ومع تصاعد الأصوات الرافضة من داخل مجلس النواب، يتبلور موقف عراقي حاسم يرفض التفريط بأي شبر من المياه الإقليمية، ويؤكد أن خور عبد الله ليس مجرد ممر بحري، بل شريان سيادي لا يقبل المساومة، وسط جمع تواقيع نيابية مع استمرار الضغط الشعبي بشأن القضية.
خور عبد الله هو ممر مائي يقع شمال الخليج العربي، بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية، وظل موضع جدل سياسي وقانوني بين العراق والكويت منذ ترسيم الحدود بعد حرب الخليج الثانية.
وبعد اجتياح العراق للكويت في العام 1990، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات أبرزها القرار 833 لعام 1993، الذي اعتمد نتائج لجنة ترسيم الحدود واعتبرها نهائية وملزمة، وشمل ذلك خور عبد الله كمياه حدودية مشتركة تتطلب اتفاقاً لتنظيم استخدامها.
على الصعيد المحلي، أقر العراق تلك القرارات رسميا، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل عدة قرارات في 1991 و1994 تعترف بترسيم الحدود، وتؤكد التزامه بالقرارات الدولية.
رفض نيابي لاتفاقية عبد الله
يذكر أن وسائل إعلام كويتية قد أفادت، في منتصف نيسان/أبريل الماضي، بأن رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد تقدما بطعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية العليا، طعنا بقرارها الذي قضى بإبطال القانون رقم 42 لسنة 2013، المتعلق بتصديق الاتفاقية بين العراق والكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله.
وطالب الطعنان المحكمة بإعادة النظر في قرارها والعدول عنه، مع التأكيد على أهمية إعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين.
وتؤكد عضو مجلس النواب العراقي، ضحى الصغير، رفضها القاطع لما يعرف بـ "اتفاقية عبد الله"، مشددة على ضرورة إعادة النظر في مضمونها جملة وتفصيلاً، في حال تم طرحها مجددًا.
وفي حديث لـ "سبوتنيك"، تضيف الصغير أن "الاتفاقية بشكلها الحالي تغيب الحقوق المشروعة، وتهدد الاستحقاقات الوطنية في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى أي مورد يسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين".
وتشير إلى أن "ما عرف عن هذه الاتفاقية من تفاصيل وأسعار وتنازلات لا يتناسب بأي حال مع مصلحة العراق، وهي لا تعدو كونها وصفة مشبوهة تبناها أو يسعى لتبنيها بعض الأطراف التي تفتقر إلى الغيرة الوطنية، وتتناقض أفعالها مع تطلعات الشعب"، مؤكدة أن "الوطنيين الحقيقيين من أصحاب الأصوات الحرة والمواقف الراسخة سيبقون السد المنيع في وجه أي محاولة للنيل من حقوق العراق".
وفي الرابع من أيلول/سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكما يقضي بعدم دستورية القانون رقم 42 لسنة 2013، الذي يتضمن تصديق الاتفاقية المبرمة بين حكومتي جمهورية العراق ودولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله.
وجاء في بيان مقتضب للمحكمة، أن القرار استند إلى مخالفة القانون المذكور لأحكام المادة (61/رابعا) من الدستور العراقي، التي تنص على أن "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
خور عبد الله عراقي والسيادة "خط أحمر"
في المقابل، يقول عضو مجلس النواب العراقي، باسم الغرابي، في حيدث لـ "سبوتنيك"، إن "موضوع خور عبد الله أصبح اليوم، محور اهتمام كبير داخل البرلمان"، مبيناً أن "الخور عراقي بالكامل، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التهاون في السيادة الوطنية عليه".
ووفقا لحديث الغرابي، فإن خور عبد الله يمثل منفذا استراتيجيا وحيويا للعراق، لا سيما في ما يتعلق بعمليات استيراد وتصدير البضائع والنفط، وبالتالي فإن الحفاظ عليه يمثل أولوية وطنية قصوى، مشيراً إلى أن "الأجواء داخل مجلس النواب اليوم عكست إجماعا وطنيا على رفض أي حديث يشكك في عروبة خور عبدالله، ومن يروج لغير ذلك يمثل صوتا نشازا لا يعبر عن إرادة الشعب العراقي".
ويضيف الغرابي: "نحن نرفض العودة إلى الاتفاقيات السابقة التي أبرمت بين العراق والكويت بشأن الخور، ونطالب بفتح مفاوضات جديدة تحفظ السيادة العراقية الكاملة على هذا الممر البحري المهم"، مؤكدا أن "المواقف الشعبية، والتظاهرات، والضغط الجماهيري، والحناجر التي صدحت بالحق، أسهمت بشكل كبير في منع تمرير أي اتفاق يضعف موقف العراق".
في عام 2019، تقدّم العراق بشكوى إلى الأمم المتحدة احتجاجا على قيام الكويت بإنشاء منصة بحرية في منطقة "فشت العيج"، التي تعتبرها الكويت جزءا من أراضيها، بينما ترى بغداد أن الخطوة تمثل تغييرا في الحدود البحرية قبل الانتهاء من ترسيمها. وفي عام 2020، وجه العراق رسالة إلى الأمم المتحدة عبر فيها عن رغبته في تعديل حدوده البحرية مع الكويت، مشيرا إلى محدودية منافذه البحرية.
جمع أكثر من 120 توقيعا نيابيا لرفض الاتفاقية
إلى ذلك، يقول عضو مجلس النواب العراقي، محمد نوري، إن" خور عبد الله يمثل الرئة البحرية الوحيدة للعراق، وهو ما يجعله ذا أهمية استراتيجية قصوى لا يمكن التفريط بها"، مشيرا إلى "وجود موقف نيابي وشعبي واسع لرفض أي اتفاقية تمس بسيادة العراق على هذا الممر البحري الحيوي".
ويرى نوري، خلال حديث لـ "سبوتنيك"، أن "الخور واضح الانتماء منذ الأزل، واليوم استطعنا جمع أكثر من 120 توقيعا نيابيا للمضي قدما نحو رفض اتفاقية خور عبدالله والمطالبة بإلغائها نهائيا"، مضيفا: "قرار المحكمة الاتحادية، وقرار مجلس الأمن، والاتفاقيات التي أُبرمت في ظل النظام السابق، يجب إعادة النظر فيها بما ينسجم مع السيادة العراقية ومصالح البلاد".
ويتابع حديثه بالقول إن "هناك إجماعا داخل مجلس النواب على ضرورة إثبات الموقف الوطني الرافض لهذه الاتفاقية، وإن مجلس النواب بكل مكوناته يقف اليوم بحزم ضد تمريرها"، مشيرا إلى أنه "في حال تم الإصرار على المضي بها، فإننا سنشهد ردة فعل شعبية واسعة من الشارع العراقي، إلى جانب موقف نيابي أكثر حدة".
ووفقا لموسوعة بريتانيكا، يمتد خور عبد الله داخل الأراضي العراقية ليتحول إلى خور الزبير، الذي يقع عليه ميناء أم قصر، ويرتبط من جهته الشمالية الغربية بقناة تصل إلى نظام نهري دجلة والفرات. ويشكل خور عبد الله الحد الفاصل بين الساحل الشمالي الشرقي لجزيرتي بوبيان ووربة، اللتين تعدان جزءا من الأراضي الكويتية.