ما هي تداعيات استمرار الحرب في السودان على الداخل ودول الجوار؟

كلما فشلت مبادرة أو دعوة للحل ووقف الحرب في السودان، تعود السيناريوهات الأكثر تشاؤما حول ما سوف تؤول إليه الأمور إذا ما استمرت الحرب السودانية لأكثر من هذا الوقت والنتائج التي يمكن أن تترتب على التشظي والانقسام في الداخل وتداعياته على دول الجوار والقرن الأفريقي.
Sputnik
فما هى تداعيات استمرار الحرب في السودان داخليا وعلى دول الجوار والقرن الأفريقي؟
بداية يقول عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، "إذا استمرت الحرب في السودان لفترة زمنية أبعد، فإن السودان سوف يتعرض للتقسيم والتشظي إلى دول متحاربة، وسوف تختلف الأوضاع عما هى عليه الآن لأنه في هذا السيناريو ستكون المعارك بين دول ذات جيوش نظامية لديها كل أنواع الأسلحة، وإذا حدث ذلك فإنه سوف يخلق نوع من الفوضى في المنطقة، نظرا لأن السودان دولة كبيرة جدا ولن تستطيع السيطرة على الحدود، وهنا سوف يصبح السودان مرتع للكثير من التنظيمات الإرهابية الموجودة في شرق وغرب السودان".
قائد الدعم السريع في السودان: الحرب لم تكن خيارا لنا ونجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار

مخاطر الانقسام

وأضاف ميرغني في حديثه مع "سبوتنيك": "التنظيمات الإرهابية في شرق السودان نجدها في الصومال على سبيل المثال وما نراه من تواجد القاعدة وحركة الشباب وغيرها، وفي غرب السودان نجد حركة بوكو حرام والتنظيمات الإرهابية في مالي أيضا متوفرة بشكل كبير، وفي حال تشظي السودان فإن كل تلك التنظيمات في الشرق والغرب سوف تجد لها ملاذ آمن وميدان فسيح لا رقابة عليه لممارسة كل النشاطات التي تريدها".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "السودان له خصوصية فحتى قبل الثورة وفي عهد عمر البشير كانت القضية العسكرية والأمنية أكبر وأقوى، مع ذلك كان السودان معبر لتجارة البشر والسلاح والمخدرات، وكان السودان المصدر الأول للسلاح إلى بعض المناطق القريبة والتي بها نزاعات وبشكل غير رسمي، ولذلك تعرض السودان لأكثر من 40 غارة إسرائيلية استهدفت مناطق التصنيع والتجهيز والسلحة، فإذا كان هذا قد حدث في ظل وجود الدولة فما بالنا إذا غابت الدولة والسلطة والقوة، سيصبح السودان مرتع للفوضى بصورة كبيرة وستكون دول الجوار هى الضحية الأولى".
البرهان يرحب ببيان بايدن ويؤكد التزام حكومة السودان بإنهاء الصراع

وقف الحرب

وحول السيناريو الذي يمكنه وقف الحرب وجمع الأطراف للتفاوض من أجل الوصول إلى سلام عادل يقول ميرغني: " إذا اتفق الجيش والدعم السريع سوف تقف الحرب حتى لو حاولت قوى خارجية فلن يكون لها تأثير كبير لأنها لا تدير الحرب بصورة مباشرة، وأعتقد أن هناك الكثير من المشتركات بين طرفي الحرب قد تُسهل الطريق للوصول إلى اتفاق سلام، ونقاط الاتفاق هنا أكثر من نقاط الخلاف، فما يجري في السودان يختلف كليا عما جرى في سوريا وليبيا وغيرها، لأن الحرب الدائرة في السودان هى حرب على السلطة فقط وليس بين أطرافها خلافات أيديولوجية، رغم ما يحدث في بعض التصريحات والتي يحاول الدعم على سبيل المثال لصقها بالقبلية".
ويعتقد ميرغني، وفقا لتصريحات دولية بأن "الحرب في السودان يمكن أن تقف في يوم واحد إذا اتفق الجيش والدعم السريع، لأن مسافة الاختلاف بينهما قصيرة جدا، ومن السهولة بمكان الوصول إلى اتفاق إذا كانت هناك إرادة سياسية لدى الطرفين، وما يجري الحديث عنه من شروخ مجتمعية قد يتلاشى مع أول أيام وقف الحرب، لأن مثل تلك الأمور يتم استخدامها كأدوات، والقبائل السودانية التي يشار إليها في مثل تلك المواقف هى موجودة في الطرفين (الجيش والدعم السريع)، حيث تجد من نفس القبيلة قيادات في الجيش والدعم السريع".
ما العراقيل التي تقف في طريق الدعوات الدولية لوقف الحرب في السودان؟

قلق كبير

من جانبها تقول السياسية السودانية، لنا مهدي: "إن ‎حرب 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش والدعم السريع نتج عنها موجات من اللجوء القسري لدول الجوار السبع للسودان وهى جنوب السودان وتشاد وليبيا ومصر وأثيوبيا وأريتريا وأفريقيا الوسطى، هذا الوضع أفرز ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة داخل المجتمع السوداني".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": " أن تلك الحرب الدائرة منذ أكثر من 15 شهرا تسببت في قلق كبير لدول الجوار نظراً للحركات المسلحة المعادية لحكوماتها، في الوقت الذي تشغل فيه بال المجتمع الدولي وكذلك الدول العربية ذات العلاقة بملفات الإرهاب وأمن البحر الأحمر، خاصة في ظل وجود الكتائب والميليشيات الأمنية لتنظيم الإخوان في السودان وعلاقاتها المتشابكة مع نظيراتها في الإقليم، وما يثير القلق الاستنفار الشعبي والتفلت الأمني في ظل وجود تلك القوى غير النظامية كشريك أصيل في حرب السودان".

