ما حقيقة الدعوات لانفصال إقليم دارفور وإمكانية حدوث ذلك..وهل يتكرر سيناريو الجنوب في الإقليم مع تزايد حدة الصراع وتراجع الآمال في وقف قريب للحرب وما النتائج التي يمكن أن تلحق بالسوداء جراء هذا السيناريو؟
بداية يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني، "إن الحديث يدور حول انفصال إقليم دارفور منذ أول يوم في استقلال السودان وانتهاء اتفاقية الحكم الثنائي البريطاني المصري،و كان هذا الحديث يدور داخل البرلمان السوداني بشدة منذ العام 1954، حين تم تعيين أول قائد عام سوداني للجيش، و كان هذا التعيين بداية الحديث عن حقوق جنوب السودان و دارفور داخل أروقة البرلمان من نواب كل الأقاليم".
الجنوب ودارفور
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "من المعروف أن دارفور هي آخر اقاليم السودان التي تم ضمها إلى حكمدارية الخرطوم عام 1874م بعد سقوط مملكة دارفور على يد الزبير باشا رحمة الله، لكن كانت أزمة جنوب السودان أكثر عمقا و تشغل دوائر الدولة الجديدة، و لم يتم الاهتمام بقضية دارفور و استخدمت المعالجات العاطفية لتطييب الخواطر، و لم تقم الدولة الجديدة بوضع برامج قومية تهدف لخلق شخصية سودانية موحدة حول نظرتها للوطن الكبير الذي يستطيع أن يعيش فيه الجميع بدون تمييز".
وتابع: " لا أعتقد أن الظروف حاليا و حتى لفترة عقدين أو ثلاثة تسمح بإنفصال دارفور، لأن مواطني دارفور ارتبطوا إلى حد ما بدرجة كبيرة بجميع مناطق السودان في الشمال و الوسط و الشرق، و لهم إسهاماتهم في تلك المجتمعات ومن غير الممكن إجراء جراحة لاستئصالهم من أماكن متفرقة من الجسد، بجانب أنهم اندمجوا عرقيا بشكل كبير مع مكونات الشمال والوسط، مما يجعل وضعهم مختلف جدا عن جنوب السودان الذي لم يندمج مواطنه مع بقية مواطني السودان، بل حتى لم يغير ثقافته الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية، وعاش في السودان منذ ضم إقليم خط الاستواء عام 1833م على يد خورشيد باشا و حتى انفصاله عن السودان عام 2011 م بحق تقرير المصير، عاش وانفصل بكامل هويته المختلفة في أهم ركائزها عن إنسان باقي اقاليم السودان".
وأكد المحلل السياسي، "أن الأمر في دارفور يختلف جدا عن جنوب السودان و مستوى التداخل الثقافي و الإثني في دارفور أصبح شديد التعقيد، و يمكن أن يتم الانفصال على أساس من هو داخل السودان يبقى داخله و من هو داخل دارفور يبقى داخلها، وسوف تكون هناك صعوبة أو استحالة أن يتم إعادة كل من تعود أصوله إلى دارفور إلى الإقليم الذي هاجر منه أجداده، و ربما تُعيد هذه الحالة إلى الذاكرة ما حدث منتصف خمسينات القرن العشرين و الانفصال بين مصر و السودان، و الذي لازالت تعاني منه العديد من قبائل ومجتمعات جنوب مصر و شمال السودان، حيث ظل من بمصر مصريا و من في السودان أصبح سودانيا، و يصادف كثيرا أن يحدث هذا داخل الأسرة الواحدة بين أخوين شقيقين".
خطط استعمارية
وأشار علي: إلى أن "هناك إتجاه تقوده دول ذات تاريخ استعماري لتفكيك السودان إلى خمس دول، و قد تم بالفعل فصل جنوب السودان في المرحلة الأولى بنجاح، و سوف تتوالى مراحل التقسيم في السنوات المقبلة إلا إذا استوعب السودانيون الدرس الأخير، وإذا استطاعت خطة التقسيم تحقيق المرحلة الثانية و فصل دارفور، فلن يقف أمامها أي شيء لإستكمال بقية المخطط، وسوف تُكمل الأجيال القادمة حياتها في دول مجاورة و لكنها متنافرة، و بينها العديد من المشاكل الحدودية التي سوف تظل خميرة عكننه كما يحدث الآن بين الدول التي تعرضت لهذه التجربة، و أيضا خلافات سياسية مستمرة".
وقال علي: "من المؤكد أن أي اتفاق لوقف هذه الحرب سوف يتضمن بند تقرير المصير و لكن هذه المره سوف يكون مطلوبا من الطرفين المتقاتلين على الأرجح".
الدعم السريع والانفصال
في المقابل تقول لنا مهدي، السياسية السودانية، "إن إقليم دارفور لن ينفصل عن السودان اليوم ولن ينفصل غداً وعندي أسباب موضوعية لهذا اليقين منها، أن قوات الدعم السريع هي الحاكم والمسيطر الفعلي على إقليم دارفور وحوالي 80 بالمئة من السودان، وهي قوات وحدوية وقومية التوجه وفي الوقت نفسه ذات إرادة وسيادة، بدليل قرارها النافذ بمنع التصدير إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في دارفور وكردفان".
