إن ظهور واختفاء حضارة "المايا" ما زال أمرا يحيّر العلماء، وما فتئ يثير الكثير من التساؤلات، حتى وإن كانت هناك بعض التفسيرات والنظريات، وأهمها التغييرات التي طرأت على التربة في الأراضي التي كانوا يقيمون فيها والتغيّرات الطقسية والمناخية… ففي نهاية القرن الثامن الميلادي، بدأ عصر انحطاط المايا في الأراضي المنخفضة (غواتيمالا والهندوراس)، وانتهت في القرن العاشر الميلادي. وكان آخر معلم من معالمهم المعمارية الكبرى قد بني عام 909.
كانت ذروة حضارة المايا في الفترة ما بين 300-700 سنة للميلاد، ومن المعروف أن ممثلي هذه الثقافة كانوا يعرفون علم الفلك، واخترعوا تقويما خاصا بهم، والكتابة الهيروغليفية والأهرامات الشهيرة. ولكن بعد سنة 700 ميلادية، غرقت الحضارة في الفوضى والحروب، وتضاءلت حركة البناء وغيرها من الأنشطة. لقد بحث المتخصصون فترة طويلة في أسباب هذا التراجع، حتى أنهم طرحوا فرضية أن سبب تراجع الحضارة القديمة مرتبط مباشرة بتقطيع الأشجار.
قبل بضعة سنوات، حلل الباحثون صواعد أحد الكهوف في منطقة جنوب مدينة بليز. ووفقا لنتائج التحليل، تبيّن أن تراجع الحضارة يتزامن مع فترات الجفاف.
ويعتقد الخبراء أن الجفاف بدأ نتيجة لتغيرات كبرى في النظام المناخي للمنطقة. وكما هو معروف في الحزام الاستوائي، الصيف يشهد أعلى هطول للأمطار. ويشير العلماء إلى أنه في فترة التراجع في ثقافة المايا، الرياح الموسمية كانت تمر من شمال شبه جزيرة يوكاتان، التي كانت آنذاك مركزا لحضارتهم.
وأجرى الباحثون تحليلا كيميائيا للعينات، واهتموا خصوصا بنسبة التيتانيوم والألمنيوم. فعندما تتساقط الأمطار الغزيرة، فإنها تنحت الصخور البركانية التي تحتوي على التيتانيوم. وبتحديد نسبة هذا العنصر إلى الألومنيوم، يتم تحديد في أي فترة كان الجفاف.
وهكذا، يبدو أنه خلال فترة تراجع حضارة المايا بين أعوام 800 و1000 للميلاد، حلّت سنوات عجاف نتيجة القحط والجفاف، ما دفع شعوب المايا إلى التحرك نحو الشمال، وبنت على أراضي المكسيك الحديثة مدينة تشيتشن إيتزا. ثمة فترة جفاف أخرى لوحظت ما بين أعوام 1000 و 1100م. هذه الفترة تتوافق مع سقوط تشيتشن إيتزا، مما يدعم فرضية أن الجفاف كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى اختفاء حضارة المايا.