وشرعت بعض العناصر المشاركة في الاحتجاجات في تحطيم واجهات المحال في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، فيما بادرت القوات الأمنية الكثيفة في استخدام خراطيم المياه وقنابل الغاز لتفريق المتظاهرين من ساحة "الشهداء"، فيما قالت مصادر أن تعزيزات من الجيش اللبناني في طريقها لمساندة الفرق الأمنية المشاركة في التصدي للتظاهرات.
مواجهات عنيفة
كانت المواجهات بدأت حين حاول بعض الشبان نزع الشريط الشائك الذي يفصل بين ساحة "رياض الصلح"، المعقل الرئيسي للتحرك الاحتجاجي، والسراي الحكومي في وسط العاصمة اللبنانية.
وعمد بعض المتظاهرين منذ ساعات بعد الظهر إلى إلقاء زجاجات المياه الفارغة ومفرقعات على القوى الأمنية المنتشرة في المكان.
وفي حوالي الساعة السابعة، نجح عدد من الشبان في نزع الشريط الشائك، بعد ربطه بسيارة، فردت القوى الامنية بفتح خراطيم المياه لتفريقهم، لتندلع إثر ذلك مواجهات عنيفة تبادل فيها الطرفان التراشق بالحجارة، قبل أن تمطر القوى الأمنية المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع، فيما سجل إطلاق نار من قبل الأجهزة الأمنية لتفريقهم.
تحركات مشبوهة
وقال مصدر أمني لوكالة "سبوتنيك" إن "مثيري الشغب" هم من المندسين و"يبدو أنه ليست لهم اي علاقة بالمتظاهرين السلميين الذين عبروا عن رقي في التعبير عن رأيهم"، وهو ما أكده ناشط في الحراك المدني لوكالة "سبوتنيك"، رافضاً الكشف عن اسمه، قائلاً إن "نشاطاً ملحوظاً سجل منذ ليل أمس لبعض الشبان من منطقة "الخندق الغميق"، وهم من مناصري حركة أمل (التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري)، ويبدو أن الهدف من هذه التحركات المشبوهة استدراج الشارع إلى العنف وبالتالي افشال التحرك السلمي، بعد النجاح الذي حققه خلال اليومين الماضيين، عبر مشاركة شعبية غير مسبوقة".
وعلى خلفية هذه المواجهات، انسحب عدد كبير من المتظاهرين من ساحة "رياض الصلح" إلى ساحة "الشهداء" المجاورة.
وقال الناشط المدني في حملة "طلعت ريحتكم"، عماد بزي، في تصريحات للصحافيين، من وسط بيروت، أنه "ليس للحملة أي علاقة بما يجري في ساحة رياض الصلح"، متهما "بعض الأحزاب بإرسال عناصر لتوتير الوضع والتشويش"، فيما دعت حملة "طلعت ريحتكم" المواطنين للخروج من الشارع، والعودة إلى التظاهر عند السادسة من مساء غد.
"مثيرو الشغب"
كما قام عدد من الشبان باضرام النار حول السياج الشائك المحيط بخيمة تابعة لأهالي العسكريين المخطوفين، ولكن تم إخماد الحريق قبل امتداده، كما أحرقوا دراجة نارية تابعة لقوى أمنية، فيما أفاد شهود عيان لوكالة "سبوتنيك" ان بعض مثيري الشغب قاموا بتحطيم واجهات عدد من المتاجر في الشوارع المحيطة بمكان الاشتباكات.
وسبق المواجهات تظاهرة حاشدة لحملة "طلعت ريحتكم" في وسط بيروت، حيث تقاطر المتظاهرون من المناطق اللبنانية المختلفة إلى ساحة "رياض الصلح" لليوم الثاني على التوالي، مطالبين باسقاط الحكومة اللبنانية، على خلفية استمرار أزمة النفايات، وتفشي الفساد السياسي والإداري في أجهزة الحكم في لبنان.
غضبة المشنوق
وشهدت تظاهرة اليوم مشاركة حاشدة من قبل مواطنين، معظمهم غير منضمين في أحزاب سياسية، استجابة لدعوة حملة "طلعت ريحتكم"، التي يقودها ناشطون من المجتمع المدني وعدد من المجموعات الشبابية اليسارية.
وسجلت "سبوتنيك" مشاركة ملفتة من قبل فئات شعبية ذات خلفيات مناطقية واجتماعية وطائفية متعددة.
