وحتى 30 يونيو/ حزيران من العام الماضي، أفادت وزارة الصحة في قطاع غزة، بأن حصيلة الحرب بلغت 37,877 قتيلًا.
"واحد من كل 35 غزي"
غير أن الدراسة الجديدة التي استندت إلى بيانات الوزارة، واستطلاع عبر الإنترنت، وبيانات نعي على مواقع التواصل الاجتماعي، خلصت إلى تقديرات تفيد بأن حصيلة الوفيات جراء إصابات الحرب في غزة تراوحت بين 55,298 و78,525 قتيلًا في الفترة تلك.
وأفضل تقدير لحصيلة القتلى في الدراسة هو 64,260، ما يعني أنها تزيد بنسبة 41% عن الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة عن تلك الفترة.
وأشارت الدراسة إلى أن هذا الرقم يمثل 2.9 في المئة من سكان غزة قبل الحرب "أو نحو واحد من كل 35 غزي". وبحسب تقديرات مجموعة الباحثين بقيادة المملكة المتحدة، فإن 59 في المئة من القتلى هم من النساء والأطفال والمسنين.
والعدد يقتصر على الإصابات جراء الحرب، أي لا يشمل الوفيات الناجمة عن عوامل أخرى مثل نقص الرعاية الصحية أو الغذاء، ولا الآلاف من المفقودين الذين يُعتقد أنهم مدفونون تحت الركام.
تقدير "جيد"
استخدم الباحثون نهجًا إحصائيًا يسمى "capture-recapture" سبق أن استُخدم لتقدير عدد القتلى في نزاعات أخرى حول العالم.
واستند التحليل إلى بيانات من ثلاث قوائم مختلفة، الأولى وفّرتها وزارة الصحة في غزة للجثث التي تم التعرف عليها في المستشفيات أو المشارح.
وأُخذت القائمة الثانية من استطلاع عبر الإنترنت أطلقته وزارة الصحة، يُبلغ فيه فلسطينيون عن وفاة أقاربهم.
أما القائمة الثالثة، فاستندت إلى بيانات نعي نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي على غرار "إكس" وغيرها من المواقع المعتمدة، متى أمكن التحقق من هوية المتوفين.
وقالت المعدّة الرئيسية للدراسة، زينة جمال الدين، عالمة الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، في تصريح لوكالة "فرانس برس": "أبقينا فقط في التحليل على أولئك الذين أكد وفاتهم أقرباؤهم أو مشارح أو مستشفيات". ودقّق الباحثون في القوائم الثلاث بحثًا عن أي بيانات متكررة.
وأضافت جمال الدين: "بعدها، نظرنا إلى التداخل بين القوائم الثلاث، وبناءً على التداخل، يمكنك الحصول على تقدير إجمالي للسكان الذين قتلوا".
باتريك بول، عالم الإحصاء في "مجموعة تحليل بيانات حقوق الإنسان" ومقرها الولايات المتحدة، والذي لم يشارك في الدراسة البحثية، استخدم أساليب "capture-recapture" لتقدير عدد قتلى النزاعات في غواتيمالا وكوسوفو والبيرو وكولومبيا.
وقال بول لـ"فرانس برس" إن التقنية التي تم اختبارها على نحو جيد استخدمت لقرون، وإن الباحثين توصلوا إلى "تقدير جيد" فيما يتصل بغزة.
بدوره، قال لـ"فرانس برس"، كيفن ماكونواي، أستاذ الإحصاء التطبيقي في جامعة بريطانيا المفتوحة، إن هناك "حتما عدم يقين كبير" عند إجراء تقديرات استنادًا إلى بيانات غير مكتملة.
لكنه قال إنه "من المثير للإعجاب" أن الباحثين استخدموا ثلاث مقاربات أخرى للتحليل الإحصائي للتحقق من تقديراتهم، مضيفا: "إجمالًا، أجد هذه التقديرات مقنعة على نحو معقول".
مفقودون تحت الركام
وحذر الباحثون من أن قوائم المستشفيات لا تفيد على الدوام بسبب الوفاة، لذلك من الممكن أن تتضمن أشخاصًا يعانون من مشاكل صحية، على غرار النوبة القلبية، ما يمكن أن يؤدي لتقديرات أعلى من الواقع.
مع ذلك، هناك ما من شأنه أن يعزز فرضية أن الحصيلة المعلنة للحرب أقل من الواقع، إذ أن الدراسة البحثية لم تشمل مفقودين.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إنه يُعتقد أن نحو عشرة آلاف مفقود من الغزيين مدفونون تحت الركام.
ويمكن للحرب أيضًا أن تتسبب بطرق غير مباشرة بخسائر في الأرواح، بما في ذلك نقص الرعاية الصحية أو الغذاء أو المياه أو الصرف الصحي أو تفشي الأمراض. وكل هذه العوامل يعاني منها قطاع غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وفي رسالة مثيرة للجدل نُشرت في مجلة "لانسيت"، في يوليو/ تموز، استندت مجموعة أخرى من الباحثين على معدل الوفيات غير المباشرة المسجل في نزاعات أخرى للإشارة إلى أن حصيلة القتلى في غزة يمكن أن تقدر بـ186 ألفًا في نهاية المطاف.
واعتبرت الدراسة الجديدة أن هذه التقديرات "قد تكون غير مناسبة بسبب اختلافات جليّة في عبء الأمراض قبل الحرب" في غزة مقارنة بنزاعات في بلدان على غرار بوروندي وتيمور الشرقية.
وقالت جمال الدين إنها تتوقع أن "يأتي الانتقاد من مختلف الأطراف" حول هذه الدراسة البحثية الجديدة، منددة بما اعتبرته "هوس" المجادلة حول أعداد الوفيات، وقالت: "نحن نعلم بالفعل أن هناك وفيات كثيرة جدًا".
مدار جدل
وحصيلة القتلى في غزة مدار جدل حاد منذ أن شنت إسرائيل حربها ضد قطاع غزة ردًا على الهجوم الذي شنته حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتشكك إسرائيل في مصداقية حصائل القتلى التي تعلنها وزارة الصحة في غزة، إلا أن الأمم المتحدة تعتبر هذه الأرقام موثوقة.
وأمس الخميس، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن 46,006 أشخاص قُتلوا في الحرب المستمرة منذ 15 شهرًا.