هذه المبادرة السلمية، حملت برسائل، تبرز قدرة الشعوب على الفعل والمبادرة.
في هذا الحوار الذي خص به "سبوتنيك"، يكشف نبيل شنوفي، المتحدث باسم القافلة وعضو "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين"، كواليس ما جرى على الطريق، من لحظات التلاحم الشعبي، ومن طموح الوصول إلى غزة، إلى التفكير في نسخة جديدة من "قافلة الصمود".
قافلة الصمود
© Photo / Coordination of common action for Palestine
كيف وُلدت فكرة قافلة الصمود، وما هي الأطراف التي شاركت في تنظيمها؟
فكرة قافلة الصمود وُلدت من رحم الشارع التونسي، وكانت ثمرة للتحركات النضالية والاحتجاجية التي بدأناها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وطيلة فترة الحرب على غزة وإلى اليوم.
التقينا كمواطنين من خلفيات وتيارات وأيديولوجيات مختلفة، لا يعرف بعضنا البعض، لكن جمعنا الصدق في النوايا. ومن خلال تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، إلى جانب أطراف أخرى، قررنا أن نوحّد جهودنا ونبدأ التحضير لهذه القافلة.
بدأنا بعدد بسيط من المشاركين، ولم نكن نتوقع أن تنمو القافلة بهذا الشكل، أو أن ينضم إلينا إخواننا من الجزائر، أو أن نحظى باحتفاء كبير في ليبيا كما حدث لاحقا.
خلال مرورنا بالمدن التونسية، لمسنا حفاوة عظيمة من المواطنين الذين استقبلونا من مختلف جهات الجمهورية، وكان ذلك دافعا معنويا كبيرا.
قافلة الصمود
© Photo / Coordination of common action for Palestine
كيف كان الوضع عند دخولكم إلى الأراضي الليبية؟
عند عبورنا إلى ليبيا، ورغم بعض المخاوف التي عبر عنها البعض بشأن الوضع الأمني هناك، كنا نحن في تنسيقية التنظيم مطمئنين نظرا لتنسيقنا المسبق. وقد صادف دخولنا إلى ليبيا اندلاع اشتباكات مسلحة في بعض المناطق، لكن الشعب الليبي، وخاصة القوى الأمنية في غرب البلاد، اصطفوا لحماية القافلة وتأمينها.
كان الاستقبال يفوق الوصف، الناس على جانبي الطريق يهتفون، يكبّرون، ويصفّقون. قدموا لنا الطعام والمساعدة دون انقطاع، قضينا ليلتنا الأولى في بلدة جوددائم قرب الزاوية، وهناك أيضا وجدنا كرما وترحابا غير مسبوق، ثم توجهنا إلى الزاوية وطرابلس، وكان الاستقبال شعبيا وحارا، مرورا بزليطن ومصراتة جميع المدن التي عبرناها عاملتنا كأننا ملوك، بكرم وتواضع كبيرين.
الوفد الجزائري الذي انضم إلينا كان ممتنا جدا، وعبّر عن شكره الكبير لتونس على هذه المبادرة، وقد انضوى كليا تحت تنظيم القافلة، وكانت هذه نقطة فارقة ومؤثرة في مسار الرحلة، حيث شعرنا بأننا نبني تضامنا مغاربيا شعبيا فعليا.
قافلة الصمود
© Photo / Coordination of common action for Palestine
كيف تم اتخاذ قرار العودة إلى تونس؟
لم يكن هناك قرار حاسم وفوري بالعودة، بل تطور الأمر تدريجيا، وقررنا التراجع، تحت حماية الإخوة الليبيين هناك.
كيف كان استقبال القافلة عند عودتها إلى الأراضي التونسية؟
كما كان متوقعا، بل وأكثر من المتوقع، كان الاستقبال الشعبي حاشدا في مدن بن قردان وقابس، وواصل ذروته في صفاقس التي قررنا المرور بها رغم التعب.