وبحسب ما أفاد مراسل وكالة "سبوتنيك" في بيروت، فإن المتظاهرين ملؤوا ساحة "رياض الصلح"، القريبة من مقري مجلس النواب ومجلس الوزراء، والشارعين الرئيسيين المتفرعين منها، وهما شارع المصارف وشارع اللعزارية.
وقال مصدر في "طلعت ريحتكم" لوكالة "سبوتنيك" إن عدد المتظاهرين تجاوز كل الفعاليات الاحتجاجية التي نظمت منذ انطلاق الحملة قبل أسابيع، مقدّراً العدد بنحو 20 ألفاً.
ورفع المتظاهرون شعارات منددة بالطبقة السياسية في لبنان، من بينها "يا مشنوق:" الاستقالة أيضاً معتمدة في الدول الديمقرطية"، في إشارة إلى وزير الداخلية، نهاد المشنوق، الذي أثار غضب المتظاهرين بقوله إن قنابل الغاز المسيل للدموع معتمدة في كل الدول الديمقراطية"، وذلك عقب الاستخدام العنيف للقوة من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني ضد المتظاهرين مساء أمس، والتي سجل فيها استخدام لقنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي وخراطيم المياه والهراوات.
ساحة "شتورة"
وأطلق المتظاهرون بحماسة هتافات من بينها "الشعب يريد اسقاط النظام"، و"خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، وهما الشعاران المستوحيان من شعارات الثورة المصرية، و"14 و8، عملوا البلد دكانة"، في إشارة الى فريقي 8 آذار و14 آذار اللذين يتقاسمان أجهزة الحكم في لبنان.
وفي موازاة التحرك المركزي في وسط بيروت، قالت مصادر محلية لـ"سبوتنيك" إن عدداً من الشبان تجمعوا في ساحة "شتورة" في البقاع اللبناني، تضامنا مع الاعتصام، الذي دعت إليه حملة "طلعت ريحتكم"، فيما قطع عدد من الأهالي الطريق في بلدة القاع في شمال البقاع على مقربة من الحدود اللبنانية- السورية.
كما تجمع عدد كبير من الشبان عند ساحة "النجمة" في مدينة صيدا الجنوبية مطالبين بـ"اسقاط النظام" ودعماً لتحرك وسط بيروت، بحسب ما قال شاهد عيان لـ"سبوتنيك".
وفي الشمال، قال شهود عيان لمراسل "سبوتنيك" إن متظاهرين قطعوا أوتوستراد المنية — طرابلس، واوتوستراد البترون- طرابلس تضامناً مع متظاهري "طلعت ريحتكم".
حلول سحرية
وفي مؤتمر صحافي من السراي اكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام الدعوة إلى جلسة منتجة للحكومة الاسبوع المقبل قائلاً إن "للصبر حدوداً وسيتخذ الموقف المناسب في حال استمر التعطيل"، مشيراً إلى أن "مجلس الوزراء سينعقد الأسبوع المقبل وعلى جدول أعماله ملف النفايات كبند أول ومواضيع ملحة حياتية"، مؤكداً أن "الأمور بحاجة إلى علاج جذري وسريع رغم إقراره بعدم وجود أي حلول سحرية أو عجائبية في ظل العرقلة والتعطيل والصراع السياسي". وشدد سلام على أنه سيتخذ الموقف المناسب الذي يحمي لبنان في أوانه.
"المستقبل" والمجهول
من جهته، أكد زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري دعمه لموقف سلام، ودعوته الصريحة لتفعيل عمل الحكومة، ومعالجة الاستحقاقات الداهمة وفي مقدمها مشكلة النفايات. ودان أي شكل من أشكال الإفراط الأمني في مواجهة التظاهرات السلمية، منبهاً من محاولات استدراج البلاد إلى الفوضى والمجهول.
وأضاف "لا بد لنا من التذكير بأن مهمة هذه الحكومة هي تثبيت الأمن والاستقرار وتسيير شؤون الدولة في انتظار ملء الشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام والذي انعكس سلبا على مسار الدولة ككل وعلى عمل الحكومة ومهماتها في إدارة الشأن العام ومتابعة أمور الناس وتلبية حاجاتهم".
وتابع "نحن لن نسمح بأن ينهار لبنان وتنهار شرعيته، ونؤكد في الوقت ذاته، ان مشكلة النفايات لن تبقى أسيرة التجاذبات السياسية، وهي ستأخذ طريقها الى الحلول الواقعية في الأيام المقبلة، وهو ما نتمناه من خلال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء".
