في الآونة الأخيرة صرح الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، بأن الانسحاب الفرنسي سيبدأ الشهر الجاري. وكانت فرنسا تحتفظ بقوة عسكرية قوامها نحو 600 عسكري في كوت ديفوار.
وقال واتارا: "لقد قررنا الانسحاب المتفق عليه والمنظم للقوات الفرنسية من كوت ديفوار"، مشيرا إلى أن كتيبة المشاة العسكرية في بورت بويه، التي تُدار من قبل الجيش الفرنسي، سيتم تسليمها إلى القوات الإيفوارية.
في الإطار، قال مستشار رئيس الجمهورية التشادي السابق حسين مسار، إن فرنسا لم يتبق لها أي شيء في أفريقيا، خاصة بعد خروجها من تشاد. وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الهيمنة الفرنسية التي مارستها طوال السنوات الماضية اعتمدت فيها على الغطرسة وفرض مصالحها.
ولفت إلى أن مغادرة فرنسا بقواعدها العسكرية يفتح الباب للتنمية في أفريقيا، خاصة أنها غنية بثرواتها. وأوضح أن الفرص واعدة أمام الدول الأفريقية في العديد من القطاعات، ما يمكن الشعوب الأفريقية من البناء والتعمير والتعاون الاقتصادي بين دول القارة الأفريقية.
من ناحيته قال الأكاديمي والمحلل السياسي، إسماعيل محمد طاهر، إن فرنسا غادرت من نحو 7 دول دول أفريقية، فيما يرتقب أن تخرج من ساحل العاج والسنغال خلال الفترة المقبلة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أنه بالرغم من خروج فرنسا عسكريا، لكنها ترتبط بشكل كبير بالقارة الأفريقية اقتصاديا، حيث تمتلك العديد من الشركات في غرب أفريقيا.
وتابع: "فرنسا لديها الكثير من مراكز الأبحاث والآلة الإعلامية، وكذلك العملاء في عديد من الدول الأفريقية الذين يدعمون بقاءها، فضلا عن العملة التي تتعامل بها العديد من الدول وتطبع في فرنسا".
وأضاف: "هناك الكثير من الجوانب الخاصة بعملية خروج فرنسا، ولا يمكن القول أنها خرجت بشكل كامل من أفريقيا، خاصة في ظل الارتباطات الاقتصادية، والتأثير عبر آلتها الإعلامية، ومؤسساتها الاقتصادية، فضلا عن وجودها في الوسط الثقافي والفكري والصحفي في أفريقيا".
وأشار إلى أن فرنسا تعمل على التخطيط والمؤامرات، ما يعني أنها لم تخرج من أفريقيا، خاصة أنها لديها الكثير من العملاء لتنفيذ أجندتها في أفريقيا.
بعد مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وأفريقيا الوسطى، التحقت السنغال وساحل العاج بركب البلدان الأفريقية التي قرّرت إنهاء الوجود العسكري الفرنسي بها؛ حيث أعلن الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، أن بلاده قررت "الانسحاب المنسق والمنظم للقوات الفرنسية من أراضيها".
بدء الخروج من تشاد
وبدأت فرنسا بالفعل بنقل نحو ألفي جندي فرنسي ومعدات عسكرية خارج تشاد، فيما أعلنت الخارجية التشادية، أن فرنسا نقلت بالفعل سلاحها الجوي وأن المقاتلات الفرنسية غادرت الأراضي التشادية بشكل كامل، ويرتقب أن تغادر فرنسا بشكل كامل بنهاية الشهر الجاري.
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، سحبت باريس آخر جنودها من أفريقيا الوسطى. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، سحبت فرنسا آخر جنودها من النيجر.
كما سبق وأعلن الجيش الفرنسي خروج آخر وحدة عسكرية فرنسية من مالي، في أغسطس/ آب 2022، بعد تسع سنوات على إرسال باريس قواتها إلى هناك.
وفي فبراير/ شباط 2023، أعلنت بوركينا فاسو، انتهاء عمليات القوات الفرنسية على أراضيها، تنفيذا لقرار السلطات البوركينية إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا. فيما طالب أحزاب وقوى سياسية تشادية إنهاء الوجود الفرنسي في البلاد قبل أشهر.
هل تدعم باريس الجماعات الإرهابية؟
في وقت سابق، قال مفوض لجنة حقوق الإنسان في تشاد، العابد مصطفى البشير، إن فرنسا هي صاحبة المصلحة المباشرة من العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت في تشاد.
في يونيو/ حزيران 2024، قتل 20 جنديًا ومدنيا في هجوم إرهابي في منطقة تاسيا جنوبي النيجر. ونقل التلفزيون النيجيري الرسمي عن بيان لوزارة الدفاع أن "مجموعات إرهابية مسلحة هاجمت قوات الأمن والجيش في منطقة تاسيا ما أدى إلى استشهاد 20 عسكريًا ومدني وإصابة تسعة آخرين".
وفي 30 يونيو 2024، لقي ما لا يقل عن 18 شخصا مصرعهم وأُصيب العشرات إثر هجمات انتحارية نفذتها جماعة "بوكو حرام" الإرهابية (المحظورة في روسيا ودول عدة) في مدينة غووزا في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا.
