المؤتمر الدولي في باريس جمع تعهدات بمليار دولار للمساعدات الإنسانية والدعم العسكري، حيث خصص 800 مليون دولار بشكل جماعي للمساعدات الإنسانية و200 مليون دولار للجيش، وفقا لما أعلن عنه وزير خارجية فرنسا، جان نويل بارو.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشاركين إلى جلب مساعدة ضخمة لدعم البلاد، ودعا إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل و"حزب الله".
ويقول مراقبون إن المؤتمر خصص مساعدات إنسانية فقط للبنان، فيما لا يمكن اعتبارها حلا اقتصاديًا للأزمة الراهنة، فيما لا يمكنه المساهمة في أي حلول سياسية أو دبلوماسية للحرب القائمة مع إسرائيل.
مساعدات إنسانية فقط
اعتبر أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، أن مخرجات مؤتمر باريس الدولي من أجل لبنان لا تعدو كونها مساعدات إنسانية، لا ترتقي إلى الدعم الاقتصادي، مؤكدًا أن لبنان يستضيف منذ أكثر من 10 سنوات ما يزيد عن مليونين ونصف نازح سوري ولاجئ فلسطيني، وهو بحاجة لمساعدات أكبر بكثير قبل الحرب، لكن المجتمع الغربي وأوروبا تخلت عن لبنان وتركته يعاني وحيدا مع مساعدات بسيطة لا تفي بالغرض.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، العلاقة الوجدانية التي تربط فرنسا بلبنان، تجعل باريس تعتبر نفسها معنية حين يقع لبنان في حرب أو أزمة، لكن السياسة في مكان آخر، ووقف الحرب تملكه واشنطن وليس فرنسا.
وأكد أن الولايات المتحدة تعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط من خلال هذه الحرب، وحمل المبعوث الأمريكي للبنان في زيارته الأخيرة للبنان شروطا بسقوف عالية جدًا، ورفض أن يلتزم لبنان بتطبيق 1701 فقط، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وقال إن القرار لم يعد كافيا، وهذا يعني أن لبنان تحت النار، وعليه أن يرضخ للشروط الإسرائيلية كاملة وإلا يستمر الدمار والمجازر والقتل.
وتابع: "هذا ما شاهدناه بعد الزيارة، بمجرد أن ترك المبعوث الأمريكي بيروت اشتد القصف على لبنان، واستهدفت مناطق لم تستهدف من قبل، كرسالة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث استهدفوا مناطق مرتبطة بشكل مباشر بالحركة السياسية التي يرأسها".
وأوضح أن هناك سقفا عاليا جدا ذهبت إليه أمريكا ولا تملك أي دولة في العالم قرار وقف الحرب أو التأثير على سيرها سوى واشنطن، أما مؤتمر باريس فقط للمساعدات الإنسانية وليس للدعم السياسي أو الاقتصادي، مجرد مساعدات إنسانية تخفف من معاناة الناس التي تركت بيوتها وخسرت كل ما تملكه من أموال.
ويرى أن لبنان متروك وفي حالة يرثى لها، ويعيش في أزمة أبعد من حرب مساندة وعودة المستوطنين للشمال، هناك محاولة لإعادة رسم الشرق الأوسط من خلال هذه الحرب، وهذا يظهر من خلال تدمير منهجي للمناطق الشيعية وفتح باب الهجرة للعراق، وربما نشهد على توطين الفلسطينيين في لبنان ودمج النازحين السوريين كذلك.
ومضى قائلًا: "هناك لعب في ديموغرافيا البلد، وفي وجه لبنان السياسي والحضاري والثقافي وكل ما يمت للبلد بصلة، وليس هناك من أي دور عربي أو إسلامي أو أوروبي أو غربي أو شرقي ينقذ لبنان من هذا الوضع المتأزم".
حلول سياسية غائبة
في السياق، اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي عقد في باريس، مهم بحد ذاته، لأنه أول نشاط ومبادرة دولية لدعم لبنان، برعاية فرنسية، وكانت مشاركة واسعة تشكل دعامة للبنان خاصة في ظل الظروف التي يتعرض لها من حرب وإبادة واغتيالات واعتداءات مستمرة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الاجتماع بحد ذاته مفيد للبنان، لكن له عدة أبعاد، حيث ركز على المساعدات الإنسانية والاجتماعية، لا سميا دعم الجيش، وقد نجح حيث تم جمع مليار دولار، وربما الغرض الأساسي للرئيس الفرنسي توفير الدعم للجيش حتى يقوم بدوره في الجنوب، ويقوم بتنفيذ القرار رقم 1701.
أما فيما يتعلق بأهداف المؤتمر السياسية والدبلوماسية، ومحاولة إيجاد حلول للأزمة الراهنة، يعتقد أبو زيد أن فرنسا وحدها غير قادرة على تنفيذ هذا المطلب، لا سيما مع عدم وجود إجماع أوروبي حول الموقف الفرنسي في هذه المسألة، وعدم وجود تأييد أمريكي حوله، حيث تسعى واشنطن إلى تأمين إنجاز تكون فيه صاحبة الفضل والمبادرة، لذلك لن تشجع وتسهل هذا الموضوع.
وتابع: "فرنسا في المدة الأخيرة كان هناك توتر مع إسرائيل حول بعض المسائل، ومن الطبيعي ألا تشجع إسرائيل هذه المبادرة، حيث تفضل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وغير راضية على الأداء الفرنسي بشكل عام، رغم المواقف المتباينة في فرنسا، وتوفير الدعم لإسرائيل أحيانا دون أن يثنيها ذلك عن دعم لبنان".
ويرى أن المؤتمر نجح من جهة توفير الدعم المالي، ووحد مجموعة من الدول حول موقف مشترك من لبنان، لكن من ناحية إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية لا يمكنه القيام بهذا الدور لوحده، ولا بد من مساهمة الأطراف الأخرى المعنية، معتبرًا أن غياب تمثيل رسمي جيد للولايات المتحدة الأمريكية يظهر أنها لم تكن راضية عن المبادرة، لذلك لن يستطيع أن يوفر مبادرة ناجحة على المستوى السياسي.
وتواصل إسرائيل غاراتها الجوية على أجزاء متفرقة من لبنان، في ذات الوقت الذي يشن فيه "حزب الله" هجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة ضد إسرائيل.
وبداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء تنفيذ عملية برية "محددة الهدف والدقة" في جنوب لبنان، ضد أهداف وبنى تحتية لـ"حزب الله"، في عدد من القرى القريبة من الحدود، بينما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل أكثر من 2400 شخص وإصابة نحو 11 ألفا آخرين منذ بدء القصف الإسرائيلي على لبنان.