في ظل التصعيد العسكري المستمر من قبل الغرب، تأثرت العديد من الدول الأوروبية على المستوى الاقتصادي بشكل ملحوظ، في ظل توقعات بانعكاسات سلبية كبيرة تطال عدد كبير من الدول الخاضعة للأجندة الأمريكية في معاداة روسيا.
في 13 نوفمبر/ 2024، أكد نائب رئيس مجلس الفيدرالية الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن روسيا أصبحت أقوى واقتصادها أصلب بعد أكثر من عامين ونصف العام على بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
وقال كوساتشوف في مقابلة مع "سبوتنيك"، إنه بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على بداية العملية العسكرية الخاصة، من الواضح تمامًا أن روسيا لا تضعف، بل أصبحت أقوى واقتصادها أصلب، والأهم من ذلك الحفاظ على الاستقرار السياسي للمجتمع الروسي".
ويرى الخبراء أن الدول الأوروبية تحت قيادة واشنطن لم تفلح في حصارها الاقتصادي لروسيا، الذي أرادت من خلاله إلحاق الضرر بالدولة الروسية على جميع المستويات، غير أن موسكو استطاعت تجاوز الحصار، في حين أن التضخم الذي أصاب الاقتصادي الأوروبي ألحق الضرر بعدد من الدول التي تشارك في الحصار بكل أكبر.
تكاليف مرتفعة للغرب
من ناحيته قال الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، إن العقوبات على روسيا والتي فرضها الغرب جاءت بتكاليف مرتفعة عليه، ولا سيما على دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا في ما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في أعقاب تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الصناعات الأوروبية ولا سيما الصناعة الثقيلة والكيماوية، كان لها الحصة الكبيرة من هذا التراجع والضرر، حيث واجهت تحديات كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، ما دفع بعض الشركات لنقل أنشطتها خارج أوروبا ولا سيما منها صناعة السيارات خاصة في ألمانيا.
تضرر صناعات استراتيجية
واستطرد" الصناعات هي صناعات استراتيجية، وبالتالي أي تراجع فيها يمثل تراجع استراتيجي يصعب التعويض فيه لاحقا، كما أن عملية التصحيح والمعالجة تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، خاصة ما يتعلق بصناعة السيارات، والتي تمثل حصة كبيرة من إجمالي الناتج القومي الألماني، الذي يصل إلى حدود 10% كما يصل عدد العاملين به إلى حدود 800000 عامل وفني".
كما تمثل الحصة الأكبر من إجمالي صادرات ألمانيا، وتصل نسبتها إلى 20 % من حجم الصادرات الكلي.
استفادة أمريكية من الأزمة
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، استفادت من زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، بعد أن كانت روسيا تزود أوروبا بحوالي 80 % من حاجاتها من الطاقة والغاز الطبيعي، على وجه الخصوص، حيث تراجعت حركة التصدير إلى أقل من 20 %، فيما وصل حجم صادرات الولايات المتحدة لأوروبا إلى 60 مليار متر مكعب خلال العام 2023، وصلت قيمتها إلى حوالي 55 مليار دولار.
يرى عكوش أن البيانات السابقة أدت إلى ارتفاع في نسب التضخم في العديد من الدول الأوروبية كما وقعت العديد من الاحتجاجات والمظاهرات في بعض البلدان، مثل فرنسا وألمانيا، نتيجة السياسات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة مما اضطر الحكومات الأوروبية إلى تقديم حزم دعم لتخفيف آثار الأزمة، لكنها زادت من الديون العامة، مما قد يفرض ضغوطًا إضافية في المستقبل.
عواقب وخيمة
يشدد عكوش على أن السياسات التي نتجت عن الأزمة لها عواقب كثيرة على المدى الطويل، ومنها ارتفاع الدين العام والضغوط على الطبقات الوسطى والذي قد يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وقد تواجه أوروبا تباطؤًا اقتصاديًا إذا لم يتم إدارة الانتقال لسلاسل توريد جديدة بكفاءة.
في المقابل روسيا تمكنت من الحفاظ على استقرارها المالي إلى حد كبير بفضل عائدات الطاقة العالية وإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق آسيا، خصوصًا الصين والهند، وفق عكوش.
في الخلاصة، يرى عكوش أن المواجهة الاقتصادية بين روسيا والغرب هي معركة استنزاف طويلة الأجل فبينما نجحت روسيا في تخفيف تأثير العقوبات بفضل الأسواق البديلة، فإن الغرب يسعى إلى إعادة ترتيب أولوياته الخاصة بالطاقة.
تحولات غير مسبوقة
فيما قال الخبير الاقتصادي السعودي، محمد بن دليم، " منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية وفرض العقوبات الغربية على روسيا، شهدت الساحة الاقتصادية العالمية تحولات ملحوظة بعثرت الأوراق والحسابات السياسية والطموحات الاقتصادية".
مضيفا في حديثه مع "سبوتنيك" أن العقوبات المفروضة على روسيا أثرت بشكل ملحوظ على الاقتصادات الغربية، خاصة في أوروبا، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي، بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية، وواجه تحديات اقتصادية نتيجة لهذه العقوبات.
يشير بن دليم إلى أن العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين الغرب وروسيا أدت إلى تحديات اقتصادية لكلا الجانبين، بينما تأثرت الاقتصادات الأوروبية بشكل ملحوظ، تمكنت روسيا من التكيف مع الوضع الجديد، مما يشير إلى تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي في ظل هذه التوترات.
وفقًا لتقرير صادر عن البرلمان الأوروبي قبل الأزمة الأوكرانية، كان الاتحاد الأوروبي يرسل 3.7% من إجمالي صادراته من الأغذية الزراعية إلى روسيا، وحوالي 1.4% من وارداته جاءت من ذلك البلد.
الانعكاسات طويلة المدى
يرى بن دليم، أن العقوبات أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية في العديد من الدول الأوروبية، مما أثر على مستوى المعيشة وزاد من معدلات التضخم.
على المدى البعيد، يشير بن دليم إلى أن التحديات تؤدي إلى إعادة تقييم السياسات الاقتصادية الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، في ظل مساعي الدول الأوروبية إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الواردات
في سياق متصل، أكد نائب وزير الخارجية الهندي الأسبق كانوال سيبال، أن العقوبات أداة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجميع، بما في ذلك بلاده.
وقال سيبال، الذي شغل منصب السفير الهندي لدى روسيا سابقا، الأربعاء 20 نوفمبر، إن "الولايات المتحدة فرضت عقوبات على 19 شركة هندية بسبب نقل التكنولوجيا إلى روسيا، وهذا يُعد انتهاكًا لقوانينها الخاصة، حيث يمكنها فرض العقوبات فقط على المواطنين الأمريكيين".
وأشار نائب وزير خارجية الهند الأسبق إلى أن "دول الجنوب تريد أن تنهض ضد الهيمنة الغربية، وأن "بريكس" توفر لهم منصة بديلة لكيفية إدارة العالم والدفع باتجاه إصلاح المؤسسات العالمية".
وعقدت "سبوتنيك"، الأربعاء 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، طاولة مستديرة في العاصمة الهندية نيودلهي، بعنوان "إمكانات دول بريكس: تعزيز التنمية الإنسانية والسياسية والاقتصادية كقوة دافعة لإنشاء نظام عالمي جديد".