الضربات الأخيرة التي طالت العمق اللبناني يتخوف البعض من كسرها لقواعد الاشتباك المعمول بها، ما يعني الانزلاق مباشرة إلى حرب إقليمية مباشرة وواسعة، لا سيما مع ربط "حزب الله" قصفه لمواقع إسرائيلية بوقف الحرب في غزة.
وفيما يقول البعض إن الخطوط الحمراء بين إسرائيل وحزب الله كسرت منذ اليوم الأول للقصف، يرى آخرون أن الأمور لم تتوسع بشكل دراماتيكي، وثمة قواعد اشتباك متحركة يصعد خلالها الطرفان من دون الوصول للحرب.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، أنه شن ضربات جوية على أهداف لـ"حزب الله" في منطقة البقاع جنوب شرقي لبنان.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له: "شنت طائرات سلاح الجو ليلاً، غارة على مستودعات ذخائر تابعة لمنظمة "حزب الله" الإرهابية في منطقة البقاع في العمق اللبناني. وبعد الهجمات، تم رصد انفجارات ثانوية تشير إلى وجود أسلحة في المستودعات، التي تعرضت للهجوم"، وفق البيان.
وأضاف البيان: "تعرض مجمع يستخدمه نظام الدفاع الجوي التابع لمنظمة "حزب الله" الإرهابي في منطقة البقاع لهجوم، وشكل تهديدًا لطائرات سلاح الجو".
قواعد اشتباك متحركة
اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن القصف الإسرائيلي الأخير للبقاع وأماكن أخرى في لبنان ليس المرة الأمور، معتبرًا أن الأمور لم تتوسع بشكل دراماتيكي بعد، وأن هناك تصعيدًا من وقت لآخر، لكنها ضمن ما يسمى بقواعد الاشتباك المتحركة، والتي فيها يكون التصعيد على الجانبين دون الوصول للحرب الشاملة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، ما نراه نوع من حرب استنزاف متنقلة ومتدرجة دون أن تصل الأمور لحرب شاملة، لأن كل طرف لا يزال ملتزما بعدم الوصول لهذه النقطة، لكن هناك تصعيدا من وقت لآخر، لذلك هي حرب استنزاف طويلة الأمد يتخللها هدنات متقطعة واشتباكات ترتفع وتيرتها أحيانا ثم تخفت لتبقى ضمن حدود الفعل ورد الفعل.
وأكد أن شروط الهدنة أو وقف إطلاق النار لم يتم التوصل لها بعد، حيث لا تزال الخلافات قائمة، والحل السياسي بعيدًا، لأن كل فريق له أهداف وحسابات متمسك بها ولا يريد أن يتنازل عنها حتى تتم التسوية المطلوبة.
وتابع: "نشهد من وقت لآخر تصعيدا محدودا ثم العودة مرة أخرى إلى قواعد الاشتباك التقليدية، مع إضافات أو توسع دون الوصول للحرب الشاملة، إلى أن يكون هناك ضغط كافي من أمريكا وأطراف أخرى للتوصل لحل".
ويرى أبو زيد أن الأمور ستبقى على ما هي عليه الآن، حتى تجاوز الانتخابات الأمريكية الضاغطة والتي تتحكم في الموقف الأمريكي، أو يتم ضغط كافي للوصول إلى تسوية مقبولة.
سقوط من اليوم الأول
من جانبه اعتبر ميخائيل عوض، المحلل السياسي اللبناني، إن منذ بداية الحرب وأعلنتها إسرائيل على لسان غالانت ونتنياهو أنها حرب وجودية، وسقطت ما يسمى بقواعد الاشتباك والخطوط الحمراء، عندما تقع الاشتباكات لم يعد هناك أي احتمال لإدارة الصراعات عبر ما يسمى بالتوافقات أو الهدن أو القواعد.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، "الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك سقطت منذ اليوم الأول، ومن بادر بإسقاطها بجرأة وقرار مسبق هو محور المقاومة، حيث كسر كل ما كان من قواعد في جبهة الجنوب اللبناني، بما في ذلك القواعد التي أرسيت بعد عام 1982، وشارك الفصائل الفلسطينية والأحزاب في العلميات العسكرية والمواجهات، كما قصف المواقع في الجولان، وضرب مركزا أمنيا في قلب تل أبيب".
