يرى مراقبون أن ما قاله "هيرش" كشف النقاب عن النوايا الإسرائيلية، الأمر الذي سيزيد من اشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تنذر بانفجار في الضفة الغربية قد يفوق ما حدث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي عشرات المرات نظرا للتداخلات بين المستوطنات والفلسطينيين في الضفة.
ما التداعيات التي يمكن أن تحدث إذا ما أقدمت إسرائيل بالفعل على ضم الضفة الغربية وموقف السلطة الفلسطينية ومردود ذلك على الداخل الإسرائيلي؟
بداية، يقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني: "طبعا تابعنا ردة فعل المعارضة والحكومة الإسرائيلية حول مذكرة الاعتقال التي صدرت من الجنائية الدولية، وكان الرد على المحكمة بإنهاء السلطة واحتلال الضفة الغربية بشكل كبير جدا".
تصريحات مرفوضة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": " ان ما قاله "سيمور هيرش" يترجم بشكل كبير ما يدور في الداخل الإسرائيلي الرسمي من نظرية الحسم والخيارات التي يطرحونها أمام الفلسطينيين، إما الموت أو الرحيل أو أن يعيشوا عبيدا داخل دولة يهودية، وهذه جميعها مرفوضة لدينا، وهم يستعدون خلال الأيام القادمة لضم مناطق كبيرة جدا من الضفة الغربية، خاصة وأن مناطق B تمثل أكثر من 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية".
وتابع الرقب: "حيث إن تلك المناطق والتي كانت تحت السيادة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، أصبحت تحت السيادة الإدارية والأمنية الإسرائيلية، إذا نتحدث عن أكثر من 86 في المئة من الضفة الغربية مناطق (C و B) تحت السيادة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، إضافة إلى مناطق تمثل قرابة (14- 16) بالمئة من الضفة الغربية يقوم الاحتلال بين الفينة والأخرى باقتحامها ودخول مناطق منها والخروج بكل هدوء".
ما قبل الانفجار
وقال أستاذ العلوم السياسية: "نحن نتحدث عن استباحة كل مناطق الضفة الغربية، وحكومة نتنياهو ترغب في ضم مناطق كبيرة جدا، خاصة الكتل الاستيطانية الكبرى لدولة الاحتلال، وبالتالي يحصر الفلسطينيين في منطقة صغيرة، وفي المستقبل سيطرح لهم ترامب كما يتوقع، الحكم الذاتي في مدن متقطعة في الضفة الغربية تقترب من سبع مناطق معزولة عن بعضها البعض".
ولفت الرقب، إلى أن "كل هذه الإجراءات تدفع باتجاه تسخين الضفة الغربية ودفعها باتجاه الانفجار، وأنا لا أعتقد أن الضفة الغربية ستقبل بهذه العربدة من الاحتلال الإسرائيلي ومن مستوطنيه دون أن تحدث طبعا مواجهات مفتوحة، والضفة تتحول إلى قنابل موقوتة ضد الاحتلال في ظل استمرار إهدار حقوق الشعب الفلسطيني والاعتداء على مدنه وقراه".
مسألة معقدة
من جانبه، يقول الدكتور أحمد فؤاد الأكاديمي المصري والخبير في الشؤون الإسرائيلية: "في الواقع القضية الخاصة بضم الضفة الغربية بعد احتلالها، نظرا لأن الاحتلال قائم سواء في المنطقة(B أو C) وهناك قطعان من المستوطنين وميليشيات تابعة لبن غفير، وهناك أيضا جيش الاحتلال الذي يقتحم المخيمات والتجمعات السكنية طوال الوقت هذا الأمر لن يكون بكل الأحوال في صالح إسرائيل".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أما الأمر الخاص باحتمالية احتلال كامل للضفة الغربية أو 60 في المئة منها خلال أسبوعين بحسب ما قاله "سيمور هيرش"، من شأنه أن يشعل الضفة الغربية بل والمنطقة، والضفة الغربية إذا ما انفجرت سيكون انفجارها أخطر من انفجار غزة ومن انفجار 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي ربما بعشر المرات، لأن المناطق الفلسطينية والإسرائيلية متداخلة والمستوطنات ملاصقة لطولكرم وجنين والخليل، ما يجعل من الصعوبة تحصينها وتوقع الهجوم عليها".
"تفكير قاصر"
وتابع فؤاد: "بناء على ما سبق سيكون أمر الحماية للمستوطنات ضاغط بشدة على الرأي العام في الضفة الغربية، بل على السلطة الفلسطينية التي تشعر بحرج شديد من الممارسات في قطاع غزة والجرائم التي ترتكب والمحاولات لاضعافها مستمرة، أعتقد بأن هناك تفكير قاصر فيمن يتحدثون عن ضم الضفة الغربية أو 60 في المئة منها، لأن جيش الاحتلال غير قادر على حماية الحدود الحالية، النازحين من الشمال ومن الجنوب لا يزالون بعيدين عن منازلهم، في نفس الوقت هناك من يحلم بضم المزيد من الأراضي، هذا الأمر تم تجربته فيما سبق وثبت فشله الذريع، حينما كان هناك شريط أمني داخل لبنان وحينما كانت إسرائيل تسيطر على قطاع غزة بالكامل قبل الانسحاب في العام 2005، وقبلها انسحبت من لبنان عام 2000".
