السودان...لماذا تراجع "البرهان" عن مواقفه السابقة بشأن أمريكا والرباعية بعد زيارته للسعودية؟

أثارت تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، التي رحب فيها بالتعاون مع الرئيس الأمريكي ترامب ومبادرة الرباعية، عقب زيارته للرياض، ردود فعل كثيرة حول أسباب التراجع عن المواقف التي أعلنها أكثر من مرة أمام الجيش والقوى المدنية المساندة له.
Sputnik
يرى مراقبون أن الزيارة الأخيرة التي قام بها البرهان إلى المملكة العربية السعودية لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان الملف السوداني أحد ملفات تلك الزيارة، وتحدث بن سلمان وترامب على ضرورة وقف الحرب، في نفس التوقيت شكر البرهان ولي العهد السعودي على الاهتمام، من هنا بدأ الترتيب للزيارة التي قام بها البرهان للرياض والتي التقى خلالها مسعد بولس مستشار ترامب.
لكن تدور التحليلات الآن حول موقف البرهان من التيار الإسلامي المساند والداعم للجيش منذ بداية الحرب، وإمكانية أن يقبل البرهان المطالب الأمريكية والإقليمية والدخول في مواجهة سياسية مع الإسلاميين الأمر الذي قد يشعل صراعا جديدا وإن لم يكن عسكريا ستكون نهايته ليست في صالح البرهان، نظرا لقلة خبرته السياسية مقارنة بـ قادة هذا التيار المتمرسين منذ عقود.
ويبرز التساؤل هنا... ما الأسباب الحقيقية وراء تراجع البرهان عن مواقفه السابقة تجاه أمريكا والرباعية بعد زيارته الأخيرة للرياض؟
البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان

تراجع البرهان

بداية يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، إن ترحيب البرهان بالتعاون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل وقف الحرب، هو تراجع عن موقف سابق كان قد أعلنه أمام قيادات الجيش السوداني، حيث أعلن وقتها رفض التعامل مع المبعوث الأمريكي أو مستشاره مسعد بولس، كما رفض أيضا التعاون مع الرباعية الدولية وما نتج عنها من توصيات.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، يبدو أن زيارة البرهان للملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان، كان وراء تغيير عبد الفتاح البرهان لموقفه السابقة وترحيبه بالانخراط في جهود الرباعية.

وتابع ميرغني أن البرهان اجتمع خلال زيارته للرياض بمبعوث الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، الأمر الذي تلاه كان التراجع عن مواقفه السابقة.

وفيما يتعلق بالتيار الإسلامي الرافض للتعاون مع الرباعية ومستشار ترامب، يقول ميرغني: "فيما يتعلق بهذا الأمر يبدو أن حسابات البرهان الآن تتعلق بالجزء الأول من مبادرة الرباعية والمتعلق بالهدنة الإنسانية، والجزء المتعلق بالعملية السياسية والذي يبدأ وفق خطة الرباعية بعد ثلاثة أشهر من الهدنة، في اعتقادي أن البرهان لم يضع في الاعتبار حتى الآن أنه يتعامل مع الشق السياسي في المبادرة التي طرحتها الرباعية".
واستطرد: "البرهان قبل زيارته للسعودية ولقاء الأمير محمد بن سلمان حاول إعطاء ايحاءات بأنه ينفذ مطالب الرباعية عن طريق إصدار قرارات بإزاحة بعض قيادات الجيش من الإسلاميين، لكن اعتقد حتى الآن سياسة واضحة تجاه الإسلاميين بصفة عامة والمتواجدين في مفاصل الدولة بصورة كبيرة ويسيطرون على قرار الدولة".
هل تقدم السعودية "خطة جديدة" للسلام في السودان بعد زيارة البرهان إلى الرياض؟

المواجهة مع الإسلاميين

وأكد ميرغني: "في اعتقادي أن أي قرار من البرهان بالدخول في مواجهة مع الإسلاميين مؤجل لاعتبارات كثيرة تتعلق بانشغاله بالحرب وخشيته من عدم القدرة على مواجهة معركة مزدوجة مع الدعم السريع والإسلاميين في نفس الوقت".
وأشار الكاتب والمحلل السوداني: "في حال قرر البرهان مواجهة التيار الإسلامي في البلاد، لا أتوقع أن تكون هناك انقسامات وانشقاقات على المستوى العسكري أو الجيش السوداني، نظرا لأن الجيش وحدة متماسكة قوية طوال تاريخه ولا ينشق على قائده أو على نفسه، لكن ما يمكن أن يحدث هو أن يكون هناك صراع سياسي بين البرهان والإسلاميين، وإذا حدثت تلك المواجهة فإن قدرة البرهان على المناورة مع الإسلاميين ضيقة جدا، نظرا لأن خبراته السياسية متواضعة جدا، كما أنه لا يمتلك ظهير سياسي يعتمد عليه أو يسانده".
ولفت ميرغني إلى أن خيارات البرهان في مواجهة الإسلاميين إذا حدث ذلك ستكون صعبة جدا، إلا إذا استطاع أن يستعين بقوة تكنو قراط تستطيع مساندته كقائد للجيش ورئيس لمجلس السيادة كي يبقى بعد ذلك في المشهد السياسي، لكن في أغلب الظن إذا دخل البرهان في صراع سياسي مع الإسلاميين ستكون المعركة غير متكافئة ولصالح الإسلاميين.
"الحركة الشعبية لتحرير السودان" لـ"سبوتنيك": زيارة البرهان للسعودية قد تكسر جمود المفاوضات

