هل تنجح مباحثات المبعوث الأممي بين "عدن وصنعاء" في منع الانهيار الكلي للاقتصاد اليمني؟

قبل أكثر من شهرين اتخذ البنك المركزي اليمني في عدن عدة قرارات تقضي بوقف التعامل مع البنوك التي تتخذ من صنعاء مقرا رئيسيا لها، ولكي تتلافى تلك العقوبات عليها نقل تلك المقرات فورا إلى عدن، الأمر الذي لاقى ترحيبا في الجنوب ورفض في صنعاء، وتوصل المبعوث الأممي مع الشرعية إلى اتفاق لتأجيلها لمدة شهرين.
Sputnik
وبعد مرور المدة المتفق عليها، لم يحدث أي نوع من التحسن الاقتصادي وخاصة ما يتعلق بسعر صرف الريال اليمني أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، حيث تجاوز سعر الصرف الـ2000 ريال لكل دولار أمريكي، ومؤخرا قال مسؤول في مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن (بحسب وكالات) أن المشاورات والنقاشات مستمرة مع مسؤولي "البنك المركزي" في صنعاء وعدن، لإيجاد حلول تقنية ومستدامة لتجنب انهيار اقتصادي أعمق، بما فيها تقييم العرض النقدي الأمثل، وتوحيد سعر الصرف في جميع أنحاء البلاد.
تأتي تصريحات مكتب هانس غرونبرغ في وقت تحاول فيه الحكومة اليمنية الشرعية السيطرة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة ووصول سعر الصرف إلى مستويات خطيرة بعد 10 سنوات من الحرب،
وشهدت العملة اليمنية انخفاضا حادا و قياسيا في المحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الشرعية، الأمر الذي يحتم على الحكومة أن تتخذ تدابير عاجلة لاستعادة ثقة المواطنين في الداخل والمجتمع الإقليمي والدولي.
فهل تنجح مباحثات المبعوث الأممي في منع انهيار كلي للاقتصاد اليمني..من خلال المشاورات التي يجريها مع كل من صنعاء وعدن؟
البنك المركزي اليمني يعلن عن مزاد لبيع 30 مليون دولار

قرارات شجاعة

بداية، يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة في جامعة عدن: " منذ قرابة أربعة أشهر مضت، كان البنك المركزي في العاصمة عدن، قد أقدم على اتخاذ مجموعة من القرارات التي عُدت حينها بالشُجاعة، هدفت إلى وضع حد للتصرفات التي تمارسها مليشيات الحوثي والتي زات من حدة الانهيار الاقتصادي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "خلال الأشهر الماضية وتحديدا منتصف شهر يوليو/تموز الماضي وجه المبعوث الأممي رسالة عاجلة إلى قيادة البنك المركزي، يطالب فيها إرجاء تنفيذ القرارات لمدة شهرين، مبررا ذلك بالخوف من الانزلاق في تداعيات وانهيارات اقتصادية أكثر حدة وخطورة،
مؤكدا على أنه سوف يبذل أثناء مدة التأجيل مساعي مكثفة لإنهاء الانقسام المصرفي الحاصل في البلاد، إلى جانب فرض مزيد من الضغوط على مليشيات الحوثي(أنصار الله) لقبول حلول تُنهي الانقسام".
وتابع الشعيبي: "ما حدث بعد ذلك هو الاستجابة من قبل الحكومة الشرعية لمطالب المبعوث الأممي، من خلال التراجع عن تلك القرارات بالكامل التي اتخذت ضد الحوثيين والبنوك العاملة في صنعاء".

تحركات غير ناجحة

وأشار الأكاديمي الجنوبي، إلى أنه "بمقارنة الوضع السابق بالواقع اليوم يمكن القول، إن الضغوطات الأممية، وما قابلها من تنازلات قدمتها الحكومة الشرعية، لم تغير في المشهد شيء، بل إن الواقع اليوم أسوأ بكثير من الأمس، فبعد أن كانت أسعار الصرف تتأرجح عند حدود 1880 ريال مقابل الدولار الواحد، منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، إلا أن سعر الصرف اليوم تخطى حاجز 2050 ريال مقابل الدولار الواحد ، وهذا يظهر الخلل الواضح في الدور الأممي".
الرئاسي اليمني يحذر المجتمع الدولي من تجاهل مساعي الحوثي لـ"تكريس التبعية للنظام الإيراني"
وأشار الشعيبي، إلى أن "المبعوث الأممي لليمن هانس غرونبرغ لم يقم بواجبه والتزاماته التي أتى من أجلها، ولا حتى بالوعود التي قدمها للحد من هذا الانهيار في أسعار الصرف، والدفع لإنهاء الانقسام المصرفي، الذي تسببت به مليشيات الحوثي (أنصار الله) وتمارسه قسرا من خلال فرض سياسة الأمر الواقع في مناطق سيطرتها، والتي طال تداعياتها الوضع الاقتصادي في الجنوب والمناطق المحررة أكثر من الشمال الواقعة تحت سيطرتها".
وشدد الأكاديمي الجنوبي، على أنه "يجب على الأمم المتحدة و مبعوثها الخاص والمجتمع الدولي أن يقوموا بواجبهم الأخلاقي والقانوني أمام كل هذه التداعيات، بعيدا عند المراوغة والتستر، حيث يجب عليهم الوفاء بالتزاماتهم ودعم تنفيذ قراراتهم المتمثلة بدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب ووضع حد للممارسات التي يقومون بها، كما يجب على الأمم المتحدة والمانحين الدوليين الوفاء بتقديم المزيد من الدعم الاقتصادي، في سبيل الحد من استمرار الانهيار الاقتصادي".