وأشار فؤاد، إلى أن "الحديث عن الضم سوف يُحرج الإمارات بشكل خاص، لأنها ربطت اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل مع عدم الضم، الذي كان في البداية جزء من الحملة الانتخابية لنتنياهو وتنازل عنه في مقابل السلام مع الإمارات، أيضا إحراج شديد للأردن، و ستقود الأردن حملة مضادة شديدة ضد مثل هذه التحركات، خاصة ونحن نعلم أن قطاع كبير من السكان في الأردن من أصل فلسطيني، فهذا سيحدث قلاقل على المستوى الإقليمي، وستكون هذه التحركات مرفوضة جملة وتفصيلا، وتدل على الإفلاس لدى حكومة نتنياهو الذي يتهرب من القضية الأساسية باحتلال وضم مزيد من الأراضي وتجاهل محاولات الداخل الإسرائيلي لإجباره على الإفراج عن الأسرى المحتجزين، في صفقة على غرار السبع دفعات السابقة وعلى غرار الصفقات السابقة".
الشركات الاستيطانية
بدوره، حذر أمير داوود، مدير دائرة التوثيق والنشر في "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، من مشروع القانون الإسرائيلي الذي يستهدف السماح لليهود بتملك الأراضي في الضفة الغربية.
وتابع: "نتحدث هنا عن توجهات يجرى الإعداد لها من أجل أن تترك أثرا كبيرا جدا في وضع الفلسطينيين وعلاقاتهم مع الأرض، وكل ما يتعلق بالدولة الفلسطينية في المستقبل".
وأكد أن إسرائيل في السابق كانت تضع شروطا كبيرة على تملك المستوطنين لأي قطع أراضي بالضفة الغربية، وبالكاد كانت تسمح لهم بالتملك، وكان هناك مجموعة من الوسطاء يقفون ما بين عملية تملك الأرض والمستوطنين، مثل الشركات الاستيطانية مجلس الاستيطان والتي كانت تأخذ على عاتقها تملك الأرض في الضفة الغربية.
وقال إن القانون الجديد الذي يجري نقاشه وتم طرحه من قبل مستوطنين بالأساس يفرض أن يتملك المستوطنون الأراضي في الضفة بشكل مباشر من الفلسطينيين، معتبرًا أن إسرائيل تقفز خطوة إلى الأمام في مسألة تطبيع وجود المستوطنين في الأرض الفلسطينية.
وتابع: "ما يجري محاولة اعتبار المستوطنين من السكان الثابتين في الضفة والقدس على عكس السابق، حيث كانوا يخضعون للقانون الإسرائيلي".
قضايا جديدة
وأوضح أن هذا القانون "سيمنح المستوطنين صبغة جديدة متعلقة بسيادة دولة الاحتلال على أراضي الضفة الغربية، وهو خطير جدًا، حيث يتجاوز كل الملاحظات التي طرحتها المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل بأن القانون سيغرق الجيش والمؤسسة الأمنية في قضايا جديدة لا داعي لها".
وأوضح أن اليمين الإسرائيلي لا يلتفت إلى كل هذه الملاحظات ويذهب بجنون نحو هذه الإجراءات، متوقعًا أن يقوم اليمين بتمرير القانون على الرغم من كل الأزمات والمشاكل التي تحيط بإسرائيل من الداخل.
وكشف تقرير أمريكي، الشهر الماضي، أن وزير المال الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، قال في تسريب صوتي له، إن الحكومة الإسرائيلية منخرطة في جهد سري لتغيير الطريقة التي تحكم بها إسرائيل الضفة الغربية.
وفي خضم إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها ضم الضفة الغربية، كشفت تقارير عن تحركات قانونية لشرعنة تملك اليهود في أراضي الضفة الغربية.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن لجنة وزارية إسرائيلية تبحث مشروع قانون يهدف إلى إلغاء قانون أردني قائم لتنظيم هذه المسألة.
ويسمح مشروع القانون الذي تقدم به عضو الكنيست من حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف موشيه سلومون، لليهود بامتلاك الأراضي في الضفة الغربية.
وكانت قد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، يوم الخميس، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وجاء في بيان المحكمة عبر موقعها الرسمي: "أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق شخصين، السيد بنيامين نتنياهو، والسيد يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على الأقل، حتى 20 مايو (أيار) 2024 على الأقل، وهو اليوم الذي قدمت فيه النيابة العامة (للمحكمة) طلبات إصدار مذكرات اعتقال (بحق المذكورين)".
وكان مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، قد طلب في شهر مايو/ أيار الماضي، إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، و3 من قادة "حماس"، قائلا إن "هناك أسبابا معقولة لارتكاب المدعوين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وفي شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، طالب خان بإصدار أمر اعتقال عاجل بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب الانتهاكات في قطاع غزة.