فضّلنا دخول المدن الداخلية التي كانت تنتظرنا بشغف، وتقديرا لأهلها الذين دعمونا منذ البداية، ثم وصلنا إلى العاصمة، حيث احتشد مئات المواطنين في شارع الحبيب بورقيبة رغم تأخر الوقت، حاملين الشعارات، ومتابعين خطاباتنا حتى آخر لحظة.
هذا الاستقبال العفوي يعكس حالة العطش الشعبي لمبادرة حقيقية، تخرج عن النمط التقليدي، وتعيد للناس الإيمان بقدرة الشعوب على التحرك الميداني من أجل كسر الحصار عن غزة.
الكثير من الناس كانوا يعيشون حالة من الفراغ ويعتقدون أن المظاهرات وحملات المقاطعة لا تكفي، فجاءت هذه القافلة لتمنحهم أملا جديدا، وتقول لهم: لم يمت الأمل، والشعوب العربية قادرة على الفعل، وغزة لن تتحرر إلا بتكاتفنا.
هل تعتقدون أن قافلة الصمود حققت أهدافها رغم عدم وصولها إلى غزة؟
نعم، أستطيع القول إن القافلة حققت أهدافا تفوق تلك التي رسمناها عند انطلاقها، لقد نجحنا، دون تخطيط مسبق، في توحيد شعوب ثلاث دول مغاربية هي تونس والجزائر وليبيا، وكان ذلك إنجازًا كبيرًا لم يكن ضمن حساباتنا.
الاستقبال الحار من الأشقاء الليبيين والجزائريين، واندماج الوفود داخل تنظيم موحد، أظهر أن الشعوب قادرة على تجاوز الخلافات السياسية والاصطفاف خلف قضية عادلة.
صحيح أن الهدف الأسمى كان الوصول إلى معبر رفح والاعتصام عند مشارف غزة، لإيصال رسالة إلى العالم مفادها أن غزة ليست بعيدة، لكننا نعتقد أننا أنجزنا جزءًا كبيرا من هذا الهدف، لقد أثبتنا أننا قادرون على التحرك نحو غزة في أية لحظة، وأن الشعوب العربية ليست غائبة، بل قادرة على المبادرة وكسر الجمود.
ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الشعوب العربية بعد هذه التجربة؟
رسالتي إلى الشعوب فكّروا خارج الصندوق، قافلة الصمود انطلقت من تونس، لكن يمكن أن تنطلق مبادرات أقوى من مبادرتنا وأكثر تأثيرا.
لذلك، أقول للشعوب العربية: تحركوا في إطار القانون، وأطلقوا مبادرات جديدة. نحن لا نحمل سوى قضية إنسانية عادلة.
هل هناك تفكير في تنظيم نسخة ثانية من قافلة الصمود؟ وما هي أبرز النقائص التي تسعون إلى تداركها؟
نعم قافلة الصمود الثانية قادمة، وقريبا، هناك مجموعة من الأفكار المطروحة حاليا، وسنجري في الأثناء عملية نقد ذاتي سريعة، للوقوف على النقائص، وتقييم ما تحقق وما كان يجب أن يتحقق. النسخة الثانية من القافلة سيُكشف عن طبيعتها وتفاصيلها في الوقت المناسب، لكن الاستعدادات بدأت.
نحن مجموعة مدنية، لا نملك دعما ماليا ولا تقف خلفنا منظمات ضخمة، ومع ذلك، قمنا بكل ما في وسعنا، ما ينقصنا بالأساس هو المدد الشعبي المواكب منذ البداية، إذ لاحظنا أن البعض تردد في دعم الفكرة، ثم عاد وآمن بها لاحقا، كما نفتقر إلى الغطاء الدولي من مبادرات مماثلة مثل أسطول الحرية، الذي يمكن أن يوفر زخما أكبر، ويفتح لنا منافذ عبور كانت مغلقة.
أجرت الحوار: مريم جمال