ويجري المؤرخون في كثير من الأحيان مقارنة بين الفاتح العظيم تيمورلنك مع جنكيز خان، فقد تمكن الأول من تأسيس دولة قوية امتدت من آسيا الصغرى وحتى الصين. وتمكنت جيوش تيمورلنك من سحق دول عظمى في آسيا مثل القبيلة الذهبية والهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية. وفي نهاية حياته فكر تيمورلنك في القيام بحملة كبيرة ضد الصين، لكنه لم يتمكن من إنجازها، حيث أصيب بمرض وتوفي عام 1405. وبطبيعة الحال فقد نقل جثمان الحاكم إلى عاصمته في مدينة سمرقند ودفن في ضريح فاخر يدعى بكور أمير. وقتئذ ظهرت أسطورة تحكي عن "لعنة تيمورلنك" والمقصود هنا أنه في حال تعرضت جثته لأي قلق فهذا يعني بداية حرب رهيبة وعظيمة. وعليه لم يجرؤ أحد لمدة خمسة قرون من الزمن من خرق وانتهاك حرمة الضريح. لكن حدث ذلك في شهر حزيران/يونيو من عام 1941 عندما أمر جوزيف ستالين بإرسال بعثة علمية إلى سمرقند لنبش قبر تيمورلنك.
وفي هذا الإطار تذكر مصور البعثة مالك قيوموف حادثة غريبة وقعت عشية نبش القبر. وقتها دخل إلى مقهى والتقى مجموعة من كبار السن. فسأل أحدهم: "ألستم أنتم من تريدون نبش قبر تيمورلنك؟" وعندما تلقى الجواب إيجاباً، عبس الرجل العجوز وأخرج مخطوطة قديمة مكتوبة باللغة العربية: "أولئك الذين سيفتحون القبر سيهزمون من قبل عدو أكثر هولاً مني". كان العجوز يقرأ المخطوطة بحماس وبشكل مقنع، حتى أن قيوموف قرر أن ينقل ما سمعه ورآه إلى علماء البعثة، لكنهم ضحكوا منه وسخروا واعتبروا ان كل ذلك خرافة لا أكثر ولا أقل، وواصلوا عملهم.
أزال الباحثون بلاطة الرخام التي كانت تغطي قبر الفاتح، وكان تحتها تابوت خشبي ضخم حافظ على شكله وكأنه تابوت جديد على الرغم من مضي 500 عام تقريباً، وهنا كانت المفاجأة. فما أن رفع العلماء غطاء التابوت حتى انطفأت الأضواء التي كانت تنير ظلمة القبر فجأة، وانتشر في الهوا عبير ورائحة مسكرة. وهنا قرر العلماء أنه عندما دفن تيمورلنك في التابوت وضعت له مجموعة من أنواع البخور، لكن كان من الصعب عليهم شرح معجزة انقطاع الكهرباء، حيث عادت الأضواء بعد ثلاث ساعات فجأة كما انطفأت.
لم تنته القصة عند هذا الحد، فقد تطوع مصور البعثة مالك قيوموف إلى الجبهة لتصوير وثائق حربية. وفي خريف عام 1942 تسنى له أن يلتقي بأحد أبطال هذه الحرب وهو المارشال غيورغي جوكوف. عندها أعلم قيوموف المارشال جوكوف عن لعنة تيمورلنك وعن نذير كبار السن. وهنا سرعان ما تم إعلام ستالين بهذا الخبر، وعلى ما يبدو أن هذه القصة تركت انطباعاً عميقاً لدى الزعيم السوفيتي، وذلك لأنه أمر على الفور بإعادة دفن تيمورلنك في سمرقند. وبالطبع فقد وارى الفاتح الرهيب مثواه مرة أخرى في بكور أمير في 19 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لعام 1942. وفي هذا التوقيت بالتحديد بدأ تاريخ الهجوم المضاد للقوات السوفيتية في ستالينغراد وبدأ الجيش الألماني يتكبد هزائم ساحقة، أي أنه بعد عودة رفات تيمورلنك إلى سمرقند تغير الوضع على الجبهة بشكل كبير، وبدأت القوات السوفيتية تحقق الانتصارات تلو الانتصارات إلى حين شهر أيار/مايو من عام 1945 عندما انتهت الحرب بالنصر الكبير على الفاشية الألمانية.
تبقى رفات تيمورلنك حتى يومنا هذا في ضريح بكور أمير. ونحن بدورنا نأمل في أن تبقى هذه الرفات هناك إلى الأبد. بإمكاننا ألا نصدق الأساطير القديمة التي تتحدث عن "اللعنات"، ولكن لا ينبغي علينا أيضاً أن نختبر القدر.