بين التفاؤل والتشكيك.. هل ينجح "الحوار المهيكل" في إنقاذ المسار السياسي الليبي؟

بعد سنوات من الانقسام السياسي وتعثر المسارات الحوارية المتعاقبة، أُطلق "الحوار المهيكل" رسميًا في ليبيا، برعاية بعثة الأمم المتحدة، في محاولة جديدة لكسر حالة الجمود، التي تخيّم على المشهد الليبي.
Sputnik
ويأتي هذا المسار وسط آمال حذرة بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، مقابل مخاوف متزايدة من أن يتحول إلى حلقة جديدة في سلسلة مبادرات لم تُترجم سابقًا إلى نتائج ملموسة.
وبين التفاؤل والتشكيك، يبرز تساؤل جوهري: هل يشكّل "الحوار المهيكل" فرصة حقيقية لإنقاذ المسار السياسي الليبي أم أنه مجرد إعادة تدوير للأزمة بمسميات جديد؟
هانا تيتيه أمام مجلس الأمن: تأخير تنفيذ خارطة الطريق يهدد المسار السياسي في ليبيا
إطالة الأزمة

يرى المحلل السياسي الليبي نصر الله السعيطي، أن "الحوار المُهيكل، الذي انطلق فعليًا في ليبيا، لا يختلف في جوهره عن المسارات السابقة، وإنما يختلف فقط في الآليات، بينما يتشابه معها في المضمون والنتائج"، معتبرًا أنه "يساهم في إطالة أمد الأزمة ولا يلبّي تطلعات الشعب الليبي".

وأوضح السعيطي، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "البعثة الأممية أعلنت عزمها إحالة مخرجات هذا الحوار إلى المؤسسات الليبية، دون توضيح ماهية هذه المؤسسات أو طبيعتها"، متسائلًا عن "مدى استقلالية القرار في ظل التأثير الواضح للأطراف الخارجية، سواء عبر البعثة نفسها أو من خلال الدول الكبرى ذات النفوذ المباشر عليها".
بنغازي محطة عسكرية دولية.. دلالات زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى ليبيا
وأكد المحلل السياسي الليبي أن "هذه الدول لن تسمح ببلورة حل حقيقي للأزمة، بل تعمل على إدارتها وإطالة أمدها، بما يتعارض مع مطالب الشارع الليبي، الذي يسعى إلى الاستقرار والأمن، وتحسين الأوضاع المعيشية، وتوفير السيولة النقدية في المصارف، وبسط السيطرة على المؤسسات السيادية والمحلية".

وأشار إلى أن "الحوار الحالي يزيد المشهد السياسي تعقيدًا من خلال اتساع دائرة التدخلات الدولية، لا سيما من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية"، معتبرًا أن "هذا التعقيد يخدم طموحات تلك الدول ومصالحها في الساحة الليبية".

وأضاف السعيطي أنه "لا توجد ضمانات حقيقية للحل من قبل المجتمع الدولي أو البعثة الأممية أو الدول المتدخلة، في ظل غياب أي رادع فعلي للمعرقلين، رغم معرفة مجلس الأمن بهوياتهم، إلا أنه يكتفي بتلميحات غير جدية بفرض العقوبات، نتيجة حسابات الولاءات والمصالح".
في زيارة تاريخية… رئيس الأركان الباكستاني يبحث التعاون العسكري مع ليبيا
وحذّر المحلل السياسي الليبي من أنه "في حال فشل هذا الحوار، وهو سيناريو وارد، سيستمر الوضع القائم بما يخدم مصالح الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد، ويحقق مكاسب للقوى المسيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي".
كما طرح سيناريو آخر يتمثل في تعميق الانقسام بدعم خارجي، مع بقاء بؤرة الصراع الأساسية في منطقة الهلال النفطي وسط البلاد، التي تمثل محل أطماع لعدة دول تسعى للاستفادة من مواردها. ولفت إلى أن "ذلك قد يقود إلى مواجهات بين أطراف محلية للسيطرة على منابع النفط، قبل أن تمتد الاشتباكات إلى مناطق أخرى، بدعم من أطراف إقليمية ودولية".

وأشار السعيطي إلى "وجود متغيرات دولية على الأرض، تتمثل في تنامي أدوار دول مثل تركيا واليونان ومصر وباكستان"، مرجحًا أن "تفتح هذه التحركات الباب أمام سيناريو صراع دولي جديد، خاصة في حال بروز طرف قادر على إخراج ليبيا من أزمتها الراهنة".