ويرى أن الحروب بشكل عام وهذه المعركة التي اتخذت صفقة الوجودية، لا يوجد بها قواعد اشتباك أو خطوط حمراء، حيث ينتظر كلا المتحاربين الفرصة لضرب وكسر الطرف الآخر، لتحطيم قواه وفرض الشروط عليه.
وأكد أن الأمور ذاهبة للتصعيد، وهذا الاشتباك مستمر وهناك ساحات إضافية مرشحة لتصبح ميدانا للصراع، حيث تتصاعد في الضفة الغربية أعمال المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وبات الإسرائيليون يستخدمون الطيران الحربي والمسير والقصف بالصواريخ والأسلحة الثقيلة، في اقتحام المخيمات والمدن بالمدرعات، حيث أعدت إسرائيل وأكملت عدتها لمذبحة الضفة بعد غزة، وهو مسرح مؤهل لأن يتحول إلى عاصفة جديدة.
وأكد أن "محور إيران وحزب الله والحوثيين وعدوا بالرد، لكن لا يجب بالضرورة أن يكون كما يتوقع الآخرين، حيث يخوضون حربا مصيرية ووصفها حسن نصر الله بالمعركة الكبرى والطويلة، لا سيما بعد اغتيال هنية وشكر".
ويعتقد عوض أن السياق العام والبيئة الاستراتيجية وطبيعة نتنياهو وحكومته تجل الخيار الأرجح هو استمرار الحرب بوتائر وشدة مختلفة على الجبهات، وليس هناك أي أفق لتسويات أو هدن أو وقف إطلاق النار.
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية، في وقت سابق من مساء الثلاثاء، مقتل 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين جراء غارات جوية إسرائيلية على جنوبي البلاد، فيما أفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن الطيران الحربي الإسرائيلي شن بعد عصر الثلاثاء غارتين على الضهيرة.
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له، إن طائرات حربية تابعة له قصفت مبنى عسكريًا تابعًا لحزب الله في منطقة المطمورة جنوبي لبنان، إلى جانب مبنى عسكري آخر للحزب في المنطقة.
فيما قال حزب الله، عبر سلسلة بيانات، إن مقاتليه "شنوا هجومًا جويًا بأسراب من المُسيرات الانقضاضية على مقر قيادة اللواء المدرع السابع التابع لفرقة الجولان 210 في ثكنة كتسافيا، مستهدفةً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها".
وأضاف أن مقاتليه "قصفوا ثكنتي شوميرا ومتات وانتشارًا لجنود العدو في محيطهما بصليات من صواريخ الكاتيوشا"، كما استهدفوا "موقع راميا بقذائف المدفعية الثقيلة وأصابوه إصابة مباشرة".
تأتي التطورات فيما تتواصل المعارك في جنوب لبنان بين حزب الله من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، منذ أكثر من 10 أشهر.
وتتوسع العمليات بشكل يومي على طول الحدود الجنوبية من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا، علاوة على قيام إسرائيل بشكل متكرر، باستهداف عناصر وقادة ميدانيين في "حزب الله".
وازدادت حدة التوترات بعد استهداف الجيش الإسرائيلي للضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وقتل القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر.
وقبل أسبوعين، أكد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في كلمة بمناسبة "أسبوع الشهيد القائد فؤاد شكر"، أن "العمليات التي نفذتها المقاومة خلال الأيام الماضية لا تعتبر "ردًا على مقتل فؤاد شكر"، ولا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، ونبه إلى أن انتظار إسرائيل للرد "هو جزء من العقاب".