وقال الصناعي غسان .ن، أحد أصحاب المعامل الصناعية في ريف دمشق، لوكالة "سبوتنيك"، إنه "خلال الأشهر القليلة الماضية، طرأ ارتفاع كبير على أسعار مادة المازوت في السوق السورية، حيث وصل سعر الليتر الواحد إلى 13 ألف ليرة سورية، مع عدم توفر كميات كافية"، الأمر الذي دفعه لإغلاق أبواب معمله تفاديًا لخسائر كبيرة.
وشرح غسان أن التكلفة التشغيلية اليومية للمعمل، من مواد أولية ورواتب العاملين وتأمين مادة المازوت، لم تعد تغطيها الأرباح الناتجة عن العمل، ما دفعه إلى اتخاذ قرار إغلاق المعمل بشكل كامل تفاديًا لتكبد مزيد من الخسائر، علمًا أن المعمل كان يشغّل نحو 120 عاملًا أصبحوا اليوم دون عمل، بحسب قوله.
وأشار الصناعي السوري إلى أن "المعطيات الاقتصادية على الأرض لا تخدم بيئة العمل إطلاقًا، فالسوق باتت غير منضبطة والمواد المهربة مجهولة المصدر تدخل البلاد بكميات كبيرة دون أي رقابة وبأسعار أقل من المنتج المحلي، نظرًا لعدم خضوعها لأي رسوم جمركية، كما أن مواصفاتها أقل بكثير من مواصفات الصناعة السورية".
من جهته، أكد، محمد. أ، مالك أحد معامل المواد الغذائية في منطقة الشيخ نجار الصناعية في محافظة حلب شمالي سوريا، أن "الواقع الصناعي في سوريا، مهدد بشكل كبير في حال عدم اتخاذ الجهات المعنية إجراءات حقيقية لدعمه".
وأشار محمد إلى أن معمله يحتاج يوميًا إلى نحو 250 ليترًا من مادة المازوت لتشغيله خلال الفترة الصباحية فقط، حيث يتم تأمين المادة من السوق السوداء بسعر يتجاوز 15 ألف ليرة سورية لليتر الواحد.
وطالب الصناعي السوري الجهات المعنية بإيجاد حلول عاجلة لإنقاذ القطاع الصناعي من الانهيار، أولها تأمين مصدر طاقة كهربائية مستقر للمدن الصناعية أو توفير مشتقات نفطية بأسعار معقولة تمكّن الصناعي من تغطية تكاليف الإنتاج وتحقيق هامش ربح مقبول.
وحول الحلول المقترحة للخروج من هذه الأزمة، قال الخبير الاقتصادي هاني إدريس، لـ"سبوتنيك":
وتابع: "الصناعي السوري اليوم أمام معادلة مستحيلة، تكلفة إنتاج باهظة تقابلها قدرة شرائية ضعيفة، وسوق غير منضبطة وبيئة تشغيل غير مستقرة، ما يدفعه، وبشكل منطقي، إلى تعليق نشاطه أو إغلاقه بالكامل لتفادي المزيد من الخسائر".
وأضاف إدريس: "من الناحية الاقتصادية، ارتفاع سعر ليتر المازوت إلى أكثر من 13 ألف ليرة سورية، بل وتجاوزه 15 ألف ليرة في السوق السوداء، يعني أن كلفة الطاقة أصبحت تضاهي أو تتجاوز كلفة المواد الأولية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الصناعات المحلية، والمشكلة لا تقتصر على السعر، بل تتعداها إلى توفر المادة وجودتها، حيث تؤدي النوعية الرديئة إلى أعطال متكررة في المولدات، مما يزيد من النفقات التشغيلية ويقلّص من الإنتاجية".
وأردف: "كما أن دخول كميات كبيرة من السلع المهربة، غالبًا ذات نوعية رديئة وتكلفة إنتاج منخفضة، أوجد منافسة غير عادلة في السوق المحلية، حيث لا تتحمل هذه المنتجات أي أعباء ضريبية أو رقابية، ما يضعف من تنافسية الصناعات السورية ويجعلها عاجزة عن الصمود أمام هذه الموجة".
واقترح إدريس سلسلة من الخطوات العاجلة لمعالجة هذا الموضوع، تبدأ بتأمين مصدر طاقة مستقر للمناطق الصناعية، سواء من خلال خطوط كهربائية خاصة أو عبر تسعير عادل للمحروقات المخصصة للصناعة، كما يجب إعادة النظر في آليات الرقابة الجمركية للحد من دخول البضائع المهربة، إلى جانب إطلاق حوافز إنتاجية وتمويلية تعيد الثقة للصناعي وتمنحه القدرة على الاستمرار.
وختم، قائلا: "باختصار، إن إنقاذ ما تبقى من القطاع الصناعي ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان بقاء الاقتصاد السوري على قيد الحياة، وتوفير الحد الأدنى من فرص العمل والإنتاج في ظل ظروف معيشية تزداد صعوبة يومًا بعد يوم".