"فشة خلق"
بدوره، أيد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط مواقف سلام، محذراً من "استغلال قوى التعطيل للتحرك المطلبي الشعبي".
من جهته، أعرب رئيس الهيئة التنفيذية في حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عن تضامنه مع المعتصمين في ساحة "الشهداء"، لكنه تساءل "هل "فشة الخلق تحل المشاكل المتواجدة اليوم؟ واذا استقالت الحكومة ومجلس النواب ماذا نفعل عندها، وما هو البديل في الوقت الراهن في ظل الفراغ الحاصل؟".
وأضاف جعجع ان "المعتصمين يجب أن يبقوا في الساحات حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأمين النصاب الكافي للانتخابات، ونحن مستعدون للانضمام إلى المتظاهرين حتى يشارك النواب في انتخاب رئيس للجمهورية وتعتبر عندها الحكومة حكما مستقيلة، وبالتالي نشكل حكومة جديدة".
ودعا جعجع رئيس الحكومة تمام سلام إلى "عدم الاستقالة قبل انتخاب رئيس جمهورية ونزول النواب إلى المجلس وانتخاب رئيس للجمهورية"، مطالباً إياه "بدعوة الحكومة الى الاجتماع فورا وبشكل استثنائي لتقوم بإزالة النفايات من الطرق وحل هذه المشكلة".
وصمة عار
بدوره، حيّا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي "المواطنين المتظاهرين في بيروت وفي كل أنحاء لبنان" احتجاجا على أزمة النفايات، منتقدا "طريقة قمع الشباب المتظاهرين سلميا"، واعتبر أن "هذه الفوضى العارمة هي نتيجة الامتناع عن انتخاب رئيس للجمهورية".
وقال الراعي، خلال عظة الأحد، "لقد آلمتنا كثيراً طريقة قمع الشباب المتظاهرين سلميا في العاصمة بيروت لحل مشكلة النفايات التي أضحت وصمة عار على جبين المسؤولين السياسيين الآخذين بالاستهتار بشؤون البلاد والمواطنين. فنقول لهؤلاء: "هذه الفوضى العارمة على كل صعيد، من دون أي مساءلة ومحاسبة، انما هي نتيجة واضحة لامتناعكم عن انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي بغية منع قيام الدولة القادرة بمؤسساتها، التي من شأنها ان تحفظ للشعب حقوقه، وأن تضع حدا لشجع النافذين المستأثرين بمقدرات الدولة. لذلك دينونتكم عند الله والتاريخ عظيمة".
تلوث أخلاقي
وتابع الراعي قائلاً "أما المواطنون المتظاهرون في بيروت وفي كل أنحاء لبنان فنحييهم ونهنئهم على روح المسؤولية الجارية في عروقهم، ونقدر تضحياتهم متحملين الجوع والعطش والتعب والسهر وعدم الراحة والنوم. نبارك مطالبتهم ببلد نظيف من كل تلوث مادي واخلاقي وسياسي، لكننا نريدها ايضا وبنوع خاص، مطالبة بما هو الاساس لكل شيء، ونعني المطالبة بانتخاب فوري لرئيس للجمهورية".
وأضاف "وما آلمنا بالاكثر هو ان التظاهرة السلمية لمطالبة المسؤولين السياسيين بواجباتهم، قد تحولت الى صراع دام مع القوى الامنية، وانحرفت عن هدفها الاساسي الرفيع الذي يبتغيه جميع المواطنين اللبنانيين".
وأضاف "كفى الاستهتار بالشعب وبكرامته وحقوقه ومستقبله، والدستور يؤكد أن الشعب هو مصدر السلطات".
إلى ذلك، كلف وزير الداخلية نهاد المشنوق المفتش العام لقوى الأمن الداخلي، العميد جوزيف كلاس، إجراء تحقيق حول ما جرى بين المتظاهرين وقوى الأمن الداخلي وغيرها من القوى العسكرية.
وطلب المشنوق أن يكون التحقيق جاهزاً خلال 48 ساعة، ليُبنى على الشيء مقتضاه، وفق القانون. كما طلب من كلاس زيارة الجرحى والمصابين من المواطنين وقوى الأمن الداخلي والقوى العسكرية والاستماع منهم بشأن ما جرى الليلة الماضية.