ظهرت اللعنة منقوشة باللغة الآشورية، على إحدى أواني مدينة النمرود "كالح"، التي أسسها الملك الآشوري آشور ناصربال الثاني (ملك آشور بين عامي 883 و859 ق.م)، منتصف الألف الثانية ق.م، على مسافة 37 كلم جنوب شرقي مدينة الموصل، التي تحتضن حدودها الآن العاصمتين الآشوريتين الأخريين، نينوى وخربساد (دور- شركين)، شمال العراق.
فى حديثه لـ"سبوتنيك" سرد باحث الآثار العراقي، علي طالب، تاريخ مدينة النمرود، التي حُطمت معالمها وأبنيتها مؤخراً على يد تنظيم (داعش). كل ما فعله (داعش)، أنه دمر آثاراً عراقية شركية كُمبرر على عجزه عن حملها وتهريبها وبيعها، كباقي النفائس الحضارية من بلاد الرافدين، ومنها مدينة النمرود الآشورية الأثرية التي عُثر فيها على أعظم كنز في التاريخ يُضاهي اكتشاف كنز توت عنخ آمون الفرعوني في مصر.
ووفقا للجزء الثاني من قصة "كنز" النمرود، كما يرويها داني جورج مدير المتحف العراقي السابق والمحاضر في جامعة ستوني بروك في نيويورك في محاضرته التي ألقاها عن كنوز النمرود في العاشر من أبريل/نيسان من عام 1988 ، قال أن عالم أثار عراقي يدعى مزاحم محمود وجد أن أرضية إحدى القاعات داخل مدينة النمرود غير متناسقة، لذا أسرع ليزيل بعض البلاطات فظهر أمامه رأس قبة ثم مدخل إلى غرفة تحت الأرض. وبعد عشرة أيام، وصل مزاحم إلى باب مطوق بآجرات تحميها مسلة من رخام تحمل النص "آشور ناصربال الثاني.
وحتى الخامس عشر من مايو/ آيار من العام المذكور، وجد مزاحم وراء الباب هيكلا عظميا لامرأة مُمددة على ظهرها في عنقها عقد وفي أذنيها قرطين من الذهب جميعها مطعمة بالعقيق واليشب واللازورد وحلي ذهبية، ورأسها مُستند إلى قصعة من فضة منحوتة على شكل نجمية.
الدهشة بالعثور على كنز عظيم، كادت أن تُطفئ حياة مزاحم لبرهة، لكن نشوة الاكتشاف جعلته يُفكر بوجود المزيد.
واصل مزاحم البحث والحفر حتى فتح غرفة ثانية عثر فيها على جرار فخارية في ديسمبر/كانون الأول عام 1988.
وفي مارس/آذار عام 1989، عثر مزاحم على بئر مربع عمقه ثلاثة أمتار أخرج منها ركام أحجار ليرى باباً موصداً ورائه غرفة يضطر من يدخلها للإنحناء.
كانت الغرفة مليئة بالأواني والجرار الفخارية وقناديل الزيت وزجاجيات وألواح من طين كتب على إحداها باللغة الآشورية الحديثة، وترجمتها بالعربي عبارة "الويل لمن يلمس أجسادنا.. الويل لمن يسرق حُلانا.. يموت مريضاً ولا يذهب إلى الجنة".
نزع مزاحم باباً مغلقاً لينسدل ضوء النهار لأول مرة منذ ألفين وسبعمائة سنة على غرفة جنائزية مربعة تتمدد فيها آبايا وإتيليا زوجة وإبنة الملك تجلاتبلازر الثالث.
آبايا مُغطاة بالذهب الخالص، بينما تتدلى من إيتيليا العقود والأساور والخواتم، محاطتان بأوان مطبخية من ذهب وأخرى من رخام أبيض، كاد أن يُغشى عليه من الرهبة والحماسة بسبب ما اكتشفه.