بدأ الاستعمار في الكشف شيئا فشيئا عن مخططاته عام 1664، عقب تأسيسه شركة الهند الشرقية الفرنسية لتتوسّع مناطق نفوذ باريس وتتطوّر من 3.5 ملايين كيلومتر مربع في سبعينيات القرن الـ17، إلى 11.5 مليونا بحلول عشرينيات القرن الـ20.
المجازر الفرنسية في أفريقيا
"مجزرة الثامن من مايو/أيار 1945″، وفيها دمر الجيش الفرنسي 44 قرية جزائرية في 15 يوما، وكانت حصيلتها 45 ألف شهيد جزائري، في حين تذكر بعض الإحصاءات أن العدد وصل إلى 70 ألف شهيد، إضافة إلى اعتقال أكثر من 5 آلاف جزائري، واستمرت الاعتقالات بعد المجزرة بشهور، وأصدرت المحاكم الاستعمارية الفرنسية الآلاف من أحكام الإعدام في أكتوبر من العام نفسه.
التجارب النووية الفرنسية في مدينة رقان الجزائرية الآهلة بالسكان، وكان أول تفجير نووي فرنسي في المنطقة في 13 فبراير/شباط 1960م، عندما أطلقت فرنسا أولى قنابلها هناك، والتي حملت اسم "اليربوع الأزرق"، وهي قنبلة ملوّثة للغاية ضاهت قوتها 4 أضعاف قنبلة هيروشيما، ولا تزال الآثار السلبية لهذه التجارب مستمرة بين الأجيال المتعاقبة لسكان منطقة رقان الجزائرية.
بين 19 أبريل/نيسان و18 يوليو/تموز 1994 كانت فرنسا أكبر الداعمين لحكومة الهوتو الرواندية الحاكمة ضد أقلية التوتسي، من خلال دعمها عسكريا بشحنات من الأسلحة بلغت قيمتها 6 ملايين دولار، كما قدمت البنوك الفرنسية تسهيلات واعتمادات لصفقات أسلحة أبرمتها رواندا مع كل من الصين ومصر وجنوب أفريقيا، رغم علمها بتداعيات قيام المذبحة. وأدت المساعدات العسكرية الفرنسية لزيادة القوات المسلحة الرواندية من نحو 5 آلاف عنصر إلى قرابة 50 ألفا، تكفلت باريس بتدريبهم وتسليحهم.
مجزرة "كبكب" بتشاد، إذ دعا القادة العسكريون الفرنسيون في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 ما يقارب 400 عالم وزعيم محلي مسلم من كافة ربوع تشاد لمناقشة حلول وسطية تتعلق بإدارة البلاد. ودون سابق إنذار تعرض المجتمعون لهجوم مجموعة من المسلحين، بالأسلحة النارية والسواطير، فقتلوا كل المدعوين، ثم وضعت الجثث في حفرة كبيرة بمنطقة أم كامل وعلى إثر تلك المجزرة، استولى الفرنسيون على تشاد بعد أن أزاحت القوات الفرنسية كل مقاومة عسكرية أو ثقافية.
في الخامس من أغسطس/آب 1907 قامت القوات العسكرية الفرنسية بعملية ضد مدينة الدار البيضاء، فقصفت البوارج الحربية الفرنسية شوارع المدينة، مما أدى إلى استشهاد نحو 6 آلاف مغربي من أصل 30 ألف نسمة آنذاك، ودمّرت جميع أحياء المدينة، ما عدا الحي الأوروبي الذي بقي آمنا وسليما نظرا لأنه كان يضم السفارات والقنصليات الأوروبية بالمغرب.
في ليلة 29 إلى 30 يناير/كانون الثاني 1952، وإثر اندلاع المقاومة الوطنية التونسية المسلّحة سنة 1952، ارتكب جيش الاحتلال الفرنسي مجزرة تازركة بولاية نابل التونسية بقيادة جون دوهوت كلوك، وذلك بإخراج رجال القرية من بيوتهم وتجميعهم في بطحاء تحت الحراسة المشددة ثم اقتحم الجنود الفرنسيون البيوت واغتصبوا النساء التونسيات ثم دهسوا الرضع بالسيارات العسكرية والمصفحات الفرنسية.
ورغم استقلال تونس سنة 1956، فإن المجازر الفرنسية لم تتوقف، ففي فبراير/شباط 1958م ارتكبت فرنسا مجزرة "ساقية سيدي يوسف"، حيث كانت الحدود التونسية الجزائرية متنفسا للثورة الجزائرية التي أرهقت الفرنسيين، ومن أجل خنقها وضرب مصادر تمويلها، عمدت فرنسا في الثامن من فبراير/شباط 1958 إلى قصف منطقة سيدي يوسف التونسية، وأسفر الهجوم عن استشهاد نحو 68 بينهم 12 طفلا و9 نساء، إلى جانب 87 جريحا من التونسيين والجزائريين.
مع حلول منتصف ليلة 29 مارس/آذار 1947، اندلعت انتفاضة شعبية في جزيرة مدغشقر، نتيجة الاضطهاد الفرنسي المستمر منذ نهاية القرن الـ19 هناك، وكان التعامل الفرنسي مع تلك الانتفاضة دمويا بشكل خيالي، إذ أعدم الفرنسيون مئات السكان، وعذبوا عشرات الآلاف وأضرمت النار في القرى واستهدف المتظاهرون بالذخيرة الحية، كما اغتالت القوات الفرنسية قيادات الانتفاضة، وألقي عدد منهم من الطائرات لإرهاب المطالبين بالاستقلال وتحطيمهم معنويا.