلدين، قال عنه وزير الشؤون الخارجية الصومالي، أحمد فقي، إن من شأنه تمكين القوات المسلحة الصومالية من حماية سيادتها "بفاعلية أكبر".
ولفت الوزير الصومالي إلى أن الاتفاق جاء في توقيت مثالي ليعزز بشكل كبير الجهود المبذولة في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الارتقاء بقدرات القوات المسلحة الصومالية، مما يمكنها من الدفاع عن الوطن وحماية سيادتها بفاعلية أكبر.