وأكد أنه "حتى في حال نجاح الحوار وإصدار مخرجات، فلن تكون أقوى أو أكثر تأثيرًا من مخرجات مسارات سابقة، مثل اللجنة الاستشارية، أو لجنة 5+5 العسكرية، أو لجنة 6+6، التي تناولت بدورها نقاطًا جوهرية دون أن تُترجم إلى حلول فعلية".
اتفاقيات ما بعد الزيارة: هل تعيد باكستان تشكيل خيارات ليبيا العسكرية؟
وختم السعيطي بالقول إن "ليبيا تمر بأسوأ مراحلها، في وقت يتطلع فيه الشعب الليبي إلى الاستقرار وإجراء الانتخابات، مقابل سعي دولي لإضعاف الدولة الليبية واقتصادها"، محذرًا من أن "الضغوط على الوضع المالي، عبر مؤسسات دولية مثل البنك الدولي، قد تدفع نحو انهيار اقتصادي أعمق يفاقم معاناة الليبيين".
شمول أكثر

فيما قال المحلل السياسي الليبي معتصم الشاعري، إن "ما يميّز الحوار المُهيكل عن غيره من المسارات السابقة هو كونه أكثر شمولًا، إذ يتناول جملة من الملفات المتداخلة، من بينها الحوكمة والملف الأمني والمصالحة الوطنية والاقتصاد، وليس مقتصرًا على جانب سياسي واحد".

وأوضح الشاعري أن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، اتجهت إلى إطلاق الحوار المُهيكل بعد انتهاء أعمال اللجنة الاستشارية، التي شكّلتها البعثة، حيث رأت ضرورة الذهاب إلى هذا المسار الجديد لمعالجة عدد من النقاط الخلافية، التي لم تُحسم في المسارات السابقة".
خبراء: ارتفاع الدولار في ليبيا… أزمة نقدية معقدة وتداعيات قاسية على المواطن
وأشار المحلل السياسي الليبي إلى أنه "من أبرز سمات هذا الحوار أنه ليس ساحة لاتخاذ القرار، وإنما يُعد جسمًا فنيًا واستشاريًا، ومخرجاته غير مُلزمة للجهات والمؤسسات الليبية، وهو ما صرّحت به البعثة الأممية بشكل واضح"، لافتًا إلى أن "دوره يقتصر على مساندة السلطات القائمة والمساهمة في فك حالة الانسداد السياسي بين مجلسي النواب والدولة".

وبيّن الشاعري أن "هناك سوء فهم لدى الشارع الليبي لطبيعة الحوار المُهيكل، إذ ينظر إليه البعض على أنه مدخل مباشر للحل، وهو أمر غير دقيق، لأن هذا المسار لا يملك بحد ذاته أدوات الحل أو فرض النتائج على الأطراف السياسية".

كما أثار تساؤلات حول معايير اختيار بعض الأسماء المشاركة في لجنة الحوار المُهيكل، مشيرًا إلى أن "هوية وآليات اختيار بعض المشاركين غير واضحة، وأن بعض الأسماء غير قادرة على تقديم حلول حقيقية للأزمة".
جائزة ليبيا الذهبية... منصة سنوية لتكريم التميز وصناع الإنجاز في الرياضة الليبية

واعتبر الشاعري أنه "لا توجد ضمانات دولية حقيقية من الدول المتدخلة في الملف الليبي"، مؤكدًا أن "أي حل فعلي للأزمة لن يتحقق إلا في حال توصل هذه الدول نفسها إلى تفاهمات فيما بينها بشأن ليبيا". وأضاف أن "جميع الدول أعلنت دعمها للحوار المُهيكل والبعثة الأممية تحت شعار مساعدة ليبيا والليبيين، إلا أن ما يُدار خلف الكواليس قد يكون أعمق وأكثر تعقيدًا من المعلن".

وأكد أنه "في حال فشل الحوار المُهيكل، فإن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه، من استمرار وجود حكومتين، وتعميق الانقسام، وتفاقم الأزمات المتلاحقة، التي تلقي بظلالها الثقيلة على المواطن الليبي أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا"، مشددًا على أن "الطبقة السياسية لا تبدي اكتراثًا حقيقيًا بنجاح أو فشل الحوار، بقدر ما يهمها الاستمرار في السلطة لأطول فترة ممكنة"، على حد قوله.
وانطلقت في العاصمة الليبية طرابلس، يوم الأحد الماضي، أعمال الاجتماع الافتتاحي للـ"حوار المهيكل"، الذي تيسّره بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في إطار مساع أممية تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة الوطنية، وإشراك شرائح أوسع من الليبيين في العملية السياسية، ضمن مسار يسعى إلى تجاوز حالة الجمود ودعم جهود التوافق حول مستقبل البلاد.
مناقشة