وقد كان جوزيف في مهنته شخصية فريدة من نوعها، ولم يكن له مثيل في العالم، حيث استطاع أن يصبح سفير دولة كوستاريكا في إيطاليا والفاتيكان ويوغوسلافيا، وهذا كان نجاحاً رائعاً.
ولد قبل مائة عام، أي في عام 1913، أحد أبرز عملاء المخابرات السوفيتية غير الرسميين جوزيف غريغوليفيتش. بالمناسبة، اضطر غريغوليفيتش ذات مرة أن يوجه انتقاداً لسياسة الاتحاد السوفيتي، عندما ألقى كلمة وجهها إلى زعماء العالم في الأمم المتحدة. وبالطبع فقد ألهم العميل جميع المشاركين في الجمعية العمومية بخطابه الرائع، وأثار غضب أندري فيشينسكي المندوب السوفيتي الدائم لدى الأمم المتحدة، واصفاً إياه بكلب الإمبريالية. بالطبع هنا لم يكن الدبلوماسي ليتصور أن هذا الشخص الأمريكي اللاتيني البليغ ليس إلا عميل سوفيتي لعب دوره ببراعة. نعم، غيّر جوزيف غريغوليفيتش العديد من الأسماء والمهن، وخاطر بحياته أكثر من مرة واحدة، ولكن النجاح كان حليفه دائماً.
فاجأت أنباء هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي العميل السوفيتي وهو في الأرجنتين. وكانت موسكو آنذاك راغبة في تعطيل توريد المواد الخام الاستراتيجية من هذا البلد إلى ألمانيا. عندها بدأ جوزيف بانتقاء الناس الموثوق منهم والذين يتعاطفون مع الاتحاد السوفيتي، وبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة. وباتت السفن الألمانية الواحدة تلو الأخرى، تغرق ومعها آلاف الأطنان من البضائع. كما تم تفجير مستودع ألماني مع 40 طنا من مادة النترات التي تم شراؤها من تشيلي. هذه العمليات قلصت إلى الحد الأدنى تصدير المواد الخام الثمين من الأرجنتين إلى ألمانيا.
بعد الحرب ظهر غريغوليفيتش في إيطاليا تحت اسم تيودور كاسترو- ذلك التاجر الناجح في تجارة القهوة من كوستاريكا- وهي بلد صغير في أمريكا الوسطى. وشيئاً فشيئاً أصبح العميل تدريجياً صديقاً حميماً لسفارة كوستاريكا في روما، التي كانت تعاني من غياب الدبلوماسيين الأكفاء، وبطبيعة الحال استغل التاجر الناجح هذه الظروف بذكاء وقدم خدمات كبيرة للدبلوماسيين من كوستاريكا. ونتيجة لذلك، تم تعيين العميل السوفيتي سفيراً لجمهورية كوستاريكا في إيطاليا والفاتيكان، وعلى التوازي في يوغوسلافيا أيضاً. وكما تعلمون فإن أي عميل استخباراتي كان يحلم بمثل هكذا "غطاء"! وبالفعل، في شهر أيار/مايو من عام 1952، قدم تيودور كاسترو أوراق اعتماده إلى رئيس إيطاليا.
تجدر الإشارة إلى أن سفير كوستاريكا تردد كثيراً إلى الفاتيكان وقابل البابا بيوس الثاني عشر الذي سلمه وسام صليب مالطا. بالطبع فإن هذه الجائزة موجودة حالياً في متحف الاستخبارات الخارجية الروسية.
وفي شهر أيار/مايو من عام 1953، استدعي جوزيف غريغوليفيتش إلى موسكو، ولذلك اضطر للفرار مع زوجته وابنته من روما. بالطبع فإن اختفاء سفير كوستاريكا أثار ضجة وموجة من الشائعات الفظيعة. ولكن في نهاية الأمر اعتبر تيودور كاسترو في عداد المفقودين.
وهكذا اختفى "كلب الإمبريالية" إلى الأبد، في حين بدأت حياة جديدة لجوزيف غريغوليفيتش. وبدأ بممارسة العلم والأدب، وألف ثلاثة وعشرين كتاباً وأكثر من 400 دراسة علمية عن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وأمريكا اللاتينية. وفي عام 1977، أصبح جوزيف غريغوليفيتش عضوا مراسلا في أكاديمية العلوم السوفيتية. ما أثار دهشة المؤرخين والعلماء هو أن هذا الشخص تمكن من إحراز نجاحات في كل شيء، علماً أن جوزيف نفسه لم يكن يطمح للشهرة ولم يدل بمقابلات صحفية أبداً، وكان يقول للصحفيين اكتبوا عني كل شيء تعرفونه وتريدونه بعد موتي.
توفي عميل ستالين في عام 1988، وبالطبع هناك الكثير من الكتابات عنه، لكن ومن أجل تحقيق مبيعات أكثر يقوم المؤلفون بتأليف قصص غير حقيقية. لكن المدهش هنا هو أن الحقيقة التي أحاطت بحياة ونشاط هذا العميل "غير الرسمي" جوزيف كانت أكثر إثارة وأهمية من الخيال الذي كتب عنه.