ادعاءات رخيصة
وتابعت مهدي: " في وقت سابق كان الدعم السريع قد أعلن عن تشكيل الإدارات المدنية لإدارة وتنظيم مناطق سيطرته تحت مظلة السودان الواحد الموحد، والإدارات المدنية مشروعة وفق القانون الدولي كأمر واقع في مناطق سيطرة أي منتصر، ورغم خطاب الجهوية والعنصرية من الطرف الآخر الذي يقوده البرهان وكتائب ظله، لكن الدعم السريع يؤكد مراراً وتكراراً أنه لن يسمح بذلك، ففي بيان في مايو/أيار الماضي شدد الدعم على أن (الحديث عن تأسيس دولة منفصلة في دارفور إدعاءات رخيصة ومحاولة لقلب الحقائق في مساعٍ يائسة لتعويض هزائم الجيش، بمزاعم وأحاديث ممجوجة عن دولة متوهمة في مخيلتهم)".
وأشارت السياسية السودانية، إلى أن "رؤية ونضالات مقاتلي قوات الدعم السريع وتضحياتهم الجسام في شتى بقاع الوطن وتبني قضايا التغيير، تؤكد الحرص على وحدة السودان أرضا وشعبا، بجانب إعادة بناء الوطن على أسس من السلام والعدالة والديمقراطية".
وأوضحت مهدي،أن"النسيج الاجتماعي في إقليم دارفور يتكون من قبائل عربية و إفريقية لها جذور ممتدة في دول الجوار، وبالتالي تشكيل دولة في دارفور سيصل بالأزمة إلى أوجها ولن يحلها، والحديث عن انفصال دارفور من جانب البرهان وأنصاره يأتي للهروب من المآزق العسكرية والسياسية الحالية، وتحميل الدعم السريع المسؤولية حول ما يسعون هم لتنفيذه".
صحوة شعبية
من جانبه يقول أيوب خضر، أمين شؤون إقليم دارفور في منظمات المجتمع المدني السودانية: "لا أعتقد أن يتم انفصال إقليم دارفور رغم المساعي الداخلية والخارجية لجعل هذا الأمر واقع، ولكن صحوة الأغلبية من أهل السودان تقف في وجه دعاة الإنفصال".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لا أُخفي عليك أمراً أن حالة التوتر بين مكونات السودان في أصعب أوقاتها، حتى وصلت حد الخطاب العنصري الجهوي العلني بين ساكني الأقاليم، رغم ذلك أرى أن سيناريو انفصال دارفور مستبعد جداً".
أعلنت قيادات أهلية وناشطون من قبيلة الفور بولاية وسط دارفور السودانية، منتصف الشهر الجاري، رفضهم لما أعلنته قوات الدعم السريع بإنشاء "إمارة" جديدة لمجموعة عربية وافدة من دولة أفريقيا الوسطى.
ونقل موقع "سودان تربيون" عن القيادات الشعبية السودانية تحذيرهم من الخطوة التي اتخذتها قوات الدعم السريع، وإحداث تغيير ديموغرافي وتمكين مجموعات بديلة على حساب السكان الأصليين.
جاء ذلك بعدما نشرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مقطع فيديو لاحتفال أقامته مجموعة "أولاد بركة ومبارك" بمناسبة تأسيس الإمارة، وخاطب قائد قطاع وسط دارفور في قوات الدعم السريع، العميد محمد آدم بنجوز، الحضور.
ووصف أحد القيادات الأهلية البارزة في قبيلة الفور بولاية وسط دارفور، تلك الخطوة بأنها احتلال من قبل القبائل العربية لأراضي الفور التاريخية بدعم وحماية من قيادة قوات الدعم السريع، التي قال إنها تسعى جاهدة لتمكين المجموعات المساندة لها.
يُذكر أنه في أغسطس/ آب الماضي، وقّع ممثلون عن قبائل الرزيقات والسلامات والفلاتة بولاية وسط دارفور على إعلان تأييد لقوات الدعم السريع، وتعهدوا بالقتال في صفوفها.
وفي وقت سابق، تمكنت استخبارات القوات المسلحة السودانية، السبت الماضي، بالتعاون مع القوات المشتركة، من ضبط شحنة كبيرة من الأسلحة كانت موجهة لقوات الدعم السريع.
وحسبما أفادت صحيفة "السوداني"، تحتوي الشحنة على أكثر من 10 آلاف قطعة سلاح متنوعة، بالإضافة إلى كميات هائلة من الذخائر للأسلحة المتوسطة والثقيلة.
وفقًا للتقارير الاستخبارية، "انطلقت الشحنة قبل أيام من مدينة بنغازي الليبية، وكانت محملة بواسطة 4 جرارات ضخمة، تم شحنها من قبل شخص ليبي يدعى محمود الشامي، الذي يشرف على هذه العمليات لمصلحة قوات الدعم السريع".
و"كان من المقرر تسليم الشحنة لشخص ينتمي لقبيلة القرعان يدعى عبد الرحمن أردخي، الذي بدوره كان سيقوم بتسليمها لمحمد بخيت دوديه، وهو متمرد من قبيلة المحاميد".
وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.