رسالة للرياض

من جانبه يقول أبي عز الدين، المدير الأسبق لإدارة الإعلام في الرئاسة السودانية، إن قضية السودان ليست بين التيار الإسلامي والتيار العلماني على الإطلاق، بل إن أبرز حركات الكفاح المسلح التي تقاتل في صف الجيش هي حركات علمانية وكانت تقاتل البشير فيما مضى لإقامة نظام علماني، حين كان المتمرد حميدتي جزءا من نظام الإنقاذ في عهد البشير.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "ما يحدث هو محاولة تضليل من بعض مرتزقة الحرب والمستفيدين منها وتصويرها للممول بأن تمرد حميدتي على الجيش، كان لمقاتلة التيار اليميني الذي تعاديه إحدى دول الخليج، في حين أن الإمارات كمثال كانت على علاقة ممتازة مع النظام السوداني في عهد البشير، بل إن محمد بن زايد كان يشيد علنا بوقوف البشير ونظامه معه، مما ينفي مبررات تمرد الميليشيا وداعميها".
وتابع عز الدين: "أما بالنسبة لترحيب البرهان بتدخل محمد بن سلمان و ترامب ووزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، فهي رسالة بقبول السودان لوساطة السعودية وأمريكا من خارج القارة الأفريقية، بالإضافة لمصر بالطبع داخل أفريقيا، هذا مع وجود تيارات سودانية تطالب بإضافة روسيا أو الصين لمعادلة كفة التوازن الدولي في المبادرة، وإضافة الجزائر وأريتريا من داخل القارة الأفريقية".
مصر وأمريكا تؤكدان رفضهما أي محاولات تستهدف تقسيم السودان أو الإضرار باستقراره

خيارات الجيش والشعب

وأشار عز الدين إلى أن مطالب التيار الوطني بإيقاف الحرب تتحدث عن وقف الحرب بناء على محاسبة المجرمين والمليشيا الإرهابية، وليس مكافأة الإرهاب بجعله مجددا جزءا من منظومة الحكم وتقاسم السلطة، بدون حساب.
ولفت المسؤول السابق إلى أن الترحيب السوداني بالدور الأمريكي مع استثناء أدوار المبعوث مسعد بولس المنحازة ضد خيارات الجيش والشعب السوداني، ازداد بعد تنصل وزارة الخارجية الأمريكية من تحركات ممثل البيت الأبيض مسعد بولس، وبعد اعتراف دونالد ترامب بأنه لم يكن يعرف حقيقة ما يدور في السودان إلا عقب لقائه بالأمير محمد بن سلمان.

واختتم بالقول: "إن إحدى أبرز مكونات التيار اليميني وهي الحركة الإسلامية السودانية، كانت قد أصدرت بيانا ترحيبيا بلقاء سلمان-ترامب، ومخرجاته، مطالبة بتنفيذ مقررات منبر جدة".

أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان استعداده للعمل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد.
جاءت تصريحات البرهان في بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية في ختام زيارة رسمية له إلى الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب ماذكرت وسائل إعلام غربية.
وأكد البرهان "حرص السودان على العمل مع الرئيس ترامب، ووزير خارجيته ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان مسعد بولس"، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي أبريل/ نيسان عام 2023، اندلعت اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، حيث يحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم لإطلاق النار.
وخرجت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، إلى العلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكوّن العسكري، الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
واتهم دقلو الجيش السوداني بـ"التخطيط للبقاء في الحكم وعدم تسليم السلطة للمدنيين"، بعد مطالبات الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لواء القوات المسلحة، بينما اعتبر الجيش تحركات قوات الدعم السريع، "تمردًا ضد الدولة".
وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص بعضهم إلى دول الجوار، كما تسببت بأزمة إنسانية تعد من الأسوأ في العالم، بحسب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
مناقشة