وفي مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية، اضطر ماجد ياسين للنزوح مع عائلته تحت تهديد السلاح، بعدما منح الجيش الإسرائيلي مدة 20 دقيقة لخروج العائلة من المنزل، فكان النزوح دون أمتعة وعلى غير هدى، ومن منطقة لأخرى حاول ياسين إيجاد مأوى لعائلته، لكن المنطقة باتت تكتظ بالنازحين، حتى وجد داخل كنيسة الروم في طولكرم مكانا يعيش فيه مع عائلته على أمل العودة إلى منزله في المخيم.
وتصف شهادات النازحين شمالي الضفة الغربية وضعهم الأليم، حيث يضطرون لترك بيوتهم، وحتى أمتعتهم ووثائقهم تبقى في منازلهم، وقد تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية بنزوح
وتهجير 40 ألف فلسطيني من بيوتهم وبلداتهم في الضفة الغربية، وتسير تلك العملية ببطء تدريجي لا يظهر مدى خطورتها، ويضطر معظم النازحين للجوء إلى منازل أقاربهم، أواستئجار منزل وتحمل سعره المرتفع، أو النزوح إلى أماكن العبادة مثل المساجد والكنائس، أو حتى المدارس والمراكز الثقافية، ومراكز الإيواء التي توفر لهم.
ويضيف ياسين: "لضيق المساحة قسمت عائلتي، أنا وأولادي هنا في الكنيسة، وزوجتي وبناتي في مكان آخر في طولكرم، ونلتقي كل بضعة أيام ولساعات فقط ثم نفترق مجددا، وهنا قدمت لنا الكنيسة ما نحتاجه، ويسمح لنا باستقبال الزوار، ولنا مساحة بجانب الكنيسة، ويتوفر داخل هذه الغرفة
معظم المستلزمات التي نحتاجها".
ويوجد في مدينة طولكرم كنيسة واحدة للروم الأرثوذكس، بنيت عام 1830، وتقع في
البلدة القديمة وسط مدينة طولكرم، وبالرغم من صغر المساحة وعدم توفر غرف عديدة، إلا أن القائمين على الكنيسة يشاركون في تقديم المساعدة للنازحين ضمن الإمكانيات المتاحة.
ويشير داوود متري إلى أن "الكنيسة لا تحتوي على أقسام عديدة وغرف كثيرة، ولكن ما يوجد من مساحة يتم توفيره للعائلات النازحة، ضمن حالة من
التضامن بين جميع الفلسطينيين لمواجهة خطط التهجير".
ويضيف متري: "لقد وافقنا على طلب النازح من طولكرم ماجد ياسين، وقدمنا مكان له ولعائلته كي يعيشوا فيه، وحاولنا ضمن إمكانيتنا توفير الاحتياجات الضرورية، ومنذ أشهر يعيش ياسين هنا داخل الكنيسة، وهذا الوقت منحني فرصة للتعرف على إنسان رائع، ويقوم ماجد بأعمال ترتيب ويهتم بساحة الكنيسة، ويقدم ما يستطيعه من رعاية للمكان الذي يعيش فيه".
ويعكف النازح ياسين على العمل داخل الكنيسة وترتيب ساحتها ورعايتها، ويأمل أن تجتمع عائلته مجددا، وينتظر بفارغ الصبر لحظة العودة إلى مخيم طولكرم، بالرغم من حالة المخيم ووضع منزله الذي لا يصلح للسكن، بسبب عميات الهدم الإسرائيلية التي طالت أحياء وأبينة وشوارع المخيم.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا): "الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات تدمير شمالي الضفة الغربية، ويجبر المواطنين على النزوح القسري من مناطقهم"، مؤكدةً أن "مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس قد تم إخلاؤها ومنع سكانها من العودة إليها".
وأشارت وكالة "أونروا" إلى أن عنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات أديا إلى تهجير الفلسطينيين قسرا عن أراضيهم، محذرة من أن هذه الممارسات تمهد الطريق لعمليات الضم، وأضافت: "القوانين الإسرائيلية المناهضة للوكالة أسفرت عن إغلاق مدارس تابعة للأمم المتحدة داخل الضفة الغربية، وأدت إلى طرد موظفين دوليين من عملهم".
ومنذ بداية العام الماضي، يشنّ الجيش الإسرائيلي
عملية عسكرية واسعة شمالي الضفة الغربية، حيث قامت قواته بهجمات واسعة النطاق على مدينة جنين، مستهدفةً أحياء سكنية بالكامل، ثم توسعت عملياته العسكرية في طولكرم وطوباس شمالي الضفة الغربية.