ضغوط دولية

وطالب الشعيبي، "المجتمع الدولي بالتدخل في اشكالية تهديدات قطاع إنتاج النفط الخام وشركات النقل، لأجل استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام إلى الخارج، وتوريد قيمة المبيعات إلى خزائن البنك المركزي في العاصمة عدن، وحث الأطراف الدولية للضغط من أجل وقف ممارسات مليشيات الحوثي، ضد التجار والبنوك التجارية في مناطق سيطرتها، إلى جانب دعم تنفيذ القرارات التي كان البنك المركزي قد أصدرها".
القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدميرها 7 طائرات مسيرة بمناطق سيطرة "أنصار الله" في اليمن
وأردف: "أن دعم ومساعدة المجتمع الدولي من أجل تنفيذ القرارات الأخيرة لمركزي عدن، كفيل بأن يجبر الانقلابيين للجلوس على طاولة الحوار، وإنهاء الانقسام المصرفي، حتى إن لم تلوح في الأفق بوادر حل للأزمة السياسية في اليمن، فيجب الضغط على أقل تقدير في سبيل تحييد الاقتصاد عن الصراع، وعدم استخدام النشاط الاقتصادي والمؤسسات التجارية والمالية والمصرفية والعملة المحلية أوراق ضغط لتحقيق أهداف تزيد من أمد الصراع".

نفس السيناريو

ولفت الشعيبي، إلى أنه "يجب على المبعوث الأممي هانس غرونبرغ أن يأتي بمشروع واضح ومحدد الأهداف والإجراءات التي يمكن أن يتقبلها المجتمع والشارع اليمني، لا أن يستمر في نفس السيناريو من تحركات ولقاءات ضبابية غير واضحة الأهداف ولا تفضي إلى حلول جدية.
وأشار الشعيبي، إلى أن استمرار المبعوث الأممي بمثل تلك المشاورات والتحركات المستهلكة والمكررة، لن تغير في الواقع شيء، بل إنها تساعد على تمادي الميليشيات في تصرفاتها، وتفضي إلى المزيد من الانهيار والتدهور الاقتصادي، بعد أن أصبح أكثر من 70 بالمئة من السكان في حالة فقر شديد (تحت خط الفقر)".
البنك المركزي اليمني يحمل "أنصار الله" مسؤولية تدهور الريال ويطالب الإمارات بدعمه

عوامل الانهيار

بدوره يقول الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي: " يجب تعزيز العلاقات الدولية من جانب الحكومة اليمنية الشرعية وتحسين بيئة الاستثمار لجذب المزيد من الدعم المالي والمساعدات، علاوة على تحسين الأوضاع الأمنية والسياسية لتعزيز الثقة الدولية، ودعم الإنتاج وتشجيع الصناعات المحلية للحد من الاعتماد على الواردات، تحسين البنية التحتية للإنتاج الزراعي والصناعي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن هناك الكثير من العوامل التي تسببت في انهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، لذا يجب تلافيها لكي يعود التعافي لسعر الصرف، بأن تعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية، وتفعيل سياسات اقتصادية فعالة و استباقية تركز على استقرار سعر الصرف، تأمين المنشآت النفطية وتعزيز البنية التحتية لحمايتها، و تطوير مصادر إيرادات بديلة لتقليل الاعتماد على النفط، بجانب تحسين إدارة المالية العامة وتعزيز الإيرادات الضريبية و تقليل الإنفاق غير الضروري وترشيد النفقات الحكومية".
ويرى الفودعي: "أن زيادة الطلب على العملات الأجنبية ونقص المعروض منها، يكمن علاجها في تطبيق سياسات نقدية لتقليل الطلب على العملات الأجنبية، تعزيز الثقة بالعملة المحلية من خلال استقرار الاقتصاد، وتعزيز السياسات المالية لتحسين الاحتياطي النقدي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التحويلات المالية من الخارج، بالإضافة إلى تطبيق سياسات نقدية صارمة للتحكم في معدلات التضخم، وتحقيق استقرار سياسي وأمني من خلال حوار وطني شامل، وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد".
مجلس القيادة اليمني يوجه برفع جاهزية الجيش والبقاء في حالة تأهب
وأصدر محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد أحمد غالب، في 2 أبريل/ نيسان الماضي 2024، قرارًا رقم (17) لسنة 2024، بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد حذر قبلها من تداول عملة معدنية جديدة "فئة مائة ريال يمني" أصدرتها "أنصار الله" في مناطق سيطرتها، واصفًا الخطوة بـ "الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني"، معتبراً أن "هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
وأعلن محافظ البنك المركزي اليمني المعين من "أنصار الله"، هاشم إسماعيل، في مؤتمر صحافي في صنعاء نهاية مارس/ آذار الماضي، "إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال في إطار مواجهة مشكلة العملة التالفة"، مشيراً إلى "صك العملة المعدنية وفق أحدث المعايير العالمية"، مؤكداً أن "طرح العملة الجديدة لن يؤثر على أسعار الصرف كونها بديل عن التالف".
وكانت جماعة "أنصار الله" قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قراراً بمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة اليمنية في الخارج لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها، بمبرر أنها دون تأمين نقدي، وتنفذ الجماعة منذ ذلك الحين حملات مصادرة لها في مناطق سيطرتها.
"أنصار الله" تعلن جاهزيتها لاستكمال تبادل الأسرى مع الحكومة اليمنية
وتسبب قرار "أنصار الله" بمنع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة، في إيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية في عدن وصنعاء، وارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى المناطق الخاضعة للجماعة إلى أكثر من 30% من مبلغ الحوالة المالية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الصراع الذي يدخل عامه العاشر.
ووسعت إجراءات "أنصار الله"، تجاه الأوراق النقدية الجديدة، انقسام النظام المصرفي في البلاد منذ قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، في سبتمبر/ أيلول 2016.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
مناقشة