تداعيات اقتصادية

وأشارت مهدي، إلى أن "الحرب ترتبت عليها تداعيات أمنية كبيرة في الداخل السوداني وأيضا في دول الجوار نتيجة موجات النزوح الضخمة عبر الحدود مع دول الجوار، وما تبع ذلك من مشاكل اقتصادية وليست أمنية فقط، فقد تسببت موجات النزوح إلى تدهور اقتصادي في بعض دول الجوار، لأن عمليات النزوح تزامن معها توقف أكثر من 90 في المئة من صادرات السودان إلى البلدان التي تعتمد أسواقها بشكل أساسي على السلع السودانية، وأكثرهم تضرراً جنوب السودان من حيث صادرات النفط والغذاء، حيث كانت تلك الدول تستقبل السلع السودانية و الماشية واللحوم وكافة الحبوب والمنتجات الغذائية، علاوة على الصمغ العربي الذي تنتج منه السودان حوالي 80 في المئة من الإنتاج العالمي مما جعلها في المرتبة الأولى منذ سنوات طويلة".
مسؤول سوداني سابق لـ"سبوتنيك": لا تراجع عن الشروط التي وضعتها الحكومة للمشاركة في مفاوضات جنيف
وفي وقت سابق، أكد الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، أن "الحرب في السودان، لم تكن أبدًا خيارًا لقوات الدعم السريع"، مشددًا على التزام قواته بـ"السلام والحكم المدني الديمقراطي بقيادة القوى الديمقراطية الحقيقية من كافة مناطق السودان، وخاصة النساء والشباب والمناطق المهمشة"، بحسب قوله.
وأعرب دقلو، في بيان نشر على حسابه على منصة "إكس" الخميس الماضي، عن ترحيبه بـ"الاهتمام الدولي رفيع المستوى بشأن الأزمة السودانية، والذي تجلى في بيانات صادرة عن اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي والرئيس الأمريكي جو بايدن"، وتعد هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها بايدن، علنًا، عن الوضع الكارثي في السودان، منذ اندلاع الحرب.
وأشار قائد قوات الدعم السريع إلى أن "الحرب كانت خيارًا للقوى التي عرقلت التسوية السياسية، التي كان يمكن أن تجنب البلاد ويلات الحرب".
وتحدث دقلو عن "الجهود التي بذلتها قوات الدعم السريع في سبيل استعادة الحكم المدني وإنهاء الحرب"، مشيرًا إلى "مفاوضات جادة شاركت فيها القوات في جدة والبحرين، تحت رعاية الولايات المتحدة والسعودية والإمارات"، كما أكد أن "غياب القوات المسلحة عن هذه المفاوضات كان إشارة واضحة إلى سيطرة النظام القديم على الجيش"، بحسب قوله.
لماذا تتمسك قوى سياسية بـ"منبر جدة" من أجل وقف الحرب في السودان؟
وأعلن دقلو عن "التزام قوات الدعم السريع بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية في جميع مناطق السودان"، مشيرًا إلى مشاركة قواته في مفاوضات جنيف، حيث "قدمت التزامات إنسانية تهدف إلى تخفيف المعاناة"، كما دعا المجتمع الدولي إلى التحقيق في "القصف الجوي العشوائي، الذي تنفذه القوات المسلحة والذي يستهدف المدنيين والمناطق السكنية"، على حد قوله.
من جهته أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان،الخميس الماضي، أن حكومة الخرطوم منفتحة على جميع الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء الحرب، مشيرًا إلى أنه اطلع على بيان الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي دعا فيه المجلس وحركة الدعم السريع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
وقال البرهان في بيان نشره المجلس: "لقد أطلعنا على البيان الذي أصدره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فخامة جو بايدن، يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024، بشأن الوضع في السودان. وبالنيابة عن الحكومة السودانية والشعب السوداني، أرحب بتعبير الرئيس بايدن عن قلقه وأقدر دعم الولايات المتحدة للجهود الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة. نحن نشاركه القلق البالغ إزاء التكلفة البشرية للصراع الدائر، الذي جلب آلامًا ومصاعب لا حصر لها لشعب السودان".
واشنطن تعلن دعوتها للـ"دعم السريع" وقف الهجوم على مدينة الفاشر السودانية
كان الرئيس الأمريكي قد دعا في بيان نشره البيت الأبيض الثلاثاء الماضي: " المتحاربين المسؤولين عن معاناة السودانيين - القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع - إلى سحب قواتهم، وتسهيل الوصول الإنساني دون عوائق، وإعادة الانخراط في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب".
وأضاف بايدن: "يجب على قوات الدعم السريع أن توقف هجومها الذي يلحق ضررًا غير متناسب بالمدنيين السودانيين. ويجب على القوات المسلحة السودانية أن توقف القصف العشوائي الذي يدمر حياة المدنيين والبنية التحتية. في حين اتخذ الجانبان بعض الخطوات لتحسين الوصول الإنساني، تواصل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تأخير وتعطيل العمليات الإنسانية المنقذة للحياة. يتعين على الطرفين السماح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق السودان".
وأشار بايدن إلى أن "الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة في العالم للمساعدات للشعب السوداني، حيث قدمت أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدات طارئة في العامين الماضيين. وقد حددنا سابقًا أن أفراد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب، وأن أفراد قوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا".
مناقشة