ثم اكتشف غرفة ثانية، فوجد قبراً ضخماً فارغاً وبجانبه ثلاثة قبور ضخمة تحتوي على رفات 17 شخصاً وعثر فيها على تاج ذهب محفور على شكل أوراق العنب والرمان، وصورة ملك الموت يزن كيلو جراماً نقش عليه "إنه يعود إلى زوجة آشور ناصربال الثاني" وإلى جانبها حلي لا يحصى بالإضافة إلى تاج آخر مزين بـ96 قطعة على شكل وردة.
ما أكتشفه مزاحم محمود، أكثر من ستمائة حلية بأنماط آشورية مصرية فينيقية مدفونة من قلب القصر الإمبراطوري، وكان مصدر الذهب من مصر العليا والأناضول والفيروز من إيران، أما اللازورد فكان من أفغانستان.
مع وقت الاكتشاف التاريخي، كان العراق في حرب مع الكويت وبسبب سياسات النظام السابق، لم يحصل مزاحم محمود على إشهار يضعه بنفس المكانة مع هنري مالون، زوج "أغاثا كريستي" الكاتبة الإنغليزية التي اشتهرت بكتابة الروايات البوليسية.
ونُقل كنز النمرود، بتكتم من النظام السابق، إلى البنك المركزي العراقي، وبعد 10 أعوام من السر، تمكن مزاحم محمود من البوح بأعظم اكتشاف في حياته وتاريخ العراق الإنساني، عندما تلقى دعوة من المتحف البريطاني عام 2002.
وعرض مزاحم الصور التي التقطها للموقع والكنز على مدير العاديات الشرق أوسطية، جون كورتيس، وصاح قائلاً "إنه اكتشاف أثري يضاهي اكتشاف كنز توت عنخ آمون".
وحفظ كنز النمرود في صناديق خزنة مُحكمة الإغلاق داخل قبو يتكون من مستويين ذي تقنية تغمر الخزنة الرئيسية بالمياه أوتوماتيكيا، ولا يُمكن فتح الخزنة إلا بمفتاحين وشيفرتين من الأرقام، احتفظ بها موظفون في البنك.
وقبل انتهاء حرب غزو الكويت، ذهب عدي صدام حسين لسحب مليار دولار من البنك المركزي، الأمر الذي رفضته الإدارة مُشترطة توقيع صدام، وهذا ما حدث، جاء عدي بالتوقيع، وعندما سمع حملة مفاتيح الخزنة، حيث يغفو كنز النمرود، توقعا عدم وجود قوة تردع أحد أفراد العائلة الحاكمة من الاستحواذ على الكنز، فاتفقا على أن يفترقا ويأخذ كل منهما عائلته ويهجر بغداد باتجاه الريف، دون علم أحد قط.
وحتى سقوط النظام عام 2003، قُتل عدي على يد قوة أمريكية مع قصي، الابن الثاني لصدام، تزامنا مع انفلات الأمن في العراق، إذ نُهبت أغلب دوائر الدولة من قبل بعض المواطنين الذين عانوا حصار النظام لمدة طويلة، ومنها البنك المركزي.
وحاول بعض اللصوص، النزول إلى خزنة البنك لسرقة الكنز ومعهم قاذفة "آ ربي جي"، أطلقوا قذيفة منها على باب الخزنة من مسافة قريبة ارتدت عليهم لتقتلهم مُتأثرين بالانفجار، كمفعول فوري للّعنة، ودون أن يكسر الباب وبقي الكنز محفوظا حتى يومنا هذا.
وشهدت الثيران المُجنحة، أبرز معالم الحضارة العراقية الحارسة لبوابات النمرود، المدينة الخصبة ذات اللقى العاجية الكريستالية، مرتع الملك الآشوري آشور ناصربال ، بطش تنظيم (داعش) الذي روض خسائره الفادحة في محافظة صلاح الدين، بتدمير المعالم التاريخية لمحافظة نينوى أقدم وأكبر مناطق العراق آثارا.